اين ولد نزار قباني

اين ولد نزار قباني

اين ولد نزار قباني ؟ حفيد رائد المسرح العربيّ أبو خليل قباني، شاعر الحبّ والمرأة، والسياسيّ اللّامع، صاحب الرأي الجريء، الذي لم ينفصل عن الأحداث السياسيّة التي عصفت بتاريخ أمته، وصاحب العبارة الشهيرة “الحب في العالم العربي أسير وأريد تحريره”.

اين ولد نزار قباني

ولد نزار قباني في دمشق القديمة، في العاصمة السورية في حي مئذنة الشّحم، بتاريخ 20 آذار/ مارس عام 1923م، في كنف أسرة دمشقيّة عريقة، لها تاريخها النضاليّ المقاوم ضد الانتداب الفرنسيّ، والده التاجر الكبير توفيق قباني، ووالدته تركيّة الأصل وهي فايزة أقبيق، وله ستّة إخوة، وكتب الشعر منذ حداثته. [1]

نبذة عن حياة نزار قباني

درس نزار قباني في مدرسة الكليّة العلميّة الوطنيّة، وتابع تحصيله الجامعيّ في كليّة الحقوق في مدينة دمشق التي ولد فيها، وعمل في السلك الدبلوماسيّ في وزارة الخارجيّة السوريّة عام 1945م، وكان سفيراً لبلاده في عدّة عواصم عالميّة، مثل أنقرة، القاهرة، مدريد، ولندن. في أيام الوحدة بين سوريا ومصر عام 1959 شغل نزار منصب نائب سفير الجمهوريّة العربيّة المتّحدة في الصّين. استقال عام 1966 م ليتفرّغ لأعماله الأدبية. تزوّج من زهراء أقبيق ابنة خاله، التي أنجبت له ولديه توفيق وهدباء، وانفصلا بسبب كثرة المُعجبات من حوله، وربطته علاقة حبٍّ بالأديبة والكاتبة السوريّة كوليت خوري، التي أرشفت قصّة حبهما في أُولى رواياتها (أيامٌ معه) في الخمسينيّات. التقى عام 1962م بزوجته الثانية بلقيس الراوي وهي عراقيّة الجنسيّة، ورفض أهلها طلبه في خطبتها، ليعاود الكرة بعد سبع سنين، وتمّ الزواج وأنجبت له ولديه عمر وزينب. عاشا عاشقين حقيقيّين في بيروت، إلى حين قُتلت بفعل انفجار سيارة مفخّخة، استهدفت السفارة العراقيّة في بيروت، عام 1981م حيث كانت تعمل، خلال الحرب الأهليّة اللبنانيّة. [1]

رحيل نزار قباني

أمضى نزار قباني آخر سنيّ حياته متنقلاً بين جنيف وباريس، واستقرّ أخيراً في لندن، حيث رحل بتاريخ 30 نيسان/ أبريل عام 1998 م، إثر نوبة قلبيّة، عن عمر ناهز 75 عاماً. كانت وصيّته أن يُدفن في دمشق المدينة التي ولد نزار قباني فيها، والتي عشقها، وكان له ما أراد، فحملته الجماهير الحاشدة على الأكتاف من باب الطائرة حتّى مثواه الأخير، بمشهدٍ لم يُرَ مثله إلّا في تشييّع الملوك والزعماء؛ فكان بحقٍّ ملك القلوب، وزعيم الكلمة المُرهفة المترفة بالأحاسيس. [1]

آثار نزار قباني الأدبية

أغنى نزار قباني المكتبة العربيّة بمؤلّفاته المسرحيّة والنثريّة والشعريّة، التي خلّدها العديد من عمالقة الفنّ، الذين تلقّفوا قصائده وغنّوها، ونذكر من: [2]

مؤلفاته الشعرية

  • أوّل ديوان شعر صدر له عام 1944م وكان بعنوان، (قالت لي السمراء)، وأثار في حينها الكثير من الجدل. نظراً لاختلاف أسلوبه عن القصائد التي كانت متعارفة في تلك الفترة.
  • نشر بين عاميّ 1948 – 1950 م ثلاثة دواوين، وهي (طفولة نهد، سامبا، أنت لي).
  • كتب عام 1956 م ديوان (قصائد)، الذي اعتبره النّقاد أهمّ مؤلّفاته الأدبيّة.
  • عام 1960 م نشر ثلاثة دواوين شعر (حبيبتي، الرسم بالكلمات، يوميات امرأة لا مبالية).
  • أنشأ عام 1967 م دار نشر في بيروت حملت اسم (منشورات نزار قباني)، ونشر بعد نكسة حزيران قصائد (عنترة، يوميّات سيّاف عربي، خبز وحشيش وقمر)، و(هوامش على دفتر النكسة) التي جلجل صداها عربيّاً، سلباً وإيجاباً.
  • في سبعينيّات القرن الماضي، صدرت له مجموعة دواوين وهي: (كتاب الحب، مئة رسالة حب، القصيدة الدمشقيّة، قصائد متوحّشة، مع حبّي، أشعار خارجة عن القانون، أشهد أن لا امرأة إلّا أنت، إلى بيروت الأُنثى، كلّ عامٍ وأنت حبيبتي).
  • شهدت فترة الثمانينيّات غزارة في إنتاجه الأدبي حيث صدر له أكثر من اثني عشر ديواناً منها: (هكذا أكتب تاريخ النساء، قاموس العاشقين، قصيدة بلقيس، الحب لا يقف على الضوء الأحمر، قصائد مغضوب عليها، ثلاثية أطفال الحجارة، الكبريت في يدي ودويلاتكم من ورق، سيبقى الحب سيدي، تزوجتك أيتها الحريّة، لا غالب إلّا الحب، الأوراق السرّية لعاشق قرمطيّ).
  • وفي التسعينيات أصدر عدّة دواوين، وهي: (هل تسمعين صهيل أحزاني، خمسون عاماً في مديح النساء، أحلى قصائدي، هوامش على الهوامش، أنا رجل واحد وأنت قبيلة من النساء، أبجديّة الياسمين، تنويعات نزاريّة على مقام العشق، الأعمال السياسية، لا).

مؤلفاته النثرية

كما برع نزار قباني في النثر، وله عدة مؤلّفات، ونذكر منها:

  • مذكّراته وسيرته الذاتيّة الأولى – قصّتي مع الشعر.
  • سيرته الذاتيّة الثانية – من أوراقي المجهولة.
  • ما هو الشعر.
  • والكلمات تعرف الغضب.
  • عن الشعر والجنس والثورة.
  • الشعر قنديل أخضر.
  • العصافير لا تطلب تأشيرة دخول.
  • لعبت بإتقان وها هي مفاتيحي.
  • المرأة في شعري وفي حياتي.
  • بيروت حريّة لا تشيخ.
  • الكتابة عملٌ انقلابي.
  • شيء من النثر.

مؤلفاته المسرحية

لنزار قباني مسرحيّة عمل مسرحّي وحيد، وهو: مسرحية جمهورية جنونستان لبنان سابقاً في عام 1977 م.

بعض من أشعار نزار

تعلّق كثيراً بالمكان الذي ولد فيه نزار، وبأسرته، وبوالدته التي قال لها حين كان مسافراً في قصيدة (خمس رسائل إلى أمي): [1]

“لم أعثر على امرأة تمشّط شعري الأشقر

وتحمل في حقيبتها إليّ عرائس السكّر

وتكسوني إذا أعرى، وتنشلني إذا أعثر

أيا أمي أنا الولد الذي أبحر

ولازالت بخاطره، تعيش عروسة السكّر

فكيف… فكيف يا أمي غدوت أباً ولم أكبر”

قصائد نزار المغناة

غنّى من أشعار نزار قباني كبار نجوم الفنّ العربي، ونذكر منهم: [1]

  • أم كلثوم (أصبح عندي الآن بندقية)، (رسالة عاجلة إليك).
  • عبد الحليم حافظ (رسالة من تحت الماء)، (قارئة الفنجان).
  • نجاة الصغيرة (ماذا أقول له)، (متى ستعرف كم أهواك)، (أسألك الرحيل)، (أيظن).
  • فايزة أحمد غنت (رسالة من امرأة).
  • فيروز (وشاية)، (لا تسألوني ما اسمه حبيبي).
  • ماجدة الرومي (بيروت ست الدنيا)، (كلمات)، (مع الجريدة)، (أحبك جداً)، (طوق الياسمين).
  • طلال مداح (متى ستعرف كم أهواك)، (جاءت تمشي باستحياء والخوف يطاردها).
  • أما الفنان كاظم الساهر الذي لقّبه نزار بقيصر الأغنية العربية؛ فكانت له حصّة الأسد من قصائده التي غناها، ونذكر منها (إني خيّرتك فاختاري)، (زيديني عشقاً)، (مدرسة الحب)، (قولي أحبك).
  • أصالة نصري (اغضب).
  • عاصي الحلاني (القرار).
  • لطيفة التونسية (يا قدس)، (تلومني الدنيا).
  • إلهام المدفعي (بغداد).

دمشق في أدب نزار قباني

دمشق التي ولد نزار قباني فيها، وتملّك حبها شغاف قلبه، فترجمه نفحاتٍ شعريّة ونثريّة عطّرت الآفاق، حتّى أنّ قصائده الغزليّة للنساء كان يقصد فيها دمشق. عن داره الكائنة في دمشق القديمة قال في وصفها: “هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطر؟ بيتنا كان تلك القارورة، إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لا أظلم قارورة العطر، وإنّما أظلم دارنا، والذين سكنوا دمشق، وتغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيّقة، يعرفون كيف تفتح لهم الجنّة ذراعيها من حيث لا ينتظرون”. أقتبس أيضاً بعض الأبيات من إحدى روائعه الشعريّة، التي نظمها بعد انتصارات حرب تشرين التحريريّة، فقال: [2]

شمس غرناطة أطلّت علينا

بعد يأسٍ وزغردت ميسلونُ

يا دمشق البسي دموعي سواراً

وتمنّي فكلّ شيء يهونُ

نحن عكا ونحن كرمل حيفا

وجبال الجليل واللطرونُ

كلّ ليمونةٍ ستنجب طفلاً

ومحالٌ أن ينتهي الليمونُ

نزار وهوامش على دفتر النكسة

أثّرت نكسة حزيران عام 1967 م بنزار، كما أثّرت بكلّ العرب بعد هزيمة إسرائيل للجيوش العربيّة، وكانت نقطة تحوّل غيّرت في موضوعات قصائده، فكتب بعدها قصيدة (هوامش على دفتر النكسة) التي بسببها تمّ منعه من دخول الأراضي المصريّة، كما توقّفت الإذاعة عن نشر قصائده وأغانيه، وجاء فيها: [2]

إذا خسرنا الحرب لا غرابهْ

لأنّنا ندخلها…

بكلِّ ما يملك الشرقي من مواهب الخطابهْ

بالعنتريّات التي ما قتلت ذبابهْ

فكتب إثر ذلك رسالةً خاطب فيها الرئيس المصري جمال عبد الناصر، قال فيها: “لقد أودعت قصيدتي خلاصة ألمي وتمزّقي، وكشفت فيها عن مناطق الوجع في جسد أمتّي العربيّة، لاقتناعي بأن ما انتهينا إليه لا يُعالج بالتواري والهروب، وإنما بالمواجهة الكاملة لعيوبنا وسيّئاتنا. وإذا كانت صرختي حادة وجارحة وأنا أعترف سلفاً بأنّها كذلك، فلأن الصرخة تكون في حجم الطعنة، ولأن النزيف بمساحة الجرح… ولا أريد أن أصدق أن مثلك يعاقب النازف على نزيفه والمجروح على جراحه ويسمح باضطهاد شاعر عربي يريد أن يكون شريفاً وشجاعاً… فدفع ثمن صدقه وشجاعته”. وقد كان لهذه الرسالة بالغ الأثر في عودة بثّ أشعار نزار في كلٍّ من الإذاعة والتلفزيون المصريّ، وقد صرّح بنفسه عن ذلك فقال: “كسرت الحاجز بين السلطة والأدب”.

أقوال شهيرة لنزار قباني

لنزار قباني أقوال كثيرة، نذكر منها: [2]

  • “لا تحبّ بعمقٍ قبل أن تتأكّد أنّ الطرف الآخر يحبّك بنفس العمق، فعمق حبّك اليوم، هو عمق جرجك غداً”.
  • “تسألني حبيبتي: – ما الفرق ما بيني وما بين السما؟ الفرق ما بينكما، أنّك إن ضحكتي يا حبيبتي… أنسى السما”.
  • بما أنّ ولد نزار قبانيفي دمشق، فطلب في وصيّته قبل وفاته: “أدفن في دمشق، الرحم التي علمتني الشعر والإبداع، وأهدتني أبجدية الياسمين”.
  • جاء في مذكّراته واصفاً حادثة انتحار أخته: “صورة أختي وهي تموت من أجل الحبّ، محفورة في لحمي، كانت في ميتتها أجمل من رابعة العدويّة”.
  • عملت الحكومة السوريّة على تسمية الشّارع الذي ولد فيه نزار قباني في دمشق على اسمه في حياته، فقال: “هذا الشّارع الذي أهدته دمشق إليّ، هو هديّة العمر، وهو أجمل بيت أمتلكه على تراب الجنّة، تذكّروا أنّني كنت يوماً ولداً من أولاد الشّارع، لعبت فوق حجارته، وقطفت أزهاره، وبللت أصابعي بماء نوافيره”.

معلومات هامة عن نزار قباني

هناك مجموعة من الحقائق والمعلومات التي تتعلّق بمولد ونشأة وحياة نزار قباني، ونذكر منها: [1]

  • في دمشق حيث ولد نزار قباني له في طفولته عدّة محاولات في العزف الموسيقي على آلة العود، وفي الرسم قبل أن تتفتّح موهبته في الشعر.
  • تعلّم على يد أحد الخطّاطين أصول الخطّ العربيّ.
  • تتلمذ على يد الشاعر خليل مردم بك، الذي علّمه أصول النحو والصرف والتعبير اللّغويّ، وكان شغوفاً بحفظ أشعار القدماء، كجميل بثينة، وقيس بن الملوّح، وعمر بن أبي ربيعة.
  • كتب أبياته الشعريّة الأُولى أثناء رحلة مدرسيّة بحريّة إلى روما، وكان في السّادسة عشر من عمره، وكانت في وصف الأمواج والأسماك في البحر.
  • أصدر أوّل دواوينه الشعريّة (قالت لي السمراء) على نفقته الخاصّة.
  • قضت أخته منتحرة بسبب رفضها الزواج بمن لا تحب، وكانت هذه التجربة بالغة التأثير في توجّهات قصائده العشقيّة المُناصرة لحقوق المرأة.
  • كتب الشعر العمودي أولاً ثمّ انتقل إلى كتابة شعر التفعيلة.
  • يُعتبر نزار قباني أوّل الشعراء الذين نوقشت قصائدهم تحت قبّة البرلمان السوري بعد مطالبات بطرده من السلك الدبلوماسي بسبب قصيدة (خبز وحشيش وقمر).
  • قامت شركة الشرق السوريّة لإنتاج الأعمال الفنيّة بإنتاج مسلسل تلفزيونيّ يحكي سيرة حياته.
  • تعمل وزارة الثقافة السورية على تخصيص متحفٍ خاصّ بنزار قباني، وأعماله.
  • تزامناً مع احتفالية دمشق (عاصمة الثقافة العربيّة) في اليوم العالمي للشعر، وفي الذكرى الخامسة والثمانين لميلاده، طافت شخصيّات من معجبيّ نزار قباني ومحبيّ أدبه في شوارع وساحات دمشق العامّة، وألقوا قصائده التي تغنّى فيها بدمشق، بالإضافة إلى بعض قصائده المُغنّاة. وعملت الأمانة العامّة، المُشرفة على الاحتفاليّة، بإصدار كتابٍ تذكاريٍّ، من تأليف خالد حسين، حمل عنوان (نزار قباني قنديل أخضر على باب دمشق).

بذلك نكون قد عرفنا اين ولد نزار قباني في دمشق جدّة عواصم التاريخ المأهولة، وقلب العروبة النابض، وأميرة نساء ابنها البار نزار قباني، وهيامه الذي ترجمه في أشعاره، وعشقه الأبديّ الذي رافقه إلى مثواه الأخير.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *