اين تقع مدينة النحاس

اين تقع مدينة النحاس

اين تقع مدينة النحاس؟ إنّها واحدة من المواقع التي تدور حولها الأساطير التاريخيّة، حيث وثّق لها بعض المؤرّخين. في حين دحض وجودها البعض الآخر. في الواقع هي من أغرب المدن التي دارت حولها العديد من الإشكاليات والانتقادات. ولعلّنا في هذه المقالة ضمن موقع محتويات نكشف كنهها.

اين تقع مدينة النحاس

ليس معروفاً بالتحديد اين تقع مدينة النحاس إن كانت تقع في الأندلس الأوروبيّة أو في دولة المغرب في إفريقيا. في الواقع إنّها المدينة التي ورد ذكرها في كتب المؤرخين القدماء. وغالباً كان البعض مصدّقاً لوجودها، وبعضهم الآخر نافياً ذلك ويعتبرها من مدن الأساطير والتي تدور حولها الحكايات. في حين أنّ الروايات التي تقول بأنّها موجودة، تنقسم إلى قسمين. في الواقع، منها ما ينسب تشييدها على يد الملك ذو القرنين، حيث أنّه قام ببنائها في بلاد الأندلس، على المحيط الأطلنطي، وقام بسحرها كي لا يستطيع أحد دخولها. بينما البعض الآخر ينسبها إلى الجنّ، حيث أنّهم قاموا بتشييدها بناءً على رغبة الملك سليمان.

قصة مدينة النحاس الغرائبية

في هذه مقالة اين تقع مدينة النحاس، نقتطف بعض مما ذكره أبو حامد الأندلسي، كما ويعرف بالغرناطي، في كتابه (تحفة الألباب ونخبة الإعجاب). حيث جاء في الباب الثاني الذي يحمل عنوان: “في صفة عجائب البلدان وغرائب البنيان” كما يلي:

مرحلة محاولة اكتشاف المدينة

أوّل مرحلة لاكتشاف مدينة النحاس التي تقع في الأندلس كانت بعدّة محاولات للاستدلال على طريقة دخوله، نعرضها فيما يلي:

  • “مدينة النحاس بنتها الجن لسليمان بن داوود عليهما السلام تقع في فيافي الأندلس بالمغرب الأقصى قريباً من بحر الظلمات. وقد بلغ خبرها إلى عبد الملك بن مروان الذي كتب إلى عامله بالمغرب: إنه قد بلغني خبر مدينة النحاس التي بنتها الجن لسليمان بن داوود عليهما السلام. فاذهب إليها واكتب إلي بما تعاينه فيها من العجائب…”.
  • “ولما وصل كتاب عبد الملك بن مروان إلى عامله بالمغرب موسى بن نصير. خرج في عسكر كثيف وعدة كثيرة، وخرج معه الأدلاء يدلونه على تلك المدينة، فسار على غير طريق مسلوك مدة أربعين يوماً حتى أشرف على أرض واسعة كثيرة المياه والعيون والأشجار والوحوش والأطيار والحشائش والأزهار. وبدا لهم سور مدينة النحاس كأن أيدي المخلوقين لم تصنعها، فهالهم منظرها…”.
  • “وأرسل قائداً من قواده.. وأمره أن يدور حول المدينة وينظر هل يرى لها باباً… ولم يجد للمدينة باباً، فقال موسى: كيف السبيل إلى معرفة ما في هذه المدينة؟ فحفروا عند سور المدينة حتى وصلوا إلى الماء، وسور النحاس راسخ تحت الأرض حتى غلبهم الماء. فعلموا أنه لا سبيل إلى دخولها من سورها…

مرحلة محاولة الاطلاع على المدينة

في هذه المرحلة نعرض بعض الأساليب لمحاولة الدخول إلى مدينة النحاس التي تقع بحسب الغرناطي في الأندلس، كما يلي:

  • ثم ندب موسى بن نصير منادياً ينادي في الناس أن من صعد إلى أعلى سور المدينة نعطيه ديته… فانتدب رجل من الشجعان وقال: أنا أصعد فشدوا في وسطي حبلاً قويا وأمسكوا طرفه معكم حتى إذا أردت أن ألقي نفسي إلى المدينة فامنعوني. قال: ففعلوا ذلك وصعد الرجل. فلما أشرف على المدينة ضحك وألقى نفسه. فجروه بذلك الحبل والرجل يجر من داخل المدينة حتى انقطع جسد الرجل نصفين. ووقع نصفه من محزمه مع فخذيه وساقيه. وذهب نصفه الآخر إلى داخل المدينة، وكثر الصياح والضجيج في المدينة. فحينئذ يأس الأمير موسى من أن يعلم شيئاً من خبر المدينة وقال: ربما يكون في المدينة جن يأخذوا كل من طلع على المدينة… وكان معه من العلماء من يقرأ كل لغة فنسخوا ما على الألواح التي رأوها ثم رأوا على بعد صورة من نحاس، فذهبوا إليها فوجدوها على صورة رجل في يده لوح من نحاس، مكتوب: ليس ورائي مذهب فارجعوا ولا تدخلوا هذه الأرض فتهلكوا. فأمر الأمير جماعة من عبيده فدخلوا تلك الأرض فوثب عليهم من تلك الأرض من بين الأشجار نمل عظام كالسباع الضارية فقطعوا أولئك الرجال وخيولهم، وأقبلوا نحو العسكر مثل السحاب كثرة، حتى وصلوا إلى تلك الصورة، فوقفوا عندها ولم يتعدوها..”.
  • “فعجبوا من ذلك وانصرفوا حتى وصلوا الى الناحية الشرق. قال فلما وصلوا الى الشجر رؤا عند بحيرة كبيرة كثيرة الطير، فأمر موسى ن ينزلوا حولها فنزلوا وأمر الغواصين فغاصوا في البحيرة فاخرجوا جباباً من النحاس عليها أغطية من الرصاص مختومة. قال ففتح جب فخرج منه فارس من نار على فرس من نار في يده رمح من النار فطار في الهواء وهو ينادي يا نبي الله أن لا أعود، وفتح جب آخر فخرج منه فارس آخر، فقال موسى ومن معه من العلماء ليس من الصواب أن نفتح هذه الجباب لأن فيها جنّ قد سجنهم سليمان عليه السلام لتمردهم، فاعدوا بقية الجباب إلى البحيرة ثم أذن المؤذن لصلاة الظهر”.

قصيدة في وصف المدينة النحاسية

جاء في كتاب (آثار البلاد وأخبار العباد) لأبو عبد الله بن زكريا القزويني، عن أستاذه أبو حامد الأندلسي أو كما يعرف أيضاً بالغرناطي قصيدة في وصف مدينة النحاس، نعرض بعض أجزائها على سبيل المثال:

وتقبّل الملكوت ربعي حيث ما

فلك البروج يجرّ في سجداته

أرض بحيرةٍ التي دانت بها

جنّ الفلا والطّير في غدواته

والرّيح يحمله الرّخاء فإنّما

شهرين مطلعها إلى روحاته

كالطّود مبهمةً بأسٍّ راسخٍ

أعيا البريّة من جميع جهاته

والقطر سال بها فصاغ مدينةً

عجباً يحار الوهم دون صفاته

حصن النّحاس أحاط من جنباتها

وعلى غلوّ السّهم في غلواته

فيها ذخائره وجلّ كنوزه

والله يكلأها إلى ميقاته

في الأرض آياتٌ فلا تك منكراً

فعجائب الأشياء من آياته

اقرأ أيضاً: اين تقع مدين

آراء المؤرخين في المدينة النحاسية

بعد أن عرضنا القصّة التي تجيب على اين تقع مدينة النحاس، وتماشياً مع ذلك، نعرض آراء بعض المؤرّخين، حيث تناولوا هذه القصّة على أنّها أسطورة، وبالتالي تمّ دحض حقيقة وجودها، كما يلي:

رأي ابن خلدون في مدينة النحاس

بينما استعرضنا اين تقع مدينة النحاس، كذلك نستعرض رأي المؤرّخ وواضع علم الاجتماع ابن خلدون، حيث وجّه انتقاداً شديد اللّهجة – وذلك في كتابه المعنون (كتاب العبر، وديوان المبتدأ والخبر في أيّام العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر) والذي يشتهر باسم (مقدّمة ابن خلدون)، حيث وضعه عام 1377 م – لعلي بن الحسين بن علي أبو الحسن المسعودي، الذي ذكر في كتابه (مروج الذهب) مدينة النحاس، حيث قال ابن خلدون مايلي:

  • “وكما نقله المسعودي أيضاً في حديث مدينة النحاس حيث أنها مدينة كل بنائها نحاس بصحراء سجلماسة، ظفر بها موسى بن نصير في غزوته إلى المغرب، وأنّها مغلقة الأبواب. وأن الصاعد إليها من أسوارها إذا أشرف على الحائط صفق ورمى بنفسه فلا يرجع آخر الدهر، في حديث مستحيل عادة من خرافات القصاص. كما أن صحراء سجلماسة قد نفضها الركاب والأدلاّء ولم يقفوا لهذه المدينة على خبرٍ. ثم إنّ هذه الأحوال التي ذكروا عنها كلها مستحيل عادة منافٍ للأمور الطبيعيّة في بناء المدن واختطاطها. وأنّ المعادن غاية الموجود منها أن يصرف في الآنية والخرثيّ. وأما تشييد مدينة منها فكما تراه من الاستحالة والبعد”.

رأي ياقوت الحموي في مدينة النحاس

كما استعرضنا رأي ابن خلدون في اين تقع مدينة النحاس، وتماشياً مع ذلك، فقد ذكر المؤرّخ ياقوت الحموي في كتابه المعنون (معجم البلدان) والذي كتبه بين عامي 1220 و 1224 م عدم تصديقه لمدينة النحاس التي ذكرها ابن الفقيه من كتابه (كتاب البلدان)، حيث قال:

  • “مدينة النحاس ويقال لها مدينة الصفر ولها قصة بعيدة من الصحة لمفارقتها العادة وأنا بريء من عهدتها إنما أكتب ما وجدته في الكتب المشهورة التي دونها العقلاء ومع ذلك فهي مدينة مشهورة الذكر فلذلك ذكرتها”.

في الختام، وبعد أن عرضنا اين تقع مدينة النحاس. وبين مصدّقٍ لقصّة هذه المدينة المسحورة، ومكذّبٍ لها، واعتبارها قصّة خيالية لا تتعدى حدود الأساطير التي تعتمد على الإدهاش والغرابة والخيال. في حين تبقى مدينة النحاس – بنظر البعض – لغزاً ويجب حلّه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *