هل غادر الشعراء من متردم

هل غادر الشعراء من متردم

هل غادر الشعراء من متردم مطلع قصيدة من أشهر القصائد الجاهلية، ومعلقة من المعلقات العشر التي كتبها الجاهليون بماء الذهب، وهي قصيدة عصماء من خيرة قصائد الشعر العربي عبر التاريخ، وهي مرجع نحوي ولغوي وعروضي وصرفي كونها قصيدة جاهلية من قصائد عصور الاستدلال، وفي هذا المقال سوف نعرف المعلقات الجاهلية أولًا، ثمَّ سنتحدث عن الشاعر عنترة بن شداد العبسي وعن معلقته الشهيرة هل غادر الشعراء من متردم من جوانب عديدة أيضًا.

ما هي المعلقات الجاهلية

يُطلق اسم المعلقات على أشهر واروع القصائد التي كتبها الشعراء العرب في الجاهلية، وهي قصائد عصماء اشتهرت بالبلاغة وقوة السبك وحسن الصياغة، كتبها الجاهليون واستغرق بعضهم حولًا كاملًا في كتابتها، وقد اختلفت الآراء والأقوال في سبب تسمية المعلقات الجاهلية بهذا الاسم، فقيل إنَّها سُمِّيت بهذا الاسم لأنَّها كانت من شعر الفحول، وقيل إنَّها كُتبت بماء الذهب وعُلِّقت على أستار الكعبة فُسمِّيت بالمعلقات، وقد قال ابن عبد ربه عن المعلقات الجاهلية: “وقد بلغ من كلف العرب به -أي بالشعر- وتفضيلها له أن عمدت إلى سبع قصائد من الشعر القديم فكتبتها بماء الذهب في القباطي المدرجة، وعلقتها بأستار الكعبة، فمنه ما يقال له: “مذهبة امرئ القيس” و”مذهبة زهير”، والمذهبات السبع، ويقال لها: المعلقات”.[1]

ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ حماد الرواية كان أول من جمع القصائد السبع، أو المعلقات السبع، وقد درسها الأدباء والنقاد بعد حماد بناء على ما جمعه حماد، وكان من أشهر دارسي هذه المعلقات: ابن الكلبي، ابن عبد ربه، وقد رأى آخرون أنَّ المعلقات بلغ عشر قصائد وليس سبع قصائد فقط، أمَّا أصحاب هذه المعلقات العشر فهم فحول شعراء الجاهلية، وهم: امرؤ القيس بن حجر الكندي، زهير بن أبي سلمى، عمرو بن كلثوم، عنترة بن شداد العبسي، الأعشى ميمون بن قيس، طرفة بن العبد، الحارث بن حلزة اليشكري، لبيد بن ربيعة، النابغة الذبياني، عبيد بن الأبرص.[2]

من هو عنترة بن شداد

اسمه الكامل هو عنترة بن عمرو بن شداد بن معاوية بن قراد بن مخزوم بن ربيعة بن عوذ بن مالك بن غالب بن قطيعة بن عبس بن بغيض بن ريث بن غطفان بن سعد بن قيس عيلان بن مضر المولود في عام 525 ميلادية، وهو شاعر من أشهر الشعراء الجاهليين العرب، عاش ما قبل ظهور الإسلامي ومات قبل البعثة، وهو شاعر من الفحول وفارس من فرسان قبيلة عبس الجاهلية، كان عنترة عبدًا لأنَّه ولد من أمَة حبشية، وقد اشتهر بحبه لعبلة بنت مالك العبسيَّة وهي ابنة عمه، حيث فُتن بها وكتب لها أجمل قصائد الغزل الجاهلية.

ولد عنترة بن شداد العبسي في شبه الجزيرة العربية، وقد شارك في حرب داحس والغبراء، وكان قد عاصر كلًا من عمرو بن معد يكرب والحطيئة وهما شاعران جاهليان أدركا الإسلام فصارا من المخضرمين، كانت أم عنترة أميرة حبشية، اسمها زبيبة رغر، أسرها العرب بعد هجومهم على قافلتها، فأُعجب بها شداد العبسي وأنجب منها ابنه عنترة بن شداد، ولأنَّه ولد من عبدة كان هو عبد أيضًا، فمن عادة العرب في الجاهلية أنَّها لا تعترف بأنباء الإماء، ولأنَّ عنترة كان شاعرًا فارسًا من فرسان العرب الأشداء وشعرائهم الفحول، ولأنَّه شارك في الدفاع عن عبس ضد قبيلة طيء، نال عنترة تكريمًا كبيرًا من قبيلته وألحق نسبه بأبيه فيما بعد، وقد عاش عنترة عمرًا طويلًا حتَّى بلغ التسعين من العمر، وقد توفي في مطلع القرن السابع الميلادي، فقيل إنَّ وفاته كانت في عام 600م وقيل 615م.

معلومات عن معلقة هل غادر الشعراء من متردم

معلقة هل غادر الشعراء من متردم، هي معلقة من المعلقات الجاهلية العشر، كتبها الشاعر الجاهلي والفارس العربي عنترة بن شداد العبسي في القرن السادس للميلاد، وهي قصيدة من أجمل قصائد العرب عبر تاريخ الشعر العربي، مكتوبة على البحر الكامل واحد من بحور الشعر العربي، وتتألف من 79 بيتًا من الشعر، تختلف موضوعات هذه القصيدة بين الغزل والوقوف على الأطلال كعادة شعراء الجاهلية، ثمَّ ينتقل الشاعر للفخر والوصف والحماسة، لتكون هذه المعلقة كغيرها من المعلقات الجاهلية من حيث التنوع في الأغراض والموضوعات، ولا بدَّ من الإشارة إلى أنَّ عنترة بن شداد كتب هذه القصيدة بعد أن شتمه رجل من العرب، فعيره بأمه وعيره بسواد بشرته وبسواد بشرة إخوته، فكتب عنترة هذه القصيدة التي بدأها بالحزن على الفراق، ثمَّ ذكر عبلة بنت مالك، ثمَّ تحدَّث عن شجاعته الكبيرة وفروسيته النادرة في الحروب والقتال.[3]

هل غادر الشعراء من متردم

معلقة هل غادر الشعراء من متردم واحدة من المعلقات الجاهلية العشر المشهورة، وهي قصيدة عظيمة من قصائد الجاهليين، كتبها الشاعر عنترة بن شداد، وفيما يأتي نذكر بعض أبيات هذه القصيدة التي تتألف من تسعة وسبعين بيتًا من الشعر:[4]

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ
أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي
وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّه
فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا
بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ
أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت
عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها
زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُ
مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها
بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما
زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

ما راعَني إِلّا حَمولَةُ أَهلِها
وَسطَ الدِيارِ تَسَفُّ حَبَّ الخِمخِمِ

فيها اِثنَتانِ وَأَربَعونَ حَلوبَةً
سوداً كَخافِيَةِ الغُرابِ الأَسحَمِ

إِذ تَستَبيكَ بِذي غُروبٍ واضِحٍ
عَذبٍ مُقَبَّلُهُ لَذيذِ المَطعَمِ

وَكَأَنَّ فارَةَ تاجِرٍ بِقَسيمَةٍ
سَبَقَت عَوارِضَها إِلَيكَ مِنَ الفَمِ

أَو رَوضَةً أُنُفاً تَضَمَّنَ نَبتَها
غَيثٌ قَليلُ الدِمنِ لَيسَ بِمَعلَمِ

جادَت عَليهِ كُلُّ بِكرٍ حُرَّةٍ
فَتَرَكنَ كُلَّ قَرارَةٍ كَالدِرهَمِ

سَحّاً وَتَسكاباً فَكُلَّ عَشِيَّةٍ
يَجري عَلَيها الماءُ لَم يَتَصَرَّمِ

وَخَلا الذُبابُ بِها فَلَيسَ بِبارِحٍ
غَرِداً كَفِعلِ الشارِبِ المُتَرَنِّمِ

هَزِجاً يَحُكُّ ذِراعَهُ بِذِراعِهِ
قَدحَ المُكِبِّ عَلى الزِنادِ الأَجذَمِ

تُمسي وَتُصبِحُ فَوقَ ظَهرِ حَشِيَّةٍ
وَأَبيتُ فَوقَ سَراةِ أَدهَمَ مُلجَمِ

وَحَشِيَّتي سَرجٌ عَلى عَبلِ الشَوى
نَهدٍ مَراكِلُهُ نَبيلِ المَحزِمِ

هَل تُبلِغَنّي دارَها شَدَنِيَّةٌ
لُعِنَت بِمَحرومِ الشَرابِ مُصَرَّمِ

خَطّارَةٌ غِبَّ السُرى زَيّافَةٌ
تَطِسُ الإِكامَ بِوَخذِ خُفٍّ ميثَمِ

وَكَأَنَّما تَطِسُ الإِكامَ عَشِيَّةً
بِقَريبِ بَينَ المَنسِمَينِ مُصَلَّمِ

شرح معلقة هل غادر الشعراء من متردم

كتب كثير من الأدباء العرب والنقاد العرب عبر التاريخ كُتبًا ومؤلفات خاصة في شرح المعلقات العشر، وفيما سيأتي سوف نتحدَّث عن شرح أول عشرة أبيات من معلقة الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد العبسي:

هَل غادَرَ الشُعَراءُ مِن مُتَرَدَّمِ              أَم هَل عَرَفتَ الدارَ بَعدَ تَوَهُّمِ

يا دارَ عَبلَةَ بِالجَواءِ تَكَلَّمي                 وَعَمي صَباحاً دارَ عَبلَةَ وَاِسلَمي

فَوَقَفتُ فيها ناقَتي وَكَأَنَّها                    فَدَنٌ لِأَقضِيَ حاجَةَ المُتَلَوِّمِ

يقف الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد على الأطلال، وهذه عادة في شعراء الجاهلية، إذ يستهلون مطالع قصائد واقفين على أطلال المحبوبة يبثون مشاعر الحزن والأسى بسبب الفراق والهجران، فيسأل: هل ترك الشعراء شيئًا لم يقولوه من الشعر والقول، ثمَّ يسأل نفسه عن دار محبوبته، إنَّ عرفها أم جهل ملامحها، ثمَّ يخاطب دار محبوبته عبلة التي يذكرها صراحة في هذا النص، ويسلم عليها ويصبِّح عليها ويتمنى لها السلامة، ثمَّ يقول إنَّ أوقف ناقته قرب دار عبلة ليبكيها ويقضي حاجته من البكاء على أيام الوصل السابقة التي مضت.

وَتَحُلُّ عَبلَةُ بِالجَواءِ وَأَهلُنا              بِالحَزنِ فَالصَمّانِ فَالمُتَثَلَّمِ

حُيِّيتَ مِن طَلَلٍ تَقادَمَ عَهدُهُ            أَقوى وَأَقفَرَ بَعدَ أُمِّ الهَيثَمِ

حَلَّت بِأَرضِ الزائِرينَ فَأَصبَحَت           عَسِراً عَلَيَّ طِلابُكِ اِبنَةَ مَخرَمِ

عُلِّقتُها عَرَضاً وَأَقتُلُ قَومَها               زَعماً لَعَمرُ أَبيكَ لَيسَ بِمَزعَمِ

يتحدَّث عنترة قائلًا إنَّ محبوبته عبلة بنت مالك نزلت مع قومها في مكان اسمه الجواء، ونزل أهله في مكان اسمه الحزن والصمان والمتثلَّم، ثمَّ يعودج ليحيي الطلل الذي مضى عليه الدهر فعفت رسومه واندثرت ملامحه بعد أن هجره أهله ومضى على غيابهم زمن طويل، ثمَّ يقول عنترة إنَّ محبوبته قد نزلت في مكان يصعب فيه عليه أن يطلبها من أهلها، ثمَّ يتحدَّث عن النظرة التي كانت سببًا في حبه لعبلة.

وَلَقَد نَزَلتِ فَلا تَظُنّي غَيرَهُا               مِنّي بِمَنزِلَةِ المُحَبِّ المُكرَمِ

كَيفَ المَزارُ وَقَد تَرَبَّعَ أَهلُها                 بِعُنَيزَتَينِ وَأَهلُنا بِالغَيلَمِ

إِن كُنتِ أَزمَعتِ الفِراقَ فَإِنَّما               زُمَّت رِكابُكُمُ بِلَيلٍ مُظلِمِ

يقول عنترة إنَّ محبوبته عبلة نزلت في قلبه وفؤاده كمان ينزل المحبوب المكرَّم، ثمَّ يسأل نفسه عن طريقة ليزور بها عبلة، فقد أقام أهل عبلة في فصل الربيع في أكثر من موضع واحد، وقد أقام أهل في منطقة الغيلم وهي منطقة بعيدة عن منطقة عنيزتين التي سكن بها أهل عبلة، ثمَّ يقول لها، إذا كنت يا عبلة قد قررت الرحيل والفراق والوداع، فقد اعتادت نفسي على هذا، فقد قاسى هذا الألم عندما سرتم في الليل دون سابق إنذار إلى مكان مجهول.

هل غادر الشعراء من متردم بحر

يتساءل كثيرون عن البحور الشعرية التي نُظمت عليها المعلقات العشر التي كتبها الشعراء الجاهليون في الجاهلية، وقد اختلفت كل قصيدة عن الأخرى من حيث البحر باستثناء اتفاق قصيدة امرئ القيس بن حجر وقصيدة زهير بن أبي سلمى وقصيدة طرفة بن العبد التي نُظمت كلها على البحر الطويل، وقصيدة ميمون بن قيس الأعشى وقصيدة النابغة الذبياني التي كُتبت على البحر البسيط، فيما كتب عنترة بن شداد قصيدته على البحر الكامل، وهو ذات البحر الذي استخدمه لبيد بن ربيعة في معلقته أيضًا.

إلى هنا نصل إلى ختام هذا المقال الذي تحدَّثنا فيه بالتفصيل عن معلقة هل غادر الشعراء من متردم وتحدَّثنا عن تعريف المعلقات الجاهلية وعن الشاعر الجاهلي عنترة بن شداد بالإضافة إلى شرح الأبيات العشرة الأوائل من قصيدة هل غادر الشعراء من متردم أيضًا.

المراجع

  1. ^ alukah.net , تعريف بالمعلقات وأصحابها , 22-03-2021
  2. ^ marefa.org , المعلقات , 22-03-2021
  3. ^ wikiwand.com , معلقة عنترة بن شداد , 22-03-2021
  4. ^ aldiwan.net , هل غادر الشعراء من متردم , 22-03-2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *