هواتف الأيفون: لماذا لا تصنع في أمريكا؟

ضغط باراك أوباما الرئيس الأمريكي في ذلك الوقت، وتحديدًا في العام 2011 على الرئيس التنفيذي لشركة آبل، ستيف جوبز من أجل نقل شركة إنتاج الهواتف آيفون إلى أمريكا، وبعد مرور 14 عامًا، يعود دونالد ترامب، الرئيس الحالي للبيت الأبيض بطرح نفس الفكرة على الرئيس التنفيذي الحالي لشركة آبل، تيم كوك. 

هذه الفكرة توضح مدى الواقع المعقد المرتبط بسلاسل التوريد العالمية، ناهيك عن المصالح الاقتصادية والأجرة التشغيلية الضخمة التي من الصعب تفكيكها، كما أن آبل لا تواجه أي مشاكل سياسية أو جمركية مرتفعة، بل يقابل جدار من الفولاز مرتبط بالتحديات الاقتصادية واللوجيستية. 

ومع تنامي الاعتماد على الهواتف الذكية والتقنيات المتقدمة، أصبحت المراهنات الرياضية واحدة من القطاعات التي شهدت تحولًا كبيرًا بفضل التكنولوجيا، حيث يعتمد المستخدمون بشكل متزايد على الهواتف المحمولة في متابعة الإحصائيات، تحليل أداء الفرق واللاعبين، واتخاذ قرارات أكثر دقة قبل الدخول في أي رهان.

ويسهم تطور المعالجات والتطبيقات المدعومة بالذكاء الاصطناعي في تقديم توقعات مبنية على بيانات ضخمة وتحليلات فورية، ما يعكس كيف أصبحت الهواتف الذكية، وعلى رأسها الآيفون، أداة رقمية تتجاوز الاستخدام التقليدي إلى مجالات اقتصادية وترفيهية جديدة ترتبط بشكل مباشر بسلوك المستخدمين في العالم الرقمي.

قدمت آبل مؤخرًا إصدارًا جديدًا من هواتفها المحمولة التي ترتبط بتقنية الذكاء الاصطناعي وتسهل على المستخدمين أداء مهامهم بدقة عالية، كما تساعد هذه الهواتف المستخدمين في زيادة فرص توقعاتهم لنتائج التوقعات الرياضية على منصات الترفيه الرقمي والألعاب اون لاين؛ بالاستعانة بتقنية الذكاء الاصطناعي التي تعتبر تقنية مذهلة أكثر من أي وقت مضى؛ بفضل خاصية المساعدة التي تقدمها للمستخدمين. 

لا يتقصر الأمر فقط على هذه المعضلات التي تواجه آبل، بل هناك فجوة أخرى تتمثل في العمالة الماهرة ذات الأجر المرتفع في أمريكا، والاعتماد على شبكة كبيرة من الموردين في آسيا، وهنا نكشف عن السبب وراء تعثر إمكانية إنتاج هاتف آيفون في أمريكا. 

الصين والحصن اللوجيستي 

جاذبية الصين تتجاوز حاجز صناعة الإلكترونيات ذات التكلفة الرخيصة، والتي حققت ارتفاع ملحوظ في السنوات القليلة الماضية، وتكمن هذه الميزة في النوعية والمختصصة للعمالة التي تتميز بالخبرة والمهارة، ناهيك عن توظيف أدوات تصنيع متقدمة، والإنتاج الدقيق للأجهزة المعقدة التي عملت الصين على تطويرها بتوظيف خبرات على مدى سنوات طويلة. 

من جهة أخرى، تمتلك الصين شبكة كاملة لتجميع الإلكترونيات، وقاعدة من الملايين من الموردين والشركاء، والتي تمكنهم من الوصول الفوري إلى المكونات والمواد، التي تسمح لهم بالتوريد السريع والتسليم في الوقت الفعلي للمصانع. 

تعتبر مدينة الآيفون والتابعة لشركة فوكسكون، والتي توظف لديها الآلاف من العمالة، مثالًا حيًا على البنى التحتية الصناعية المتكاملة والتي صممت بشكل خاص، لاسيما المصانع، والمساكن، والخدمات المساعدة داخل مقر واحد فقط. 

كما أن تصميم البنى التحتية الصينية جاءت لتتوافق مع صناعة الإلكترونيات بكميات ضخمة، الأمر الذي يتيح إمكانية التوسع بسرعة؛ لتلبية متطلبات الإنتاج الضخم، ويتضمن ذلك شبكات نقل لوجيستية متقدمة، كما أن المصنعين الصينيين بات بإمكانهم التكيف مع جميع التغييرات البرمجية والهندسية، ناهيك عن زيادة الإنتاج في لحظة واحدة. 

عقبات اقتصادية 

انتاج هواتف أيفون في الولايات المتحدة قد يؤدي إلى ارتفاع كبير جدًا في أسعار الهواتف على المستهلكين، وتقول التقديرات بأن هواتف الآيفون التي قد تصنع في الولايات المتحدة قد يصل سعرها لأكثر من 3100 دولار. 

الجدير ذكره هنا، أن الولايات المتحدة لا تمتلك من القوى العاملة التي يمكنها العمل لتجميع الإلكترونيات بكميات كبيرة عدد كافٍ، حيث أن المصانع في الصين توظف الملايين من العاملين الذين يمتلكون القدرة على زيادة انتاجهم لمدة تتجاوز الموسمين، ويمكنهم إنتاج الملايين من الأجهزة كل عام. 

من جهة أخرى، فإن تكلفة العمالة للتجميع في الصين تكاد لا تتجاوز نصف ما قد تكلفه العمالة في أمريكا، ناهيك عن الأجور المرتفعة، والفجوة الواضحة في المهارات، إضافة إلى افتقار الولايات المتحدة إلى الوظائف المتخصصة في هذ االمجال. 

كما يحتاج صناعة الأيفون في الولايات المتحدة إلى وجود منظومة محلية متكاملة من الموردين لمكونات الهاتف، وهذه المهمة تعد شبه مستحيلة، خاصة وأن البنى التحتية لأمريكا غير موجهة نحو الصناعة المكثفة كما هو الحال مع الصين، أضف إلى ذلك، أن إعادة انشاء بنى تحتية في أمريكا يحتاج إلى استثمارات مالية ضخمة، وهنا نستنتج السبب وراء فشل جميع المحاولات السابقة لإعادة تصنيع أجهزة الهواتف المحمولة في الولايات المتحدة. 

التعريفات الجمركية والمواد الخام 

التعريفات الجمركية التي تقدمها الولايات المتحدة تزيد بشكل مباشر على تكاليف المواد الخام لصناع الهواتف المحمولة، الأمر الذي يقلل من أرباحهم والتي تزيد بشكل مباشر على المستهلك، الأمر الذي يؤدي بتصاعد أسعار المنتجات بشكل كبير مبالغ به. 

وعلى الرغم من التعريفات الجمركية، إلا أن إنتاج هواتف الأيفون في الصين ما زالت أرخص بكثير من صناعتها في الولايات المتحدة، علمًا بأن تكلفة هاتف الأيفون في الصين، حتى من إضافة التعريفات الجمركية، لا يزال أقل بكثير من تكلفته في حال صناعته في الولايات المتحدة، علمًا بأن التعريفات وحدها ليست كافية للتغلب عليها كمعيق على هواتف الأيفون، بل أن البنى التحتيه للولايات المتحدة غير مصممة للإنتاج، ناهيك عن شبكات الموردين والقوى العاملة المختصة، وغيرها من العوامل الأخرى التي ذكرناها سابقًا. 

من جهة أخرى، فإن الولايات المتحدة لا تمتلك الخبرة في استثمار العقود الاستثمارية الموجهة من الدولة، والتي ساهمت تعزيز هيمنة الصين على هواتف الآيفون، كما أن اللحاق بما حققته الصين يتطلب استثمار مستدام وضخم جدًا، لا يمكن للولايات المتحدة مواكبته. 

فبدلًا من إجبار شركة آبل على نقل مصانعها للولايات المتحدة، فالأجدر بالولايات المتحدة إقتراح إمكانية نقل المصانع الصينية إلى دول أخرى نامية، دون التخلي عن المزايا التي يتمتع بها الإنتاج الآسيوي في تقديم أفضل المنتجات، ففكرة نقل المصانع الصينية إلى أمريكا أمرًا مستحيلًا، خاصة وأن المنظومة الصينية متجذرة بشكل عميق في هذه الصناعة.