حكم التفسير بالرأي المذموم
جدول المحتويات
حكم التفسير بالرأي المذموم من أهم المعلومات التي يجب أن يعرفها المسلم والمسلمة حيث إن تفسير القرآن يؤثر على حياة المسلمين كافة، فمنه تُستمد الأحكام الشرعية العامة والتفصيلية، الدنيوية والأخروية، مما يعني أن تفسير القرآن الكريم إن لم يكن صحيحًا فقد يؤدي إلى تنفيذ عقاب على غير مستحق أو تبرئة مدان مستحق للعقاب والتسبب في تضليل الناس وإفساد أمور دينهم ودنياهم.
حكم التفسير بالرأي المذموم
أجمع العلماء على عدم صحة التفسير بالرأي المذموم أيًا كانت الأسباب التي قد تؤدي إلى هذا التفسير وحتى لو كان فيه منفعة لعامة المسلمين لأن هذا يعتبر تحريفًا لكلام الله ومخالفة لمعانيه، فإذا كان التفسير ناتجًا عن هوى شخصي من القائم على التفسير كأن يقوم بتفسير آيات القرآن بما يخدم مصلحة حاكم ونحوه قاصدًا أن يحلل له ما حرمه الله أو يحرم ما حلله الله إرضاءً له وطمعًا في منصب أو مال وقد حرم الله تعالى هذا بقوله ” إن الذين يشترون بعهد الله ثمنًا قليلًا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر لهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم”.
شاهد أيضًا: ينقسم التفسير بالرأي إلى قسمين هما
ما هو الرأي المذموم
إن التفسير بالرأي هو التفسير عن طريق الاجتهاد فيما لم يرد فيه نص قاطع واضح ويكون التفسير بالرأي مذمومًا إذا فقد شرطًا من شروط صحة التفسير بالرأي أي أنه يكون مذمومًا في الحالات الأتية:
- إذا كان التفسير مخالفًا لمجرى سياق الآيات بصورة واضحة فالقرآن مترابط يفسر بعضه بعضًا.
- إذا كان التفسير مخالفًا لما تم الأجماع عليه من علماء المسلمين فحينها يصبح الرأي مذمومًا لإصرار المفسر على الاجتهاد رغم جهله وفي هذا يقول الله تعالي ” ولا تتبعوا خطوات الشيطان إنه لكم عدو مبين. إنما يأمركم بالسوء والفحشاء وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون”.
- إذا كان التفسير مخالفًا لقواعد اللغة العربية حيث أنها لغة القرآن ولا يمكن تجاهلها عند التفسير أو الخروج على معاني مفرداتها فقد قال الله تعالى” إنا أنزلناه قرآنا عربيًا لعلكم تعقلون”.
- إذا كان المفسر متبعًا لمذهب متعصبًا له حيث أنه في تلك الحالة لا يؤمن له أن يكون تفسيره قد وضع متفقًا مع المذهب قصدًا بغرض الانتصار لمذهبه.
- إن وجد حديث للنبي يفسر الآية ومع ذلك تجاهلها المفسر ليخرج بمعنى أخر من الآية ولم يلتفت للحديث أصلًا.
- إذا كان المفسر على جهل بالناسخ والمنسوخ وأقوال الصحابة والتابعين والبلاغة والصرف وغيرهم من العلوم التي تساعد المفسر على الاستنباط.
- إذا كان المفسر غير مسلم كأن كان ملحدًا أو من أهل الكتاب فحينها يكون تفسيره مذمومًا لأنه تفسير صدر من شخص غير أهل له، ولأن هذا التفسير يضع قيود على المسلم ولا يجوز أن يكون واضع هذا القيد من غير المسلمين حتى ولو كان بإظهاره لقول الله تعالى “ولن يجعل الله لكافرين على المؤمنين سبيلًا”
الدليل على جواز التفسير بالرأي
مما لا شك فيه أن القرآن الكريم كما قال الإمام علي بن أبي طالب حمال أوجه ولذلك دعا الرسول لابن عباس قائلًا “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل” لذلك فتفسير القرآن بالرأي جائز ويستدل على ذلك بما يلي:
- الدين الإسلامي قد أمرنا في جميع الآيات بالتدبر والتفكر في آيات الله وفي خلقه وقد ورد هذا الامر في الكثير من الآيات منها قوله تعالى” ولقد تركنا منها آية بينة لقوم يعقلون”سورة العنكبوت، ” كتاب أنزلناه إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب” سورة ص، ففي مثل هذه الآيات وغيرها أمر صحيح بالتدبر والتفكر في آيات الله.
- الصحابة هم مصباح الأمة بددوا ظلامها ونشروا الرسالة من بعد وفاة الر” وبعد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم” وبعد وفاة الرسول اختلف الصحابة فيما بينهم في تفسير القرآن مثال ذلك اختلافهم في تفسير لفظ القرء في قوله تعالى “يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء” فقال بعض الصحابة أن لفظة قرء هنا يقصد بها شهر وقال البعض الأخر أن لفظة قرء يقصد بها حيضة وهذا لا يعيب الصحابة ولا يعيب التفسير وإنما كل ما في الأمر أن لفظة قرء في اللغة تحتمل أكثر من معنى ولم يظهر ما يُغلب معنى على الأخر فاتخذ كل فريق مذهبًا.
- القياس على جواز الاجتهاد بالرأي في الاحكام الشرعية حيث ذكر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لما أراد أن يبعث معاذًا إلى اليمن قال: كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟ قال: أقضي بكتاب الله، قال فإن لم تجد في كتاب الله؟ قال: فبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: فإن لم تجد في سنة رسول الله ولا في كتاب الله؟ قال أجتهد رأيي ولا آلو؟ فضرب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم صدره وقال: الحمد لله الذي وفّق رسول الله لما يُرضي رسول الله، ويوضح هذا الحديث جواز الاجتهاد بالرأي إذا لم يوجد حكم شرعي بات في الأمر ولا نص يمكن تفسير النص الأول على ضوؤه.
- اشتمال القرآن على ناسخ ومنسوخ وأسباب نزول للآيات فمع مرور الزمن قد لا يُعرَف أحيانًا الناسخ من المنسوخ ويختلط الأمر على المفسرين فيذهب كل منهم إلى مذهب في تفسير الآية.
- اتفاق الأمة على جواز التفسير بالرأي في القرآن وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا تتفق أمتي على باطل”.
شاهد أيضًا: بين الفرق بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي
أنواع التفسير بالرأي
ينقسم التفسير بالرأي إلى نوعين هما التفسير بالاجتهاد والتفسير بالتأويل ونبين كلا منهم فيما يلي:
- التفسير بالاجتهاد هو التفسير الذي يقوم على معرفة العالم المفسر للناسخ والمنسوخ وأسباب نزول الآيات واللغة العربية معرفة فصيحة، وهو كذلك ما يكون قائما على معرفة المفسر بأحاديث الرسول القوية والضعيفة فيكون مثلًا هناك حديثان متضادان يقدم أحدهما على الأخر مثل الحديثين الخاصين بزيارة القبور وهما “لعن الله زوارات القبور” و”كنت قد نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها” ففي الحديثين أوامر متضادة لأن أحدهما ناسخ للأخر.
- التفسير بالتأويل وهو التفسير بالاستناد على سياق الكلام أي التقاط المغزى الأصلي المراد من سوق الكلام وهو نوع جائز من التفسير بإجماع العلماء ومن أمثلته قوله تعالى
“انفروا خفافًا وثقالًا” ففي هذه الآية يخاطب الله الرجال المكلفين بالخروج للحرب قائلًا انفروا خفافًا وثقالًا وقد اختلف المفسرون في معنى هذا الخطاب فقال بعضهم أن المقصود به هو اذهبوا إلى الحرب سواء كنتم شبابًا أم شيوخًا، وقال البعض الأخر أن المقصود هو اذهبوا سواء أكنتم أغنياء أم رقيقي الحال بينما رأى بعض الفقهاء أن الآية يقصد بها العزاب والمتزوجين فكل من هذه الأصناف يحتمل الثقل والخفة فالعازب ذهابه إلى الحرب أسهل من ذهاب المتزوج لتعلق حياته بحياة أخرين من زوجة وأطفال، والشباب يمتلكون الصحة التي لا يمتلكها الشيوخ عادة فهم أخف في الذهاب للحرب ولا تمثل مشقة عظيمة بالنسبة لهم، كذلك الأغنياء يمكنهم المساهمة في الجيش بأموالهم وأنفسهم بينما لا يمتلك الفقراء سوى أنفسهم، ولا تثريب على أي رأي بخصوص أي من هاته تقصده الآية إذ يمكن الجمع بين كل الآراء.[1]
وفي النهاية نكون قد عرفنا حكم التفسير بالرأي المذموم حيث أنه بالنسبة لمسألة التفسير بالرأي المذموم يمكننا القول بعدم حرمانية تفسير القرآن بالرأي لعموم الأدلة على جوازه إلا ما كان منه قائمًا على التفسير المذموم فهذا لا يجوز العمل به ولا بناء أي حكم من أحكام الشريعة عليه.