كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية

كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية
كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد

كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية لله تعالى دون غيره من أنواع التوحيد، لكن يتوجب على المؤمن الحق الحرص على تحقيق معاني الإيمان بالله تعالى باعتباره جزءًا لا يتجزأ، فالله -سبحانه وتعالى- واحد وهو الخالق الرازق، فعلى الإنسان أن يخصَّهُ وحده بالعبادات من صلاة وصيام ودعاء وما إلى ذلك من العبادات، وأن يخلص في توجيه العبادات إلى الله تعالى، ويؤمن بأن الله واحد في صفاته، ولا يشبهه أحد، فهو وحده الخالق والباقي مخلوق.

أنواع التوحيد

ينقسم التّوحيد إلى ثلاثة أنواع؛ هي توحيد الرُّبوبية، وتوحيد الأُلوهيّة، وتوحيد الأسماء والصّفات، وسنفصِّل في كل منها فيما يأتي:[1]

توحيد الربوبية

وهو الإيمان بالله بصفات الفعل مثل الخلاق والرزاق ونحو ذلك، وأن مشيئته نافذة وقدرته شاملة، فتوحيد الربوبية يكون بأن تؤمن بأن الله تعالى هو الخلاق والرزاق ومدبر الأمور، وهو مصرف الأشياء الذي خلق كلَّ شيء، وخلق الأنهار والبحار والجبال والأشجار والسماء وغير ذلك.[1]

توحيد الألوهية

وهو توحيد الله بأفعالك أنت، بأن تخصَّه بالعبادة دون ما سواه؛ من صلاة وصيام ودعاء ونذر وغير ذلك، وتوحيد الألوهية يمثل معنى لا إله إلا الله، أي أنَّه لا معبود إلا الله، ويتمثل توحيد الألوهية أيضًا بأن تخص الله بعباداتك وقرباتك دون أن تدعو مع الله إلهًا آخر، من شجر أو حجر أو صنم أو نبي أو ولي، فلا تقولُ: يا رسول الله اشفني أو عافني أو انصرني، أو يا فلان من الأولياء أو الأموات، فهذا هو الشرك الأكبر. فتوحيد العبادة هو أن تخصَّ العبادة لله وحده، وهذا هو معنى قوله سبحانه: “وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ”[2]، وقوله سبحانه: “وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ”،[3] وذلك معناه أن يخصوا الله بالعبادة بصلاتهم ودعائهم واستغاثتهم وجهادهم لله وحده.[1]

توحيد الأسماء والصفات

الإيمان بأسماء الله وصفاته كلها التي جاءت في القرآن والتي صحت بها السنة عن النبيﷺ، فلا بدّ من الإيمان بها كلها وإثبات أنه العليم الحكيم الرؤوف الرحيم، وأنه يرضى ويغضب ويتكلم إذا شاء، والإيمان بأن الله واحد في أسمائه وصفاته، ليس له شريك يخلق أو يرزق، ويدخلهم الجنة وينجيهم من النار، وليس له شريك في القدرة وهو منفرد بها.[1]

كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية

توحيد الربوبية هو القسم الذي تؤمن به أكثرُ الأُمم، خاصًة الذين كانوا وقت نُزول القرآن من كُفّار قريش وكُفّار العرب، فقد كانوا مقرِّين بتوحيد الرّبوبيّة، ويعتقدون بأنّ الله -سبحانه وتعالى- هو الخالق الرّازق، المحيي، المميت، المدبِّر، ويعترفون بكل ذلك، وقد جاءت آياتٌ في القرآن الكريم تبيّن ذلك: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ” [4]، وقال تعالى: “وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللهُ”،[5] وقال تعالى:”قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ * سَيَقُولُونَ لِلَّهِ”،[6] وهذا شيءٌ متقرِّر، ولكنّه لا يُدخِلُ الانسان في الإسلام، فمن أقرّ بتوحيد الربوبية واقتصر عليه ولم يقرّ بالنوع الثّاني وهو توحيد العبادة، ويأت به فإنه لا يكون مسلِمًا، حتى وإن كان مقرًا بتوحيد الرّبوبيّة.[7]

حتَّى أن هذا الإيمان بالربوبية عند المشركين لم يكن كاملًا؛ بل كان عندهم شك في قدرة الله سبحانه وتعالى، فأنكروا البعث، وكانوا يئدون البنات، وينسبون الأمطار لبعض الأنواء.[8]

صور لتوحيد الربوبية عند كفار قريش

كان الكفار يعرفون الله ويعرفون ربوبيته وملكه، وكانوا يعبدونه ويخلصون له أنواعًا من العبادات؛ مثل: الحج والصدقة والذبح والنذر والدعاء وقت الاضطرار ونحو ذلك، حيث كانوا يدَّعون أنهم على ملة سيدنا إبراهيم -عليه السَّلام- فأنزل الله تعالى ذلك في كتابه العزيز فقال: “ما كان إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ”،[9] كما كان بعضهم يؤمن بالبعث والحساب وبعضهم يؤمن بالقدر، وبرز ذلك في بعض أشعارهم. ومن أمثلته ما يلي:[10]

  • قال زهير:

يؤخِّرْ فيوضعْ في كتابٍ فيدَّخرْ
ليومِ الحسابِ أو يعجِّلْ فينـقمِ

  • وقال عنترة:

يا عبلُ أينَ منَ المنيةِ مهـــربٌ
إنْ كان ربي في السَّماء قضاها

ومع وجود ذلك في أشعارهم، فما الذي جعلهم يستحلون سفك دمائهم وسبي نسائهم وإباحة أموالهم على الرغم من الإقرار والمعرفة! ما ذاك إلا لإشراكهم في توحيد العبادة الذي هو معنى لا إله إلا الله، وقال ابن القيم في معناه؛ أن ما كان له سبحانه فهو متعلق بألوهيته، وما كان به فهو متعلق بربوبيته، وما تعلق بألوهيته أشرف مما تعلق بربوبيته، لذا كان توحيد الألوهية هو المنجي من الشرك، فإن عباد الأصنام كانوا مقرين بأن الله وحده خالق كل شيء، لكن لما لم يأتوا بتوحيد الألوهية وهو عبادته وحده لا شريك له، لم ينفعهم توحيد ربوبيته.[10]

مما سبق يتبين لنا أن هناك ثلاثة أقسام للتوحيد، وليس شرطًا لمن أنكر أحدها أن ينكر الباقين، فإنَّ كفار قريش كانوا مقرين بتوحيد الربوبية دون توحيد الألوهية، لكن ذلك لم ينفعهم، ولم يدخلهم في دائرة الإسلام.

المراجع

[2]سورة البينةالآية 5.
[3]سورة الإسراء الآية 23.
[4]سورة الزخرف الآية 9.
[5]سورة الزخرفالآية 87.
[6]سورة المؤمنونالآية 88، 89.
[9]سورة آل عمرانالآية 67.16/10/2020