صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية

صفات الرسول صلى الله عليه وسلم

صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية من أعظم الصفات التي يجب على المسلمين القراءة عنها والبحث فيها لبيان شيء من شمائله وصفاته وما كان عليه حاله -عليه الصلاة والسلام- علّ المسلم أن ينتفع بهذا الحديث ويتمثّل أخلاق خير البشر التي فيها الفلاح الحقيقي، وفي هذا المقال سوف نتحدث عن صفات الرسول عليه الصلاة والسلام الخَلقية والخُلقية وسيتوقّف كذلك مع أخلاق النبي -عليه الصلاة والسلام- في الحروب وأخلاقه المذكورة في القرآن، ويبيّن أهميّة اقتداء المسلم بالنبي عليه الصلاة والسلام.

صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية

لقد كان في رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أسوة حسنة للمسلمين والمؤمنين، فكان الاقتداء به من أفضل ما يفعله المسلم للتقرّب من ربه سبحانه وتعالى، وفيما سيأتي لمحة عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية تُذكر بتفصيل بسيط.

شاهد أيضًا: بحث عن الرسول صلى الله عليه وسلم من مولده حتى وفاته.

الصفات الخُلقية

إنّ المقصود بالصفات الخُلقية هي صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الأخلاقية المأثورة عنه، كالكرم والشجاعة والحِلم والصدق ونحوها من صفات الرسول وأخلاقه عليه الصلاة والسلام، وفيما يلي أبرزها:

الحلم

لقد بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- غاية الحلم والرفق، فالحلم كان خلق الأنبياء ولكنّ النبي -عليه وعليهم الصلاة والسلام- كان أكملهم حلمًا، ومن صور ذلك الحلم ما رواه أنس -رضي الله عنه- إذ قال: “كُنْتُ أَمْشِي مع النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ وعليه بُرْدٌ نَجْرَانِيٌّ غَلِيظُ الحَاشِيَةِ، فأدْرَكَهُ أَعْرَابِيٌّ فَجَذَبَهُ جَذْبَةً شَدِيدَةً، حتَّى نَظَرْتُ إلى صَفْحَةِ عَاتِقِ النبيِّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قدْ أَثَّرَتْ به حَاشِيَةُ الرِّدَاءِ مِن شِدَّةِ جَذْبَتِهِ، ثُمَّ قالَ: مُرْ لي مِن مَالِ اللَّهِ الذي عِنْدَكَ، فَالْتَفَتَ إلَيْهِ فَضَحِكَ، ثُمَّ أَمَرَ له بعَطَاءٍ”.[1][2]

الكرم

لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكرم الناس، وكان أكرم ما يكون في شهر رمضان المبارك، فكان يعطي عطاء من لا يخشى الفقر، ولكنّه كان يعطي المال في حقة للمسكين والفقير والمحتاج أو للذي يريد تأليف قلبه للإسلام ونحو ذلك، ومن صور كرمه -صلى الله عليه وسلم- أنّه ذات يوم أُهدي إليه رداء من إحدى الصحابيات وكان بحاجته، فسأله إيّاه أحد الصحابة فأعطاه إيّاه.[3]

الشجاعة

إنّ شجاعة النبي -عليه الصلاة والسلام- وقوّة الشكيمة التي يمتاز بها هي الكمال والغاية التي يسعى لها المسلمون من بعده، فما كان أحد من المسلمين والصحابة بأشجع من النبي -عليه الصلاة والسلام- ولا أثبت في المواقف التي تتطلّب شجاعة وثباتًا، ومن صور ثباته وشجاعته -عليه الصلاة والسلام- ما حدث يوم حُنين، عندما جفل المسلمون من الرماة من المشركين، فثبت يومها النبي -عليه الصلاة والسلام- وهو يقول: “أنَا النبيُّ لا كَذِبْ، أنَا ابنُ عبدِ المُطَّلِبْ”.[4][5]

الصدق

إنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان أصدق الناس في الجاهلية وبعد البعثة، ففي الجاهلية كان اسمه الصادق الأمين، وبعد البعثة كان كل أعدائه يوقنون أنّه صادق لا يكذب، فمن ذلك شهادة أبي سفيان -رضي الله عنه- يوم كان مشركًا وناداه هرقل ليسأله عن النبي عليه الصلاة والسلام، فلمّا سأل هرقل عن صدق النبي -عليه الصلاة والسلام- قال له أبو سفيان إنّه صادق لا يكذب.[6]

الأمانة

إنّ النبي -عليه الصلاة والسلام- قد بلغ في الأخلاق الغاية التي لن يصل إليها أيّ إنسان آخر مهما أوتي من جميل الأخلاق والأفعال، وكان خلقه الأمانة قبل البعثة وبعدها لم يحِد عنه قطّ حاشاه، فمن أجل الأمانة التي قد أُثرَت عنه أرسلت إليه خديجة -رضي الله عنها- ليخرج في تجارتها، ومن أجل ذلك أيضًا أرسلت إليه من تخبره أنّها ترغب في أن يكون هو زوجها عليه الصلاة والسلام.[7]

الرفق

لقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- رفيقًا بالمسلمين رحيمًا بهم، فكان يرفق بالطفل والمرأة والرجل الجاهل، بل كان يرفق بجميع الخلق عليه الصلاة والسلام، فمن ذلك أنّ أعرابيًّا جاء إلى المسجد فأخذ ناحية فيه ثمّ جعل يبول، فجعل الصحابة يقولون له: مه مه، يعني توقّف، فأشار عليهم النبي -عليه الصلاة والسلام- أن يتركوه حتى يقضي حاجته، فلمّا انتهى ناداه النبي -عليه لبصلاة والسلام- وقال له: “إنَّ هذِه المَساجِدَ لا تَصْلُحُ لِشيءٍ مِن هذا البَوْلِ، ولا القَذَرِ إنَّما هي لِذِكْرِ اللهِ عزَّ وجلَّ، والصَّلاةِ وقِراءَةِ القُرْآنِ”،[8] ثمّ دعا بدلو ماء وأمر رجلًا من القوم أن يصبّه على مكان بول الأعرابي.[9]

الصبر

إنّ الصبر لا يكون إلّا مع المصيبة، والأنبياء هم أشدّ الناس ابتلاء، وكان النبي -عليه الصلاة والسلام- أشدّ الأنبياء ابتلاء، فقد صبر على إيذاء المشركين له في بداية الدعوة، وصبر على المنافقين وأذاهم ولا سيّما ما فعلوه في حادثة الإفك، وكذلك صبر على مشاق الحياة والدعوة، وصبر على فقد الأبناء واحدًا تلو الآخر، ومن أشدّ المواقف التي تجلّى فيها صبر النبي -عليه الصلاة والسلام- هو صبره على أذى قريش ورفضه إلحاق الأذى بهم مع أنّ ملك الجبال قال له: “إنْ شِئْتَ أنْ أُطْبِقَ عليهمُ الأخْشَبَيْنِ”.[10][11]

حسن الاتكال على الله

لقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- خير من توكل على ربه سبحانه، وكان يعلم المسلمين كيف يكون هذا التوكل، فمرة كان النبي -عليه الصلاة والسلام- نائمًا في ظل شجرة وقد علّق سيفه على الشجرة، فجاء رجل من المشركين وأخذ السيف ووجهه إلى النبي -عليه الصلاة والسلام- وقال له من ينقذك مني الآن، فأجاب النبي -عليه الصلاة والسلام- بأنّ الله -تعالى- هو من ينقذه، فما كان من الرجل إلّا أن أغمد سيفه وجلس، وذلك بفضل الله -تعالى- وحسن التوكل عليه.[12]

حسن معاملته لزوجاته

لقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- خير الناس لأهل بيته كما ثبت عنه في الحديث الصحيح، فكان يكرمهن ويُحسن إليهنّ ويحفظ غيبتهنّ حتى بعد وفاتهن، فقد روي أنّ عائشة -رضي الله عنها- ذكر النبي -عليه الصلاة والسلام- خديجة رضي الله عنها، فغارت عائشة -رضي الله عنها- وقالت له لقد أبدلك الله خيرًا منها، فقال: “ما أبدلني اللَّهُ خيرًا مِنها قد آمنَتْ بي إذ كَفرَ بيَ النَّاسُ وصدَّقتني إذ كذَّبني النَّاسُ وواسَتْني بمالِها إذ حرَمَنِيَ النَّاسُ ورزقنيَ اللَّهُ أولادَها إذ حرمني أولادَ النَّساءِ”.[13][14]

حسن معاملته للخادم

كان النبي -عليه الصلاة والسلام- أرحم الناس بالخلق، وكان يحسن معاملة خدمه ولا يؤذيهم ولا يهينهم، بل كان يكرمهم ويحسن إليهم، فمن ذلك ما يرويه أنس -رضي الله عنه- إذ يقول: “خَدَمْتُ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ عَشْرَ سِنِينَ، وَاللَّهِ ما قالَ لِي: أُفًّا قَطُّ، وَلَا قالَ لي لِشيءٍ: لِمَ فَعَلْتَ كَذَا؟ وَهَلَّا فَعَلْتَ كَذَا؟”.[15][16]

معاملته للمنافقين

لقد كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يعامل الناس كافة من كل الملل والنحل بأخلاقه الحسنة، فلا فرق بين منافق ومشرك عنده، فمن أمثلة ذلك أنّه استأذن عليه أحد المنافقين، فقال: “ائْذَنُوا له، بئْسَ أخُو العَشِيرَةِ، أوِ ابنُ العَشِيرَةِ فَلَمَّا دَخَلَ ألَانَ له الكَلَامَ، قُلتُ: يا رَسولَ اللَّهِ، قُلْتَ الذي قُلْتَ، ثُمَّ ألَنْتَ له الكَلَامَ؟ قالَ: أيْ عَائِشَةُ، إنَّ شَرَّ النَّاسِ مَن تَرَكَهُ النَّاسُ، أوْ ودَعَهُ النَّاسُ، اتِّقَاءَ فُحْشِهِ”،[17] فالنبي -عليه الصلاة والسلام- استعمل معه مبدأ المداراة، وذلك أمر حق وجائز، وكان في ذلك تعليمًا لصحابته وللأمّة في كيفية معاملة الناس.[18]

معاملته لأهل الكتاب

لقد أحسن النبي -عليه الصلاة والسلام- إلى الناس كافة كما سبق، فكان يعامل الجميع بأخلاقه الحسنة، ومنهم أهل الكتاب، فمن حسن تعامل النبي -عليه الصلاة والسلام- مع أهل الكتاب أنّ وفدًا من نصارى الحبشة جاؤوه يسألونه عن الإسلام فتعامل معهم النبي -عليه الصلاة والسلام- كما ينبغي، وكما يتطلب الموقف، فعندما اطمأنّوا للنبي -عليه الصلاة والسلام- دعاهم إلى الإسلام وتلا عليهم شيئًا من القرآن الكريم، فآمنوا به وأسلموا وعادوا وهم مسلمون.[19]

شاهد أيضًا: بحث عن حياة الرسول من المهد إلى اللحد.

الصفات الخَلقية

لقد كان وصف الصحابة -رضي الله عنهم- رسول الله -صلى الله عليه وسلّم- وصفًا دقيقًا جميلًا، غير أنّ الوصف الأدق كان من بعض الصحابة -رضوان الله عليهم- الذين كانوا ينظرون إلى وجهه الشريف ويقرؤون ملامحه ويحفظون صفاته، ومن ذلك الحديث الذي جمع فيه راويه جُلّ صفات الرسول صلى الله عليه وسلم، فكان دقيقًا حريصًا على ذكر كل جزء من شمائل النبي عليه الصلاة والسلام، والحديث يقول فيه هند بن أبي هالة رضي الله عنه: “كان فَخْمًا مُفَخَّمًا، يَتَلَأْلَأُ وجهُه تَلَأْلُؤَ القمرِ ليلةَ البدرِ، أطولَ من المربوعِ، وأَقْصَرَ من المُشَذَّبِ، عظيمَ الهامَةِ، رَجِلَ الشعرِ، إنِ انْفَرَقَتْ عَقِيقَتُه فَرَقَ، وإلا فلا يجاوزُ شعرُه شَحمةَ أُذُنَيْهِ إذا هو وَفَّرَه”.[20][21]

ويتابع الوصف فيقول: “أَزْهَرَ اللونِ، واسِعَ الجَبِينِ، أَزَجَّ الحواجبِ، سَوَابِغَ في غيرِ قَرَنٍ، بينهما عِرْقٌ يُدِرُّهُ الغضبُ، أَقْنَى العِرْنِينِ، له نورٌ يَعْلُوهُ يَحْسَبُهُ مَن لم يَتَأَمَّلْهُ أَشَمَّ، كَثَّ اللحيةِ، سَهْلَ الخَدَّيْنِ، ضَلِيعَ الفَمِ، أَشْنَبَ، مُفَلَّجَ الأسنانِ، دقيقَ المَسْرُبَةِ، كأنَّ عُنُقَهُ جِيدُ دُمْيَةٍ في صَفاءِ الفِضَّةِ، مُعْتَدِلَ الخَلْقِ، بادِنًا متماسِكًا، سَواءَ البَطْنِ والصَّدْرِ، عريضَ الصَّدْرِ، بعيدَ ما بينَ المَنْكِبَيْنِ، ضَخْمَ الكَرَادِيسِ، أَنْوَرَ المُتَجَرِّدِ مَوْصُولَ ما بينَ اللَّبَّةِ والسُّرَّةِ بشَعْرٍ يَجْرِي كالخَطِّ، عارِيَ الثَّدْيَيْنِ والبَطْنِ مِمَّا سِوَى ذلك”.[20][21]

ثمّ يُكمل -رضي الله عنه- فيقول: “أَشْعَرَ الذِّرَاعَيْنِ والمَنْكِبَيْنِ وأَعَالِيَ الصَّدْرِ، طَوِيلَ الزَّنْدَيْنِ رَحْبَ الراحةِ، سَبْطَ العَصَبِ، شَثْنَ الكَفَّيْنِ والقَدَمَيْنِ، سائِلَ الأطرافِ خَمْصَانَ الْأَخْمَصَيْنِ، مَسِيحَ القَدَمَيْنِ، يَنْبُو عنهما الماءُ، إذا زال قَلْعًا، ويَخْطُو تَكَفُّؤًا، ويَمْشِي هَوْنًا، ذَرِيعَ المِشْيَةِ، كأنما يَنْحَطُّ من صَبَبٍ، وإذا الْتَفَتَ الْتَفَتَ جميعًا، خافِضَ الطَّرْفِ، نَظَرُهُ إلى الأرضِ أَطْوَلُ من نَظَرِهِ إلى السماءِ، جُلُّ نَظَرِهِ المُلَاحَظَةُ، يَسُوقُ أصحابَه، ويَبْدَأُ مَن لَقِيَهُ بالسلامِ”،[20] فهذا الوصف دقيق جدًّا يتخيّل المرء معه صورة النبي -عليه الصلاة والسلام- وإن كان لا يصل إلى حقيقتها.[21]

شاهد أيضًا: نسب الرسول صلى الله عليه وسلم كاملا.

صفات النبي المذكور بالقرآن

لقد وصف النبي -عليه الصلاة والسلام- في القرآن الكريم بكثير من الصفات التي مدحه بها ربّه سبحانه وتعالى، فمن ذلك حسن الخلق والرحمة وأنّه القدوة الحسنة للمؤمنين وغير ذلك كثير، فمن الآيات المذكور فيها أخلاق النبي عليه الصلاة والسلام:[22]

  • الرحمة في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ}.[23]
  • الشفقة في قوله تعالى: {فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ ۚ إِنَّ اللهَ عَلِيمٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}.[24]
  • الشجاعة والثبات في قوله تعالى: {إِذْ تُصْعِدُونَ وَلَا تَلْوُونَ عَلَىٰ أَحَدٍ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ}.[21]
  • الحرص على المسلمين في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِّنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَّحِيمٌ}.[25]
  • اللين في قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللَّهِ لِنتَ لَهُمْ ۖ وَلَوْ كُنتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ}.[26]
  • القدوة في قوله تعالى: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.[27]
  • عِظَم الأخلاق في قوله تعالى: {وَإِنَّكَ لَعَلَىٰ خُلُقٍ عَظِيمٍ}.[28]

فصاحة الرسول صلى الله عليه وسلم وبلاغته

لقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أفصح العرب على إطلاق العبارة، فقال عن نفسه عليه الصلاة والسلام: “نُصِرْتُ بالرُّعْبِ علَى العَدُوِّ وأُوتِيتُ جَوَامِعَ الكَلِمِ”،[29] فجوامع الكلم هي منتهى البلاغة والفصاحة، ومن أمثلة فصاحته -صلى الله عليه وسلم- أنّه تحدّث بألفاظ لم تكن فيمن هو قبله، بل اقتضبها ووضعها وصار العرب من بعده يستعملونها، مثل قوله: “حمي الوطيس، ومات حتف أنفه، ولا يلدغ المؤمن جحر مرتين”.[30]

أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم في الحروب

لقد ضرب النبي -صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في الأخلاق في أيّام السلم وفي أيّام الحرب، والأخلاق إن ظهرت في الحرب فهي لا تظهر إلّا عمّن امتلأ أخلاقًا فصارت تطفّ من حوله، فكان النبي -عليه الصلاة والسلام- مثالًا يُحتذى في الأخلاق في الحرب، فلم يكن يعامل الآخرين بالغدر والمكر ونحو ذلك ممّا يعتقده كثير من أرباب الحروب أنّه ذكاء، ولكنّ ذلك في الحقيقة خيانة ونذالة وقد جلّ قدر النبي -عليه الصلاة والسلام- عن الوقوع في تلك الدنايا، بل كان هو كالشمس المشرقة التي ما إن تظهر حتى تُخفي كلّ ضوء سواها.[31]

فكان يأمر المسلمين ألّا يقطعوا شجرة بغير حق، ولا يقتلوا طفلًا ولا امرأة ولا شيخًا ولا مُكرهًا على القتال، بل يحاربون من يحاربهم وحسب، ولم يكن -عليه الصلاة والسلام- يقصد إلى الحرب إلّا مضطرًّا، وكان يحاول العدول عن الحرب ما استطاع، وكان مبدؤه في الحرب هو الدفاع عن الإسلام وتأمين أسباب الدعوة والدفاع عن العقيدة وحرية الجهر بها وغير ذلك ممّا قد جاء الإسلام لتكريسه والدفاع عنه، فلم يقاتل الكفّار لمجرّد كفرهم، بل سبب القتال هو محاربة الإسلام ولا شيء سواه.[31]

ومن صور تلك الأخلاق أنّه بعد الانتصار في الغزوة لم يكن ينكّل بأعدائه ولم يكن يمثّل بهم، بل كان رحيمًا بهم، فمثلًا بعد النصر الساحق المبين في غزوة بدر منّ على الأسرى بأنّه لم يعذبهم بل أحسن إليهم، وترك قسمًا منهم مقابل فدية، ومن لم يكن معه مال أطلقه بلا مقابل، وقسم منهم جعل فداءه أن يعلّم صبية المسلمين القراءة والكتابة.[32]

شاهد أيضًا: كم عدد غزوات الرسول في رمضان.

أهمية الاقتداء بالرسول صلى الله عليه وسلم

في ختام الحديث عن صفات الرسول صلى الله عليه وسلم ينبغي الوقوف مع نقطة مهمة جدًّا وهي أهميّة الاقتداء بالنبي عليه الصلاة والسلام، فإنّ الإسلام هو الدين الذي يحضّ على الاقتداء بالقادة الصالحين الذين قدوا هذه الأمّة منذ القِدَم، فالقرآن -مثلًا- يأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاقتداء بالأنبياء السابقين كما يقول سبحانه في سورة الأنعام: {أُولَٰئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللهُ ۖ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهْ ۗ قُل لَّا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَىٰ لِلْعَالَمِينَ}،[33] فالآية الكريمة واضحة الدلالة وهي تأمر النبي -عليه الصلاة والسلام- بالاقتداء بمن سبق؛ لأنّهم ساروا وفق الطريق التي قد رسمها الله -تعالى- لهم.[34]

فإذًا السر في هذا الطلب هو أنّهم قد مضوا على طريق الحق ولم يحيدوا عنها، ولذلك كان الاقتداء بهم هو سبب من أسباب الهداية، وكذلك المسلمون، فإذا كان النبي -عليه الصلاة والسلام- يؤمر باتباع نهج الأنبياء الأصفياء الذين قد هداهم الله -تعالى- لطريق الحق، فكيف بالمسلمين الذين هم دون درجة النبي -عليه الصلاة والسلام- بمراتب لا يعلمها إلّا الله وحده، فإذًا الاقتداء بالنبي -عليه الصلاة والسلام- هو سبب من أسباب النجاة والفوز بإذن الله تعالى، وهو سبب التمسّك بالعروة الوثقى، وهو سبب في نيل رضوان الله تعالى، يقول -سبحانه- آمرًا المسلمين ومرغّبًا لهم في اتباع الرسول عليه الصلاة والسلام: {لَّقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِّمَن كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}.[27][34]

وهكذا يصل مقال صفات الرسول صلى الله عليه وسلم الخَلقية والخُلقية إلى الختام بعد أن أضاء على جوانب كثيرة مهمة في حياة النبي -عليه الصلاة والسلام- على الصعيد الشخصي وعلى الصعيد العام.

المراجع

  1. ^ صحيح البخاري , البخاري، أنس بن مالك، الرقم: 3149، حديث صحيح.
  2. ^ alukah.net , حلم النبي صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021
  3. ^ ar.islamway.net , نماذج مِن كرم النبي صلى الله عليه وسلم وجوده , 26-4-2021
  4. ^ صحيح البخاري , البخاري، البراء بن عازب، الرقم: 2930، حديث صحيح.
  5. ^ islamweb.net , صور من شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021
  6. ^ ar.islamway.net , صدق النبي صلى الله عليه وسلم والصحابة , 26-4-2021
  7. ^ dorar.net , الرَّسول صلى الله عليه وسلم القدوة في الأمَانَة , 26-4-2021
  8. ^ صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، الرقم: 285، حديث صحيح.
  9. ^ dorar.net , نماذج من رفق النَّبي صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021
  10. ^ صحيح البخاري , البخاري، عائشة أم المؤمنين، الرقم: 3231، حديث صحيح.
  11. ^ dorar.net , نماذج من صبر نبينا محمد صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021
  12. ^ islamweb.net , التوكل على الله في السنة النبوية , 26-4-2021
  13. ^ در السحابة , الشوكاني، عائشة أم المؤمنين، الرقم: 249، حديث إسناده حسن.
  14. ^ alukah.net , معاملة الرسول لأزواجه , 26-4-2021
  15. ^ صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، الرقم: 2309، حديث صحيح.
  16. ^ al-maktaba.org , فتاوى الشبكة الإسلامية , 26-4-2021
  17. ^ صحيح البخاري , البخاري، عائشة أم المؤمنين، الرقم: 6054، حديث صحيح.
  18. ^ islamqa.info , ‫‫التوفيق بين حديث " بئس أخو العشيرة " وحديث في " ذم ذي الوجهين , 26-4-2021
  19. ^ islamweb.net , إسلام وفْد من نصارى الحبشة , 26-4-2021
  20. ^ الجامع الصغير , السيوطي، هند بن أبي هالة، الرقم: 6475، حديث حسن.
  21. ^ islamweb.net , وصف دقيق لصفات النبي صلى الله عليه وسلم الخَلقية , 26-4-2021
  22. ^ islamweb.net , الآيات الكريمة التي تتحدث عن أخلاق وشمائل الرسول عليه الصلاة والسلام , 26-4-2021
  23. ^ سورة الأنبياء , الآية: 107
  24. ^ سورة فاطر , الآية: 8
  25. ^ سورة آل عمران , الآية: 153
  26. ^ سورة التوبة , الآية: 128
  27. ^ سورة آل عمران , الآية: 159
  28. ^ سورة الأحزاب , الآية: 21
  29. ^ سورة القلم , الآية: 4
  30. ^ صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة، الرقم: 523، حديث صحيح.
  31. ^ dorar.net , نماذج من فصاحة النَّبي صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021
  32. ^ islamstory.com , ولا تقتلوا وليدا , 26-4-2021
  33. ^ alukah.net , من أخلاق غزوة بدر: الرحمة , 26-4-2021
  34. ^ سورة الأنعام , الآية: 90
  35. ^ alukah.net , الاقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلم , 26-4-2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *