متى الثلث الأخير من الليل

متى الثلث الأخير من الليل

متى الثلث الأخير من الليل ، حيث أن الثلث الأخير من الليل هو أفضل الأوقات وأشرفها؛ إذ يتجلّى الله في هذا الوقت على السماء الدنيا؛ قال -عليه الصلاة والسلام-: (يَنْزِلُ رَبُّنَا تَبَارَكَ وتَعَالَى كُلَّ لَيْلَةٍ إلى السَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ يَبْقَى ثُلُثُ اللَّيْلِ الآخِرُ يقولُ: مَن يَدْعُونِي، فأسْتَجِيبَ له مَن يَسْأَلُنِي فَأُعْطِيَهُ، مَن يَسْتَغْفِرُنِي فأغْفِرَ له).

متى الثلث الاخير من الليل

يمكن معرفة الساعة التي توافق الثلث الأخير من الليل بحساب عدد ساعات الليل والتي تبدأ بغروب الشمس وتنتهي بطلوع الفجر، ومن ثم تقسم هذه الساعات على ثلاث، ويعرف الثلث الأخير. [1]

لماذا خص الله الله عز وجل الثلث الأخير من الليل بالنزول فيه

خصّ الله عزّ وجلّ الثلث الأخير من الليل بالنزول فيه؛ لأنه وقت خَلوة وغفلة واستغراق في النوم واستلذاذ به، ومفارقة اللذة والراحة صعبة على العباد؛ فمن آثر القيام لمناجاة ربّه والتضرع إليه في غفران ذنوبه، وفكاك رقبته من النار، وسأله التوبة في هذا الوقت الشاق، على خلوة نفسه بلذّتها، ومفارقة راحتها وسكنها، فذلك دليل على خلوص نيّته، وصحّة رغبته فيما عند ربّه، فضُمنت له الإجابة التي هي مقرونة بالإخلاص وصدق النيّة في الدعاء؛ إذ لا يقبل الله دعاء من قلب غافل لاهٍ؛ فلذلك نبّه الله عباده إلى الدعاء في هذا الوقت، الذي تخلو فيه النفس من خواطر الدنيا؛ ليستشعر العبد الإخلاص لربّه، فتقع الإجابة منه تعالى؛ رفقًا من الله بخلقه، ورحمةً لهم. [2]

فضائل قيام الليل

قيام الليل من العبادات التي لها فضائل تعود على  العبد بالنفع في دنياه، وآخرته، وقد كثرت النصوص التي تحث على قيام الليل، وتدعو إليه في الكتاب، والسنة النبوية؛ فقد أمر به الله -تعالى- نبيّه -عليه الصلاة والسلام- فقال: (وَمِنَ الْلّيْلِ فَتَهَجّدْ بِهِ نَافِلَةً لّكَ عَسَىَ أَن يَبْعَثَكَ رَبّكَ مَقَاماً مّحْمُوداً)، وممّا ورد في الثناء على هذه العبادة وعلى فاعليها في القرآن الكريم، قوله -تعالى-: (وَعِبَادُ الرّحْمََنِ الّذِينَ يَمْشُونَ عَلَىَ الأرْضِ هَوْناً وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الجَاهِلُونَ قَالُواْ سَلاَماً* وَالّذِينَ يِبِيتُونَ لِرَبّهِمْ سُجّداً وَقِيَاماً)، ولقيام الليل فضائل عظيمة وجليلة أخرى، يُذكَر منها ما يأتي: [3]

  •  أنّ الله جلّ وعلا مدح أهله، قال الله جلَّ وعلا: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ المَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ * فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)، هؤلاء الله سبحانه وتعالى مدحهم، جمعوا بين العبادات والقربات اللازمة والعبادات والقربات المتعدِّية، فهم يقومون الليل: هذه عبادة لازمة للشخص نفسه، وهناك العبادات المتعدِّية أي نفعها متعدٍّ: وهو الإنفاق في سبيل الله سبحانه وتعالى، وقد قال الحسن البصري -رحمه الله تعالى- في هذه الآية: أي أنَّهم لمَّا أخفوا أعمالهم -لأنَّ قيام الليل بينك وبين الله، لا أحد يعلم أنّك تقوم الليل- أخفى الله لهم من النعيم ومن اللذّات ما لم ترَ عين ولم تسمع أذن.

  •  أنّها من علامات المتّقين، يقول ربّنا جلّ في علاه: (إِنَّ المُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * آَخِذِينَ مَا آَتَاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ) الآن الله سبحانه يصفهم (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ)، (كَانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ * وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)، قال الإمام الحسن البصري: يعني لا ينامون من الليل إلا قليلًا، فهم يكابدون الليل في القيام والركوع والسجود، ومع ذلك يختمون هذه العبادة بالاستغفار، وقدوتهم في ذلك سيّدهم محمّد صلى الله عليه وسلم، حيث كان صلى الله عليه وسلم يقوم الليل حتى تتفطّر قدماه.

  • أنَّهم لا يستوون عند الله، نعم لا يستوون عند الله كما قال الله جلّ وعلا: (أَمْ مَّنْ هُوَ قَانِتٌ آَنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآَخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ) هل يستوي إنسان قضى ليله غافلاً هائمًا نائمًا بين السهرات والقيل والقال والفضائيات والأفلام والمسرحيات ومضيعة الأوقات، مع إنسان قائم في ليله يدعو ربه سبحانه وتعالى ويبكي من خشية الله جلّ وعلا ويخضع لله سبحانه وتعالى، بالطبع لا يستوون عند الله.

  • أنّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار، جاء في صحيح مسلم من حديث أبي هريرة -رضي الله تعالى عنه- قال صلى الله عليه وسلم: “أفضل الصلاة بعد الفريضة صلاة الليل” -أي المقصود في التطوّعات- ما هو السرّ، وما هو السبب أنّ صلاة الليل أفضل من صلاة النهار -أقصد في التطوّعات-؟ قال الحافظ ابن رجب الحنبلي -رحمه الله تعالى- لثلاثة أمور: أولًا: لأنّ فيها الإسرار فهي أقرب إلى الإخلاص، إذا أردت الإخلاص، إذا أردت أن تقوّي إخلاصك لله عزّ وجلّ فعليك بقيام الليل، فقيام الليل لا أحد يعلم عنك، لا أحد يدري عنك، أقرب الناس إليك لا يدري عنك، إذن هي أقرب إلى الإخلاص. ثانيًا: قال: ولأنّ صلاة الليل فيها مشقّة، فيها مشقّة على النفوس؛ لأنّ الإنسان يقوم من فراشه الدافئ الجميل ويقوم بين يدي الله سبحانه وتعالى، فهذا فيه مشقّة، فيه تعب، فيه معاناة، بينك وبين نفسك وبين شيطانك. ثالثًا: قال: لأنّ صلاة الليل القراءة فيها أقرب إلى التدبّر والتفكّر والخشوع؛ لأنّ الإنسان بينه وبين الله سبحانه وتعالى فهو تجده يتأمّل ما يقرأ.

  •  أنَّ قيام الليل سبب من أسباب دخول الجنة، روى الإمام الترمذي -رحمه الله تعالى- في سننه من حديث عبد الله بن سلام قال صلى الله عليه وسلم: “أطعموا الطعام، وصِلوا الأرحام، وصَلّوا بالليل والناس نيام، تدخلوا الجنة بسلام”، “تدخلوا الجنة بسلام” يعني: بلا عذاب، فذكر أهل العلم قالوا: أنّ من أسباب دخول الجنة قيام الليل.

  • أنّه شرف المؤمن، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: “واعلم أنَّ شرف المؤمن قيامه بالليل” رواه الطبراني، فصرّح النبي صلى الله عليه وسلم أنّ قيام الليل شرف المؤمن؛ لأنّ فيه دليل على قوّة إخلاصه، دليل على قوّة ثقته بالله، دليل على قوّة إيمانه، فالله عزّ وجلّ يرفعه ويعلي من مكانته ومنزلته عند الله سبحانه وتعالى، ولهذا حين سُئل الإمام الحسن البصري -رحمه الله تعالى-: ما بال المتهجّدين -الذين يصلّون بالليل- وجوههم فيها النور، فيها الضياء؟ فقال الإمام -رحمه الله-: لأنّهم خلوا بالرحمن فأعطاهم من نوره.
  • يوصف من قام الليل بـ(نِعم الرجل)، جاء في صحيح البخاري من حديث عبد الله بن عمر -رضي الله تبارك وتعالى عنهما- أنّ نبيّنا محمد صلى الله عليه وسلم قال: “نِعم الرجل عبد الله لو كان يصلّي من الليل”. 
  •  أنَّه سبب من أسباب رحمة الله سبحانه وتعالى، قال صلى الله عليه وسلم: “رحم الله رجلاً قام من الليل فأيقظ امرأته…” فصلَّيا جميعًا أو صلّى كل واحد منهما لوحده أو كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، ولهذا عائشة -رضي الله تعالى عنها- الصدّيقة بنت الصدّيق توصينا بوصية عظيمةٍ تقول -معنى وصيتها-: يا عبد الله لا تدع قيام الليل فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يدع قيام الليل؛ فإذا كان مريضًا أو كسل -يعني أصابه مرض أو تعب عليه الصلاة والسلام- صلّى قاعدًا صلى الله عليه وسلم.

نرشح لكم أيضًا قراءة المقالات التالية:

الأسباب التي تُعين على قيام الليل

فيما يلي مجموعة من الأسباب التي تعين الإنسان على قيام الليل: [3]

  •  ترك الذنوب والمعاصي؛ لأنّ الذنوب والمعاصي تحجب الإنسان عن ربه تبارك وتعالى، الذنوب والمعاصي هي سبب كل بلاء وشقاء ونكد وحرمان في الدنيا والآخرة، ولهذا قال الفضيل بن عياض -رحمه الله تعالى-: إذا لم تستطع على صيام النهار ولا قيام الليل فاعلم أنك محروم مكبَّل كبَّلتك ذنوبك، ولقد شكى بعض الناس لعبد الله بن مسعود -رضي الله تعالى عنه- الصحابي الجليل قالوا: إنّنا لا نستطيع أن نقيم الليل، قال: أقعدتكم ذنوبكم. حتى قال الإمام الحسن البصري: إنّ الرجل ليذنب الذنب فيُحرم قيام الليل.

  •  قلّة الأكل، حتى قال أحدهم: من أكل كثيرًا شرب كثيرًا فنام كثيرًا فتحسّر كثيرًا، فلا شكّ أن كثرة الأكل تُثقل جسد الإنسان.

  •  الدعاء؛ لأنّ قيام الليل توفيق من الله، هبة ربّانيّة، عطيّة رحمانيّة، فالله عزّ وجلّ لا يهب هذه العبادة -التي قلّ من يطبّقها- إلا بعد توفيق الله عزّ وجلّ، فتدعو الله سبحانه وتعالى وتتضرّع إلى الله قبل أن تنام أن يوفّقك الله ويعينك على قيام الليل. 
  •  أكل الحلال والابتعاد عن الحرام، قال الله جلّ وعلا: (يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ) يقول الإمام ابن كثير: فأكل الحلال يعين على العمل الصالح.

  •  القيلولة، أي: أنّ الإنسان ينام في وسط النهار، ولهذا جاء في بعض الآثار: استعينوا بالقيلولة على قيام الليل، فلا بدّ أنّ الإنسان ينام في وسط النهار؛ لأنّ الإنسان لو قام من الصباح -من الفجر مثلًا- إلى بعد صلاة العشاء، ما نام إلا بعد صلاة العشاء بساعتين أو ثلاث، كيف يستطيع أن يقوم الليل وهو في طيلة النهار يعمل ويكدح؟! لا شكّ أنه لا يستطيع أن يقوم الليل إلا إذا شاء الله.
  •  الإكثار من ذكر الله جلّ وعلا؛ لأنّ الإكثار من ذكر الله يعطي الإنسان قوة، ويعطي الإنسان توفيقًا، وانتصارًا على النفس والهوى والشيطان، ولهذا أوصى رسول الله صلى الله عليه وسلم عليّ بن أبي طالب وفاطمة -رضي الله تعالى عنهما- قبل النوم أن يسبّحا الله سبحانه وتعالى عندما طلبت فاطمة خادمة أن تعمل في البيت لها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أوصاهما أن يسبّحا التسبيحات المعروفة سبحان الله 33، والحمد لله 33، والله أكبر 34.
  •  طهارة القلب، سلامة النفس من الحقد والحسد والضغينة، فلا شكّ أنّ أصحاب القلوب المريضة لا يوفّقون إلى أجلّ الطاعات وأعظم العبادات، فلا بد للإنسان أن ينقّي قلبه، ويصفّي نفسه من هذه الأمراض: الحقد والحسد والأنانية والبغضاء والكراهية، حتى يوفقه ربّه سبحانه وتعالى إلى هذه العبادة العظيمة.

إلى هنا نكون قد وصلنا إلى نهاية المقال الذي عرفنا فيه متى الثلث الأخير من الليل ، ولماذا خص الله عز وجل الثلث الأخير من الليل بالنزول فيه، بالإضافة إلى فضائل قيام الليل، والأسباب التي تعين على قيامه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *