من اين يستخرج المسك وما هو أصل تسميته وما هي مصادره

من اين يستخرج المسك

من اين يستخرج المسك هذه المادّة الطبيعيّة التيّ لا تقدّر بثمن، التي عرفها العرب قديماً؛ فتغنوا بها، وجدّ تجّارهم السعي في أسفارهم لاستحضارها، ليتمّ الحصول عليها من مصادرها الغريبة جداً وغير المتوقعة، والتي قد لا تخطر في البال.

أصل تسمية المسك

المسك كلمة من أصل فارسيّ، جرى تعريبها لجمال لفظها، ويقابلها في اللّغة العربيّة كلمة المشموم، وقد وردت في القرآن الكريم في الآية 26 في سورة المطفّفين (ختامهُ مسْك)، والمسك هو عطرٌ ذو قاعدة ثقيلة عاليّة التركيز [2]، تتمّ مقارنته عادةً بالروائح الخشبيّة والترابيّة المنشأ، لذلك ساد الاعتقاد بين عامّة الناس بأن الحطّابين كانوا يجمعونه من قطع أشجار معيّنة تنمو في غابات ولاية ماين الأمريكيّة [1] الواقعة في أقصى الشمال من منطقة نيو إنغلاند في شمال شرق الولايات المتّحدة الأمريكيّة.

من اين يستخرج المسك

يستخرج المسك من ذكور بعض من الحيوانات، وتحديداً في “غزلان المسك”، كما عُثر على مادة المسك في القيء الذي يفرزه حوت العنبر، وحيوان الزبّاد، وثور المسك، وخنفساء المسك، وغيرها من الحيوانات التي تمتلك غدّة المسك؛ فقد بلغ ثمن الكيلو غرام الواحد من المسك أكثر من 15000 دولار. [2]

مصادر المسك

إنّ للمسك عدّة أنواع، ولكن أشهرها:

مسك الغزال

معروف أنّ غالبية الروائح العطريّة التي تُصنّع اليوم، تتمّ من خلال عمليّات الهندسة الكيميائيّة الاصطناعيّة في المختبرات، إلّا أنّ مادة المسك كان يتمّ استخراجها فيما مضى من كيسٍ غدّيّ حجمه كحجم كرة الغولف، يعود لغزال المسك البالغ، الذي كان يُقطَف منه بشكله الحرّ الخام قبل معالجته، ومنه جاءت تسمية “المسك”، إذ يحتوي هذا الكيس على سائلٍ رائحته نفّاذة كرائحة البول، يرشّه الغزال الذكر، ويستخدمه كوسيلة ليفوز بها برفيقة من الإناث؛ وعندما يموت الغزال، يُنزع منه الكيس الغديّ ويجفّف للحصول على ما يُسمّى “جراب المسك”، وبمجرّد القيام بفتحه نجد حبّة المسك العطريّة، والتي يتمّ نقعها لعدّة شهورٍ أو لسنواتٍ في مادة كحوليّة كالإيثانول أو الفودكا، ممّا ينتج عنها الرائحة المُشار إليها باسم “المسك”. [1] وعالمياً أكثر أنواع المسك شهرة هو مسك الهند والصين والبحرين وجبال التيبت في آسيا التي فيها أجود أنواعه على الإطلاق ويعود ذلك إلى نوعية الظباء وجودة المراعي الخضراء فيها. [2]

مسك حوت العنبر

إن حوت العنبر الذكر، وخاصّةً الموجود في المحيط في نصف الكرة الجنوبيّ من الأرض، حين يأكل الحبّار، فإنّ منقار الحبّار الحاد يخدش الجهاز الهضميّ للحوت، ممّا يجعله يُعاني نوعاً ما من عسرٍ في الهضم، ويعتقد العلماء أن الحوت يحمي نفسه عبر الإحاطة بأجزاء المنقار المكسورة من خلال كرة دهنيّة بداخله، يفرغها الحوت بعد أن يتقيّأها. وقد وصف (كريستوفر كيمب) عالم الأحياء الجزيئيّة ومؤلف كتاب (الذهب العائم، الطبيعي وغير الطبيعي) هذه العمليّة بقوله “رائحة العنبر تشبه رائحة القذارة، وتتّصف بأنّها سوداء وناعمة الملمس بما يكفي لتتحوّل إلى كرات. ولكن بمرور الوقت، عندما يطفو العنبر تحت أشعة الشمس ويتأكسد في ماء المحيط، يتماسك العنبر الأسود الناعم وتنبعث منه رائحة المسك الفاخر والنادر”. [2]

مسك حيوان الزبّاد

الزبّاد هو من الثدييات التي تأكل حبوب القهوة ولا تهضمها، ومن فضلاته تستخرج أجود أنواع القهوة الباهظة الثمن، هو أيضاً مصدر لرائحة المسك، فقد عُثر على جُزيء يُسمى civetone في عجينة الزبدة الصفراء التي يفرزها الزبّاد من غدده العجانيّة، وتنبعث منه رائحة، وقد كتب عنها صانع العطور Mandy Aftel: “شكلها برازيّ ومثير للغثيان، ولكن عند تخفيفها يكون لها رائحة زهريّة مشعّة ومخمليّة”. [2]

المسك وصناعة العطور

يقول ويل أندروز، خبير العطور الشهير والمعتمد الرئيسيّ الذي يصمم عطوراً لأشهر بيوتات الأزياء وماركات العطور العالمية مثل Hugo و Boss  و Dolce & Gabbana و Gucci وغيرها: “إن أكثر روائح المسك رواجاً كعطر نسائيّ هي تلك الرائحة الممزوجة برائحة الفاكهة، وأحياناً برائحة الأزهار، وهي في غالبها ناعمة ومنعشة على جلد البشرة. إلّا أنّ المفارقة تكمن بينها وبين الروائح الرجوليّة التي هي بمجملها ذات تراكيز ثقيلة جداً، وقد نقوم أحياناً بمزجها مع روائح الخشب والغابات كخشب أشجار الصندل والصنوبر، ولهذا هي أنيقة وجذّابة ويزداد الإقبال على طلبها”. [1]

المسك والرفق بالحيوان

بعد نشاط المنظّمات والجمعيّات الحقوقيّة المطالبة بالرفق بالحيوان، ومنع الصيد، والتي وضعت القوانين الصارمة بهذه الخصوص منذ عام 1973، لم يعد صانعو العطور يستخدمون في تراكيبهم المسك المُستخرج من الحيوانات، بل استعاضوا عنه ببدائل من مواد كيميائيّة صناعيّة أكثر استدامة رخيصة التكاليف. وقلّدوا المسك بمادة تُسمّى “موسكون” وبمواد تركيبيّة أُخرى مثل galaxolide و versalide التي لها خصائص شبيهة بالمسك والخشب. [1] [2]

وهكذا بعد معرفتنا من أين يستخرج المسك، نجد أنّه كنز من كنوز الطبيعة ونفائسها التي اكتشفها الإنسان، واستخدمها وسخّرها في واحدة من أنجح الميادين التجاريّة الرابحة، ومقياساً لمدى ترفه وغناه ألا وهي صناعة العطور الفاخرة واقتنائها.