أول ما يقع على الأرض في السجود

أول ما يقع على الأرض في السجود

أول ما يقع على الأرض في السجود مقالٌ يخوض في بحر الأحكام الشرعيّة للسجود، والذي يعدّ ركنًا من أركان الصلاة الأربعة عشر، والتي تتلخّص في القيام وتكبيرة الإحرام والفاتحة والركوع والرفع منه والاعتدال قائمًا والسجود والرفع منه والجلوس بين السجدتين والطمأنينة والتشهد الأخير والجلوس له والتسليمتين والترتيب فيها كما سلف ذكره.[1]

السجود

إنّ الخوض في الحديث عن أول ما يقع على الأرض في السجود يقتضي الخوض في فضائل السجود وبيان ماهيّته، فالسجود من العبادات العظيمة والجليلة والتي لا تكون إلّا للخالق سبحانه وتعالى، قال تعالى في سورة النجم: {فَاسْجُدُوا لِلَّهِ وَاعْبُدُوا}،[2] وعباد الله يسجدون لخالقهم سبحانه طوعًا واختيارًا، وأمّا الكافرون فيسجدون كرهاً واضطرارًا، قال تعالى في سورة الرعد: {وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا}،[3] وقد روي في الحديث الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “إذا قرأ ابنُ آدمَ السَّجدةَ فسجدَ اعتزلَ الشَّيطانُ يبكي يقولُ يا ويلَه أُمرَ ابنُ آدمَ بالسُّجودِ فسجدَ فلَه الجنَّةُ وأمرتُ بالسُّجودِ فأبيتُ فليَ النارُ“،[4] والسجود من صفات المؤمنين القانتين لله ربّ العالمين.[5]

أول ما يقع على الأرض في السجود

إنّ أول ما يقع على الأرض في السجود مسألةٌ وقع الخلاف فيها، فقد قيل فيها أنّ أوّل ما يكون من المرء على الأرض أثناء النزول إلى السجود هي ركبتاه، وبعد الركبتين تكون اليدين، ومن ثمّ تكون الجبهة والأنف، وهذا القول هو المستحبّ، وقد روى أبو هريرة عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- أنّه قال: “إذا سجدَ أحدُكُم ، فليضَع يدَيهِ قبلَ رُكبتَيهِ ، ولا يبرُك بُروكَ البعيرِ“،[6] وهو حديثٌ صحيحٌ لا بدّ من الاستناد إليه، وقد جاء في زاد المعاد أيضًا في الحديث الصّحيح، عن وائل بن حجر -رضي الله عنه- قال: “رأيتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذا سجَدَ وضعَ رُكبتيهِ قبلَ يديهِ وإذا نَهضَ رفعَ يديهِ قبلَ رُكبتيهِ“،[7] وقد جاء في حديثٍ شكك في ثبوته: “عن مُصْعَب بن سعد قال : كُنّا نضعُ اليدينِ قبل الركبتينِ فأمِرْنا بوضعِ الركبتينِ قبل اليدينِ“،[8] وعلى ذلك فإنّ السجود على الركبتين أو اليدين واجب، ومن أقوال الإمام مالك وأبو حنيفة والشافعي أنّه لا يجب السجود إلّا على جبهة المسلم، وذلك استنادًا إلى ما جاء عن عائشة أمّ المؤمنين -رضي الله عنها- قالت: “كان النبي صلى الله عليه وسلم يقولُ في سجودِ القرآنِ بالليلِ سجدَ وجهي للذِي خلقهُ وشقَّ سمعهُ وبصرهُ بحولهِ وقوتهِ”،[9] وبناءً على صحّة ما اختلف به أهل العلم وصحّة الأدلّة فإنّ أول ما يقع على الأرض في السجود هي إمّا الركبتين أو اليدين أو الوجه، وإلى الله ترجع الأمور.[10]

طريقة السجود الصحيحة

إنّ الخوض في الحديث عن أول ما يقع على الأرض في السجود يدفع إلى ذكر الطريقة الصحيحة للسجود، فالسجود هي الركن السابع في ترتيب أركان الصلاة، والتي لا تكتمل صلاة المرء إلا بتمامها وكمالها، والسجود هو أن يضع المرء جبهته على الأرض وأن تكون على أعضائه السبعة، والتي تتمثّل بالجبهة والأنف واليدين والركبتين وأطراف القدمين، والسجود يكون على مرّتين في كلّ ركعةٍ من ركعات الصلاة، يفصل بينهما ركن الجلوس بين السجدتين، وعليه فإنّ على المرء التزام ما كان من المتّفق عليه في طريقة السجود الصحيحة.[11]

سنن السجود

إنّ السجود من العبادات العظيمة، وقد عوّدنا رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- أن يسنّ لنا السنن التي تتبع للكثير من العبادات، وكذلك السجود فإنّ له سنن كثيرة سيتمّ ذكر بعضها فيما سيأتي:[12]

  • من سنن السجود أن يجافي المرء بطنه عن فخذيه وعضديه عن جنبه.
  • من سنن السجود أن تكون أطراف أصابع المرء مستقبلةً القبلة وهو ساجد.
  • من سنن السجود أن يردّد المرء ما كان من الأذكار التي وردت في السجود، ولعلّ أهمّها سبحان ربيّ الأعلى.
  • من سنن السجود أن يكثر المرء من الدعاء في سجوده، فإنّ أقربُ ما يكون العبد إلى ربّه يكونه وهو ساجدٌ بين يديه.

الرفع من السجود

إنّ الاختلاف في أقوال العلماء في مسألة أول ما يقع على الأرض في السجود يتبعه إلى ما يكون في الرفع من السجود، وقد انقسم العلماء في القول في الرفع من السجود إلى فريقين:[13]

  • الفريق الأوّل: والذي يرى أنّ السنّة في رفع اليدين أوّلاً وثمّ ترفع الركبتين، وذلك لا يشمل من يشقّ عليه هذا الأمر، وقد جاء في الأثر عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر: “رَمقتُ ابنَ مَسعودٍ فرأيتُهُ يَنهضُ علَى صدورِ قَدميهِ ، ولا يَجلِسُ إذا صلَّى في أوَّلِ رَكْعةٍ حينَ يَقضي السُّجودَ”.[14]
  • الفريق الثاني: والذي يرى أنّه يستحبّ على المرء أن يقوم من سجوده بالاعتماد على يديه، وقد جاء في صحيح البخاري: “جَاءَنَا مَالِكُ بنُ الحُوَيْرِثِ، فَصَلَّى بنَا في مَسْجِدِنَا هذا، فَقَالَ: إنِّي لَأُصَلِّي بكُمْ وما أُرِيدُ الصَّلَاةَ، ولَكِنْ أُرِيدُ أنْ أُرِيَكُمْ كيفَ رَأَيْتُ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يُصَلِّي، قَالَ أيُّوبُ: فَقُلتُ لأبِي قِلَابَةَ: وكيفَ كَانَتْ صَلَاتُهُ؟ قَالَ: مِثْلَ صَلَاةِ شيخِنَا هذا – يَعْنِي عَمْرَو بنَ سَلِمَةَ – قَالَ أيُّوبُ: وكانَ ذلكَ الشَّيْخُ يُتِمُّ التَّكْبِيرَ، وإذَا رَفَعَ رَأْسَهُ عَنِ السَّجْدَةِ الثَّانِيَةِ جَلَسَ واعْتَمَدَ علَى الأرْضِ، ثُمَّ قَامَ”.[15]

الركوع الصحيح

إنّ الحديث عن أول ما يقع على الأرض في السجود والخوض في بحر سنن السجود وأحكامه الشرعيّة وتوابعه يدفع إلى ذكر الطريقة الصحيحة التي ينبغي على المسلم اتّباعها ليكمل ركوعه بشكلٍ صحيح، وقد جاء عن أهل العلم أنّ الطريقة المثلى والصحيحة للركوع هي ما يكون من استقامةٍ في الظهر أثناء الركوع دون انحناءاتٍ بارزةٍ في الظهر، وأن يكون تقدير ذلك أن يوضع عليه كأسٌ من الماء ويحافظ على استقراره دونما وقوع، وأن تكون يديه على ركبتيه أثناء ركوعه.[16]

أول ما يقع على الأرض في السجود مقالٌ فيه تمّ بيان ماهيّة السجود وكونه ركنٌ من أركان الصلاة الأربعة عشر، وذلك بعد ذكر هذه الأركان مرتبة، كما تمّ الخوض في ذكر سنن السجود التي سنّها النبيّ المصطفى صلّى الله عليه وسلّم، وذكر ما اختلف به العلماء في ركن الرفع من السجود وبيان الطريقة الصحيحة للسجود والركوع.

المراجع

  1. ^ islamqa.info , أركان الصلاة وواجباتها وسننها , 01/11/2020
  2. ^ سورة النجم , الآية 62
  3. ^ سورة الرعد , الآية 15
  4. ^ صحيح ابن ماجه , الألباني/أبو هريرة/871/صحيح
  5. ^ alukah.net , السجود لله عز وجل قُرب وقُربة , 01/11/2020
  6. ^ صحيح النسائي , الألباني/أبو هريرة/1090/صحيح
  7. ^ زاد المعاد , ابن القيم/وائل بن حجر/1/215/صحيح
  8. ^ الصلاة وحكم تاركها , ابن القيم/مصعب بن سعد/156/شكك في ثبوته
  9. ^ سنن الترمذي , الترمذي/عائشة أم المؤمنين/3425/حسن صحيح
  10. ^ islamweb.net , مسألة أول ما يقع منه على الأرض عند السجود ركبتاه , 01/11/2020
  11. ^ islamweb.net , كيفية السجود في الصلاة , 01/11/2020
  12. ^ alukah.net , سنن السجود , 01/11/2020
  13. ^ dorar.net , صِفةُ النُّهوضِ مِن السُّجودِ للقيامِ , 01/11/2020
  14. ^ السنن الكبرى للبيهقي , البيهقي/عبدالرحمن بن يزيد بن جابر/2/125/صحيح
  15. ^ islamweb.net , ما الطريقة الصحيحة للركوع؟ , 01/11/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *