يا أبا عمير ما فعل النغير

يا أبا عمير ما فعل النغير

يا أبا عمير ما فعل النغير، قالها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي عمير الذي كان وقتها طفلا ملاطفًة وتأنيسًا له وتسليًة، والنغير هو تصغير لنغر وهو اسم لطائر كان لأبي عمير يلعب به، فلما مات حزن عليه أبو عمير حزنًا شديدًا، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ممازحًة: (يا أبا عمير ما فعل النغير)؛ أي ما صنع وما الذي جرى به، وهذا من الأحاديث التي يستأنس في باب بيان رحمة النبي صلى الله عليه وسلم بالأطفال، ورفقه معهم، ومعاملتهم بإحسان، ولهذا لحديث فوائد عديدة.[1]

يا أبا عمير ما فعل النغير

عن أنس ـ رضي الله عنه ـ قال: ( كان رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ أحسن الناس خلقا، وكان لي أخ يقال له: أبو عمير – أحسبه قال: كان فطيما -، قال: فكان إذا جاء رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فرآه قال: يا أبا عمير، ما فعل النغير –طائر صغير كالعصفور-؟ قال: فكان يلعب به ) رواه مسلم، والطفل هو أبوعمير بن أبي طلحة الأنصاري، واسمه زيد بن سهل، وهو أخو أنس بن مالك لأمه، وأمهما أم سليم، مات على عهد رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ.

ومما يجدر بنا ذكره أن لهذا الحديث روايات متعددة، فتعددت الفوائد والعبر التي استنبطها العلماء منه. وقال ابن حجر : ” قال أبو العباس الطبري : وفيما روينا من قصة أبي عمير ستون وجها من الفقه والسنة وفنون الفائدة والحكمة “، ففي هذا الموقف النبوي مع أبي عمير ـ رضي الله عنه ـ العديد من الفوائد التربوية التي يجب علينا الوقوف عليها والاستفادة منها.[2]

الفوائد المتعلقة بالتعامل مع الناس من الحديث

لهذا الحديث فوائد كثيرة، واستأنس به الفقهاء في العديد من وجوه الفقه، وذكر بعض العلماء أن له ستون فائدة، ولخصوها بأسلوب مبسط. نذكر هنا بعضًا من الفوائد المتعلقة بالتعامل مع الناس:

  • استحباب التأني في المشي، ومثلها زيارة الإخوان، وجواز زيارة الرجل للمرأة الأجنبية إن لم تكن شابة وأمنت الفتنة، وأن يخصص الإمام بعض رعيته بالزيارة،وفيه وأن كثير الزيارة لا تنقص المودة، وقوله: ‏”‏ زر غبا تزدد حبا ‏”‏، خاص بمن يزور لطمع، وأن النهي عن كثرة مخالطة الناس وارد بمن خشي الفتنة أو الضرر‏.‏
  • مشروعية المصافحة فقد قال أنس في رواية: ‏”‏ ما مسست كفا ألين من كف رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏ وخصص ذلك بالرجل دون المرأة.
  • جواز الممازحة، وهي إباحة سنة لا رخصة، وأن ممازحة الصبي غير المميز جائزة.
  • وجوب ترك التكبر والترفع، وأن حال الكبير في الطريق الوقار و في البيت المزاح والملاطفة، وما ورد في صفة المنافق من أن سره يخالف علانيته ليس على عمومه‏.
  • استحباب التلطف بالصديق الصغير والكبير، والسؤال عنه، وأن الخبر الوارد في الزجر على بكاء الصبي، يحمل على ما لو بكى لسبب عامدا، أو أذى بغير حق‏.‏
  • معاشرة الناس على قدر عقولهم‏.‏
  • إكرام الزائر وأن التنعم الخفيف لا ينافي السنة، وأن تشييع المزور الزائر ليس واجبًا‏.

فوائد وأحكام فقهية أخرى متعلقة بالحديث

يحتوي الحديث على العديد من الفوائد والأحكام الشرعية؛ مما ألم به الفقهاء، ولخصوه في نقاط منها:

  • استحباب صلاة الزائر في بيت المزور، خاصة إذا كان الزائر من الذين يتبرك بهم، بالإضافة إلى مشروعية الصلاة على الحصير، وعدم التقزز؛ لأنه علم أن في البيت صغيرًا وعل الرغم من ذلك صلى في البيت وجلس فيه‏.‏
  • معرفة أن الأصل في الأشياء الطهارة؛ لأن نضحهم البساط إنما كان للتنظيف‏.‏
  • الاختيار للمصلي أنه يقوم على أسهل الأحوال وأمكنها، خلافا لمن استحب من المشددين في العبادة أن يقوم على أجهدها‏.‏
  • إباحة حمل العالم علمه لمن يستفيد منه، وفضيلة لآل أبي طلحة ولبيته لأنه صار في بيتهم قبلة يقطع بصحتها‏.‏
  • الحكم على ما يظهر من الأمارات في الوجه من حزن أو غيره‏، حيث أن فيه جواز الاستدلال بالعين على حال صاحبها، فقد استدل الرسول صلى الله عليه وسلم بالظاهر على الكامن.
  • جواز تكنية من لم يولد له.
  • جواز لعب الطفل بالطير، وجواز ترك الأبوين ولدهما يلعب بما أبيح له، بالاضافة إلى جواز إنفاق المال فيما يلعب به الصغير من المباحات.
  • وجواز إمساك الطير في نحو قفص، ومشروعية قص جناح الطير، حيث أنه لا يخلو حال طير أبي عمير من أحدهما، ومهما كان الواقع التحق الآخر به في الحكم‏.‏
  • مشروعية إدخال الصيد من الحل إلى الحرم، وإمساكه بعد إدخاله، فإنه يجب عليه الإرسال‏.‏
  • جواز تصغير الاسم حتى لو كان لحيوان.
  • جواز قيلولة الشخص في بيت غير بيت زوجته، وإن لم تكن فيه زوجته، ومشروعية القيلولة.‏ [3]

وفيما سبق ذكرنا الأهمية البالغة لحديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: ( يا أبا عمير ما فعل النغير )، واستقينا منها دروسًا وعبرًا وأحكامًا فقهيًة متعددةً، ولمسنا ما يتجلى فيه من الأخلاق النبوية في ملاطفة الأطفال ومعاملتهم بالرحمة والرفق.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *