من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء شخصيّة يرغب بمعرفتها معظم محبي الكتب الأدبية والأدباء، حيث يُعدّ كتاب (تاريخ الخلفاء) لمؤلّفه السيوطي أحد أهمّ الكتب التي عُنيت بتاريخ الدولة الإسلاميّة وأخبارها، وأخبار ولاتها، وأسمائهم، وتراجم وسير الخلفاء الرّاشدين، منذ العهد الأوّل لقيام الدولة الإسلاميّة، مروراً بالدولة الأمويّة، وانتهاءً بالدولة العباسيّة، ويقع في 420 صفحة.

من هو مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء هو الإمام الحافظ جلال الدين عبد الرحمن بن أبي بكر السّيوطي (849هـ – 911هـ). ويُعدّ هذا الكتاب من أهمّ الكتب التاريخيّة التي وثّقت لتراجم الخلفاء الرّاشدين، منذ بداية الخلافة حتّى نهاية فترة الخلافة العبّاسيّة، حيث تناول السيَر بشكلٍ مفصّلٍ، بدءاً من تاريخ الولادة، وفترة الخلافة، والآثار، حتّى تاريخ الوفاة والدفن.

شاهد أيضًا: من هو أبو اليقظان

مولد ونشأة الإمام الحافظ جلال الدين

ولد الإمام السيوطي في عام 1445م، في مدينة القاهرة، في مصر، في كنف أسرةٍ تميّزت بالعلم والتُقى والتديّن. تجرّع مرارة اليُتم منذ حداثة سنّه، وكان لم يتجاوز بعد عامه السّادس عندما توفيّ والده الذي كان مشهوداً لمكانته العالية في قومه.

لم يُكمل السيوطي عامه الثّامن إلّا وقد أتمّ حفظ القرآن الكريم، بعدها انتقل إلى حفظ جلّ الكتب المخطوطة والموضوعة آنذاك، بدءاً من ألفيّة ابن مالك، ومنهاج الفقه والأصول، وكتاب العُمدة، الأمر الذي جعله يمتلك من المعارف والعلوم زاداً لا يُستهان به وزوادةً لكلِّ مَن تتلمذ على يديه أولاً، ولكلِّ طالب علمٍ ثانياً.

معلومات عامة عن مؤلف كتاب تاريخ الخلفاء

تلقّى السيوطي رعايةً خاصّةً من العلماء الذين كانت تربطهم بوالده أواصر الصداقة، وفي مقدّمتهم العالم والفقيه الإسلاميّ الكمال بن الهمام الحنفيّ، الذي كان له الأثر الكبير في صقل شخصيّة السيوطي، فحذي حذوه في الابتعاد عن بلاط السّلاطين والتزلّف لأرباب الدولة، وأيضاً تقيّ الدين الشبلي، ومحيي الدين الكافيجي، وعلم الدين البلقيني الذي أثنى عليه، وجلال الدين المحلي، ويُحكى بأنّه كان يجالس الشّيوخ والعلماء، ويختارهم واحداً واحداً. وما أن أمضى عامان في دراسة الفقه والنحو، حتّى أُجيز له أن يدرّس العربيّة، كما ألفّ كتاب (شرح الاستعاذة والبسملة) والذي يُعدّ كتابه الأوّل وهو مازال في السّابعة عشرة من عمره. تنقّل في مرحلة الشباب -سعياً للعلم- بين الشّرق والغرب، حيث قصد بلاد الشّام واليمن، الحجاز والمغرب، ووصل الهند.

رحلة عطاء السيوطي

لم يتجاوز السيوطي الأربعين من العمر حتّى تفرّغ بشكلٍ كاملٍ للكتابة والتأليف، وجمع الكتب القديمة وتلخيصها، وإعادة تشكيلها من جديدٍ لتظهر بشكلٍ أكثر إتقاناً ودقّةً؛ فلم يتوانَ ولم تفتر له همّة عن العمل، أعانه على كثرة تأليفه انقطاعه بشكلٍ تامّ عن الاختلاطات وأيضاً بعده عن محاباة السلطة، برغم أنّه عاصر (13) سلطاناً مملوكاً، فكان سريع الكتابة، فقد اتسع عمره التأليفي (45) سنة، حيث بدأ التأليف وهو في السّابعة عشرة من عمره، وانقطع له (22) عامًا متواصلة، ولو وُزع عمره على الأوراق التي كتبها، لأصاب اليوم الواحد (40) ورقة، على أن القسم الأكبر من تأليفه كان جمعًا وتلخيصًا وتذييلاً على مؤلفات غيره، أما نصيبه من الإبداع الذاتي فجِدّ قليل. تمنّى السيوطي أن يكون إمام المئة التّاسعة من الهجرة لعلمه الغزير، حيث قال: “إني ترجيت من نِعَم الله وفضله أن أكون المبعوث على هذه المائة، لانفرادي عليها بالتبحّر في أنواع العلوم”، “وصارت مصنفاتي وعلومي في سائر الأقطار، ووصلت إلى الشام والروم والعجم والحجاز واليمن والهند والحبشة والمغرب والتكرور، وامتدّت إلى البحر المحيط”

تتلمذ على يد السيوطي عددٌ من العلماء والفقهاء، الذين صُقلت شخصيّاتهم بفضله، إذ ساهم في بناء أفكارهم، وكان الأشهر بينهم المؤرّخ ابن أيّاس، وشمس الدين الحاوي، وأيضاً شمس الدين بن طولون، والداودي، وابن العماد الحنبلي، وعبد القادر بن محمّد، وغيرهم الكثيرين.

مؤلفات ابن الكتب

يذكر المؤرّخ ابن أيّاس في كتابه “تاريخ مصر” أنّ للأسيوطي مصنّفات تبلغ حوالي ستمئة مصنّف، خاض فيها في أصول التفاسير، وعلم الحديث، وأحاديث الرّسول الكريم، والفقه، واللّغة، والتّاريخ. وقد جمع كتاب “دليل مخطوطات السيوطي وأماكن وجودها” أسماء جميع المؤلّفات التي تُنسب للسيوطي، وهي مرتّبة بحسب حروف المعجم التسلسليّة، وبلغ عددها (1057) كتاباً ورسالة، منها:

  • تاريخ الخلفاء.
  • أسرار ترتيب القرآن.
  • أسباب ورود الحديث.
  • الإتقان في علوم القرآن.
  • كوكب الرّوضة.
  • آكام العقيان في أحكام الخصيان.
  • الغرر في فضائل عمر.
  • الدرر المنتثرة في الأحاديث المشتهرة.
  • إتحاف النبلاء بأخبار الثقلاء.
  • الدر المنثور في التفسير بالمأثور.
  • العرف الوردي في أخبار المهدي.
  • الحاوي للفتاوي.
  • الاقتراح، وضعه في أصول النحو.
  • الأحاديث المنيفة.
  • أسماء المدلسين من الرواة.
  • الأسفار عن قلم الأظفار.
  • المقامة اللؤلؤيّة.
  • الإكليل في استنباط التنزيل.
  • الألفية في النحو.
  • تاريخ أسيوط.
  • تفسير الجلالين.
  • أحوال البعث.
  • جميع الجوامع. (أو ما يعرف بالجامع الكبير).

وغيرها الكثير في مختلف الفنون، كمصنّفات الفقه والتفاسير والبلاغة وعلوم النحو، والتي تختلف في أحجامها، حيث أتى بعضها في ورقةٍ واحدةٍ، وبعضها الآخر في مجلّداتٍ عدّة، وبعناوينَ عديدة، ككتاب “الحاوي للفتاوي” الذي ضمّ سبعين رسالةً، كانت غالبيّتها من القياس الكبير، ولعلّ شغفه بالتأليف والجمع ألصق به لقب “ابن الكتب”.

أهمية كتاب تاريخ الخلفاء

احتوى هذا الكتاب على ترجمةٍ موسّعة للخلفاء الرّاشدين، حيث سجّل تاريخ خلافة كلّ خليفةٍ منهم، ومدّة حكمه، وعرضٍ مفصّلٍ للأعمال التي قام بها كلّ واحد منهم إبّان فترة خلافته، بدءاً من تاريخ مبايعتهم، وتفنيد الآثار التي تركوها، إضافةً إلى توثيقٍ لأهمّ الأعلام والشخصيّات البارزة التي عاصرتهم وغيّبها الموت في زمنهم، كما أرشف لأهمّ الأحداث التي تزامنت مع خلافتهم، ودوّن أواخر حياتهم؛ فتطرّق إلى الأمراض التي أصابتهم، وطُرق وفاتهم وتواريخها، ووصف بدقّةٍ مدافنهم وأضرحتهم من ناحية الشّكل والعمارة والموقع.

وقد رتّب الكتاب في فصولٍ عدّة، كان أوّلها بيان أنّ النبي (ص) لن يستخلف، ثمّ تحدّث عن أئمة قريش وعن الخلافة فيما بينهم، وأفرد للخلافة في الإسلام فصلاً كاملاً، أتبعه فصل عن خلافة بني أميّة والأحاديث المُنذرة بهم، إضافةً إلى فصلٍ جمع فيه الأحاديث التي بشّرت بخلافة بني العبّاس، كما أفرد فصلاً كاملاً عن البردة النبويّة والتي قام الخلفاء الراشدين بتداولها، أمّا الفصل الأخير فقد احتوى على عدّة تراجم كانت منثورة، عمل على جمعها في فصلٍ واحد. وقد اعتمد السيوطي في كتابه هذا على عدّة مراجع، عمد إلى ذكرها في نهاية كتابه.

وكان أهمّها: (تاريخ الذهبي، تاريخ ابن كثير، المسالك، أنباء الغمر لابن حجر، الأوراق للصولي، الطيوريات، أمالي ثعلب، الكامل للمبرد، الحلية لأبي نعيم، تاريخ دمشق لابن عساكر، تاريخ بغداد للخطيب). وقد غطّى هذا الكتاب فتراتٍ عديدةٍ من تاريخ الدّولة الإسلاميّة، كانت بداية من فترة حكم الخلفاء الرّاشدين والتي امتدّت من عام 11 حتّى عام 41 للهجرة، ثمّ فترة حكم خلفاء بني أميّة والتي بدأت من عام 41 وانتهت عام 132 للهجرة، تلاها فترتي حكم خلفاء بني العباس، الأولى في العراق والتي بدأت عام 132 وانتهت عام 656 للهجرة، والثّانية في مصرَ، حيث بدأت عام 659 وانتهت في عام 903 للهجرة. وقد أعيد نشر الكتاب عام 1856م من قِبَل المستشرق الإنكليزي وليام ناسوليس، والذي ساعده عبد الحق المولوي في ذلك، وتمّت إعادة طباعته في مصرَ وأيضاً في الهند.

وفاة السيوطي

توفّي السيوطي عام 1905 م، إثر إصابته بورمٍ في ذراعه اليُسرى، ممّا ألزمه الفراش متألماً لمدّة سبعة أيّام، ويذكر عنه بأنّه سُمِعَ يقرأ سورة يس أثناء احتضاره، وبعد أن وافته المنيّة، شُيّع في موكبٍ مهيب، وقيل بأنّه من كثرة الحشود المُشاركة في تشييعه لم يتسنَّ لأحدٍ الوصول لتابوته حيث كان يُسجّى. مات السيوطي الذي يُعدّ من عباقرة الإسلام وشيوخه الخالدين عن عمر يناهز الواحد والستين عاماً، قضاها في التأليف والبحث والكتابة، تاركاً خلفه إرثاً مازال يُعدّ الأهمّ في المكتبة الإسلاميّة التاريخية منها والفقهيّة، والتي تُعتبر في معظمها مراجعَ أساسيّة يقصدها العلماء والباحثون حتّى يومنا هذا.

أقوال السيوطي

كثيرةٌ أقوال السيوطي التي تُعدّ توجيهيّة بالدرجة الأُولى، وتستحقّ الوقوف عندها، نقتطف بعض ما جاء في كتابه “درر الكلم وغرر الحكم”:

  • “رُبَّ صغيرٍ يفوق الأكابر بأصغريه، وكبير يُفضّلُ الأكالبُ عليه. رُبّ سحابةً تُردي بالعذاب الأليم، وصحابة تُعدي القلب السليم”.
  • “خيرُ الكلام كلامُ الأخيارِ، وخيرُ العلماءِ عالمُ الأخبار”.
  • “عليك بعلم الشريعة، فإنّه إلى الله أقوى الذريعة. خُض في علم العربيّة، والفنون الأدبيّة”.

السيوطي بأقلام عارفيه

تُرجمت بعض أعمال السيوطي إلى لغاتٍ عدّة، فكان بحقٍّ دائرة معارف شاملة وعامّة، وقد سُجّلت بحقّه شهادات هامّة، ولعلّ أشهرها ما أدلى به تلاميذه الذين أصبحوا بفضل توجيهاته أعلام عصرهم ممن يُشار إليهم بالبنان:

  • ابن العماد الحنبلي: “صاحب المؤلّفات الفائقة النافعة. المُسند المحقّق المدقق”.
  • عبد القادر بن محمد: “هو إمام المرشدين. فريد دهره. مفتي الأنام. وحيد عصره. جامع أشتات الفضائل والفنون. سلطان العلماء ولسان المتكلّمين. محيي السنّة. قامع المبتدعة والملحدين. إمام المحدّثين في وقته وزمانه. وارث علوم الأنبياء عليهم السلام. الأستاذ الجليل الكبير، العلاّمة البحر الفهّامة. شيخ الإسلام. مميت البدعة”.
  • الداودي: “كان السيوطي أعلم أهل زمانه بعلم الحديث وفنونه رجالاً وغريباً”.

لعلّنا اليوم نُباهي بالشخصيّات الفريدة التي حفظت لنا تاريخنا وتراثنا بأمانةٍ، وتحسب للسيوطي مكانة بارزة بينهم، فهو لم يكن ناسخاً وملخّصاً ومذيّلاً ومؤرشفاً فقط، بل مبدعاً في عدّة مؤلّفات ولو كانت قليلة، -وبحسب ما سمع منه الداودي- “حافظاً لمئتي ألف حديثٍ ولو وجد أكثر لحفظه”، فاستحقّ بجدارةٍ أن يُعدّ جبلاً في سائر الفنون والمعارف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *