الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم موضوع من مواضيع علم القرآن الكريم المهمة للغاية، لما فيها من قضايا وموضوعات علمية شائكة تبين عظمة القرآن الكريم وأهميته وإعجازه العظيم على مر العصور منذ نزوله على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، حتَّى العصر الحالي، وفي هذا المقال سوف نعرف معنى الإعجاز العلمي أولًا، ثمَّ سنتحدث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وسنسلط الضوء على كل الآيات القرآنية التي وردت فيها حقائق علمية تظهر الإعجاز العلمي في كتاب الله سبحانه وتعالى.

تعريف الإعجاز العلمي

يُعرَّف الإعجاز في اللغة على أنَّه مصدر للفعل أعجز، وهو أن يقوم الإنسان بأمر خارج عن القدرة الطبيعية للإنسان، فإذا قيل أعجز فلان، أي قام بعمل خارق غير متوقع، وقد ارتبط مصطلح الإعجاز في الفترة الأخيرة بالقرآن الكريم والسنة النبوية ارتباطًا وثيقًا، حيث تحدَّثت النصوص الشرعية  الإسلامية في القرآن الكريم وفي السنة النبوية الشريفة عن حقائق علمية اكتُشفت في العقود القليلة الماضية، بينما نزلتْ على رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قبل قرون طويلة، ومما لا شكَّ فيه هو أنَّ هذه الحقائق العلمية تُعدُّ دلائل شرعية لا ريب فيها على صدق الرسالة العظيمة التي جاء بها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- وهي رد لكل الذين يهاجمون الإسلام ويتهمونه بالرجعية والتقليدية والجهل، وهي دليل على أنَّ القرآن الكريم كتاب عظيم صالح لكل زمان ومكان.[1]

وجدير بالقول إنَّ استخدام مصطلح الإعجاز العلمي أو المعجزة العلمية في كتب العلماء الذين بحثوا في الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في القرن الثاني الهجري وفي أوائل القرن الثالث العجري أيضًا، وقد ورد في تعريف المعجزة على لسان هؤلاء المفكرين أو الباحثين تعريف موحَّد هو: “أمر يجريه الله تعالى على يد نبيه، أو علم يظهره ويخبر به، لا يقدر أحد من الخلق على الإتيان بمثله في زمانه، ليكون دليلًا على نبوته لخروجه عن طاقة الخلق”، وجاء عن ابن تيمية أنَّه عرَّف المعجزة على النحو التالي: “المعجزة في اللغة تعم كل خارق للعادة، وفي عرف أئمة أهل العلم المتقدمين كالإمام أحمد بن حنبل، وغيره، ويسمونها الآيات”، وفيما يأتي سوف نتحدَّث عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم.[1]

الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

يُعرَّف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم بأنَّه موضوع مهم يتحدَّث عن الحقائق الكونية التي لم تكن معروفة عند البشر في الوقت التي نزل به القرآن الكريم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وهي الحقائق التي أثبتها العلم الحديث في السنوات والعقود السابقة، ويُعرَّف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أيضًا أنَّه عبارة عن مجموعة من الاكتشافات العلمية الحديثة والتي لم تكن معروفة من قبل؛ أي عندما نزل القرآن الكريم على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، وقد تحدَّث عنها القرآن الكريم قبل ما يزيد على ألف وأربعمئة عام ولكنَّها لم تكتشف حتَّى العصر الحديث والذي هو عصر الاكتشافات العلمية، وإذا دلَّت هذا الاكتشافات العلمية التي يؤكدها القرآن الكريم قبل قرون بعيدة على شيء فإنَّها تدلُّ على صدق هذا الكتاب وصدق نبوة رسول الله التي يشكُّ فيها الملاحدة والمشركون والعياذ بالله، وقد قال تعالى في محكم التنزيل قبل ألف وأربعمئة عام في سورة فُصلت: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[2] وفيما يأتي سوف نمرُّ على بعض الحقائق العلمية التي أكَّدت إعجاز القرآن الكريم قبل أربعة عشر قرنًا من الزمن:[3]

نظرية وحدة الكون

هي نظرية علمية حديثة تقول إنَّ كوكب الأرض كان متصلًا بالمجموعة الشمسية ثمَّ فيما بعد انفصل كوكب الأرض عن المجموعة الشمسية، ثمَّ تعرَّضت لبعض العوامل الطبيعية التي جعلت من كوكب الأرض مكانًا قابلًا لنشوء حياة على سطحه، ويظهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم في هذه النظرية حيث قال تعالى في سورة الأنبياء: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[4]

نظرية نشأة الكون

تقول النظريات العلمية إنَّ هذا الكون يرجع أصله إلى الغاز، والكون كلُّه كان عبارة عن غاز منتشر في الفضاء وقد تكاثف هذا الغاز وأنشأ المجموعات الشمسية، ويظهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم من خلال ما جاء في سورة فصلت تأكيدًا لهذه النظرية، قال تعالى: {ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ}[5] وفي هذه الآية دليل على أنَّ الأرض في البداية كانت دخانًا أو غازًا فقط وهذا ما تؤكده النظرية العلمية الحديثة عن نشأة الأرض.

نظرية الجبال

بيَّنت بعض البحوث العلمية الحديثة أنَّ الجبال وامتدادها وتجذرها في باطن الأرض وثقلها الهائل وارتفاعها خارج الأرض يؤدِّي إلى تثبيتها وعدم اهتزازها وتحركها حركات غير متوازنة، ويظهر الإعجاز العلمي في القرآن الكريم أيضًا في هذه النظرية في قوله تعالى في سورة لقمان: {وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ}[6] ومعنى رواسي أي جذور متأصلة في الأرض، وأن هذه الجبال مهمتها تثبيت الأرض ومنعها من الميل والميد.

العنكبوت

اكتشفت نظريات العلم الحديثة أنَّ أنثى العنكبوت هي التي تقوم ببناء بيت العنكبوت الخاص بواسطة المغزل الموجود في مؤخرة بطنها، وهو مغزل لا يوجد عند ذكور العنكبوت، وتقوم الأنثى ببناء البيت، ثمَّ تقوم بقتل الذكر بعد التلقيح، حيث تقتله وتأكله، ولهذا السبب يهرب ذكر العنكبوت من بيته الذي بنته الأنثى، ولهذا يُعدُّ بيت العنكبوت بيتًا واهنًا وهو من أوهن البيوت في كل الكائنات الحية، وقد ورد هذا المعنى في القرآن الكريم في قول الله تعالى في سورة العنكبوت: {مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ}[7] والله تعالى أعلم.

نقص الأوكسجين في طبقات الجو العُليا

أكَّدت نظريات العلم الحديث أنَّ نسبة الأوكسجين في الجو تتناقص كلَّما ارتفع الإنسان إلى الأعلى وهذا ما حكى عنه القرآن الكريم قبل سنوات بعيدة، في دليل جديد على الإعْجاز العِلمي في القُرآن الكريم، قال تعالى في سورة الأنعام: {فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ وَمَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}[8] والله تعالى أعلم.

شاهد أيضًا: فضل تلاوة القرآن الكريم

حقيقة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

عند الحديث عن الإعْجاز العِلمي في القُرآن الكَريم لا بدَّ من القول إنَّ هذه المسألة العلمية الشرعية لم تحظَ باتفاق وإجماع بين علماء المسلمين أجمعين، حيث انقسم أهل العلم بين مؤيد لها ومعارض لما جاء فيه، فمنهم من أيدها وأكَّد من خلالها إعجاز القرآن الكريم، فضمَّ الإعجاز العلمي وما جاء فيه إلى الإعجاز البياني والبلاغي والتشريعي المعروف عن القرآن الكريم، ومنهم من خاف على مكانة القرآن الكريم وخشي من تأويله حسب الأهواء وحسب النظريات العلمية التي قد تُخطئ وقد تُصيب، وفيما يأتي سوف نسلط الضوء على رأي المؤيدين ورأي المعارضين للإعجاز العلمي في القرآن الكريم:

رأي المؤيدين للإعجاز العلمي في القرآن

بحسب رأي المؤيدين للإعجاز العلمي في القرآن الكريم، يُعدُّ هذا الإعجاز الجديد الذي يُضاف إلى ما سبق من إعجاز بياني وبلاغي وتشريعي سببًا عظيمًا في تثبيت الإيمان في القرآن الكريم، وله أيضًا أثر كبير في قلوب المسلمين في العصر الحديث لأنَّه يحادثهم بلغة العصر ويقدم لهم دلائل عصرية، وفي هذا يتأكد ويتحقق قول الله تعالى في سورة فصلت: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنفُسِهِمْ حَتَّىٰ يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ۗ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ}[9].

وجدير بالذكر أيضًا إنَّ المؤيدين للإعجازِ العِلمي في القرْآن الكريم يرون أنَّ هذا ليس بدعة من البدع الحديثة، وأنَّها هو نوع ولون من ألوان وأنواع تفسير القرآن الكريم الذي عُرف عند العديد من المفسرين كالغزالي والسيوطي والزمخشري والطبري وغيرهم، وقد ورد هذا عن الطبري الذي فسَّر قول الله تعالى في سورة التكوير: {فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ}[10] تفسيرًا علميًا صريحًا وقال إنَّ الخنس هي النجوم الدراري في السماء، والله تعالى أعلم.[11]

رأي المعارضين للإعجاز العلمي في القرآن

أمَّا رأي المعارضين للإعجازِ العلمي في القرآن الكريم، فيرى هؤلاء أنَّ التفسيرات العلمية التي يطابقها العلماء مع القرآن الكريم، ما هي إلَّا تفسيرات علمية قائمة على الظنون لا الحقائق، فمعظمها نظريات علمية متوقعة وغير مثبتة بشكل قطعي، مثل نظرية نشأة الكون وغيرها، وهي نظريات قد تتغير وتتبدل مع مرور الزمن، وقالوا إنَّ معظم من يتحدثون بمسألة الإعجاز العلمي في كتاب الله تعالى ليسوا من المختصين بالشريعة الإسلامية وعلوم القرآن الكريم، ويعترض هؤلاء أيضًا على أنَّ المشتغلين بالإعجاز العلمي في القرآن يعودون إلى تفسيرات الأولين ويحاولون ربطها بالحقائق العلمية المكتشفة حديثًا، وهذا غير منطقي لأنَّ تفسير القرآن الكريم جاء بناءً على المعارف اللغوية عند المفسرين القدماء وليس على المعارف العلمية.

وجدير بالقول إنَّ أشهر أقوال المعارضين للإعجاز العلمي في القرآن الكريم هي: “إن وظيفة القرآن هي إنقاذ الإنسانية من الضلال وهدايتهم إلى ما يرضاه الله سبحانه، لا إلى بيان ما يتعلق بهذه العلوم الكونية”، وقالوا أيضًا مؤيدين رأيهم في معارضة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم: “إن العلوم الكونية خاضعة لطبيعة الجزر والمد، وهناك أبحاث كثيرة لا تزال قلقة حائرة بين إثبات ونفي، وأحيانًا كثيرة تتراجع الهيئات العلمية عن آرائها، وتنقضها وتتبنى آراءً أخرى”، والله تعالى أعلم.

شاهد أيضًا: كم عدد سجدات التلاوة في القرآن الكريم

آيات الإعجاز العلمي في القرآن

كثيرة هي آيات الإعجاز العلمي الواردة في القرآن الكريم، وهي آيات تحدَّثت عن مجموعة من الحقائق العلمية التي أثبتها العلم في العصر الحديث، وفيما يأتي نذكر بعض هذه الآيات:

  • آية تتحدَّث عن الفصل بين السماوات والأرض وأصل الأرض والسماوات في سورة الأنبياء، قال تعالى: {أَوَلَمْ يَرَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ كَانَتَا رَتْقًا فَفَتَقْنَاهُمَا ۖ وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ ۖ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ}[12].
  • من آيات الإعجاز العلمي قول الله تعالى في سورة النحل: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهِ مِنْ بَيْنِ فَرْثٍ وَدَمٍ لَبَنًا خَالِصًا سَائِغًا لِلشَّارِبِينَ}[13].
  • قال تعالى في سورة الأنعام: {فَمَن يُرِدِ اللَّهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ ۖ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ ۚ كَذَٰلِكَ يَجْعَلُ اللَّهُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ}[14] وهي آية تتطابق مع حقيقة انخفاض الأوكسجين في طبقات الجو العليا.
  • قال تعالى في سورة النور: {أَوْ كَظُلُمَاتٍ فِي بَحْرٍ لُّجِّيٍّ يَغْشَاهُ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ مَوْجٌ مِّن فَوْقِهِ سَحَابٌ ۚ ظُلُمَاتٌ بَعْضُهَا فَوْقَ بَعْضٍ إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ۗ وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُورًا فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ}[15]

شاهد أيضًا: من الذي رتب سور القران كما هي الان في المصحف

أهمية الإعجاز العلمي في القرآن الكريم

إنَّ لدارسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريمِ أهمية كبيرة، وفوائد عظيمة على الفرد أولًا، وعلى المجتمعات الإسلامية بشكل عام، وتكمن هذه الأهمية في الأشياء الآتية:[16]

دراسة ظاهرة الإعجاز العلمي كحقيقة علمية

إنَّ من أهم فوائد دراسة الإعجازِ العلميّ في القرآنِ الكريم هو أنَّ دراسته تؤدي إلى الاهتمام بهذه الحقائق العلمية بوصفها ظاهرة قرآنية مهمة وليس ظاهرة علمية فقط، ولهذا يجب على المسلمين جميعًا الاهتمام بهذا النوع من الإعجاز القرآني الكريم، لأنَّه إعجاز يتماشى مع واقع العصر الحديث، عصر التطور والعلم، وتحديدًا لأنَّ هذا القرآن هو معجزة الإسلام الباقية على مر العصور والأزمنة حتَّى يرث الله تعالى الأرض ومن عليها.

تجديد بيِّنة رسالة الإسلام

والمقصود بتجديد بينة الإسلام هو أنَّ كل عصر من العصور يحتاج دليلًا ومعجزة تتناسب مع مقومات هذا العصر، فكما أدرك العرب القدماء في عصر النبوة وما بعده من العصور حقيقة الإعجاز البلاغي والبياني في القرآن الكريم، أصبح من الضروري اليوم أن يدرك أصحاب هذا العصر حقيقة الإعجاز العلمي، لأنَّ عصر النبوة هو عصر البلاغة والبيان بالنسبة للعرب، وهذا العصر هو عصر العلم والمعرفة، وبهذا تكون الحقائق العلمية المكتشفة في القرآن الكريم مقوماتٍ لدعوة قرآنية جديدة، ومقومات لرسالة إسلامية تتناسب مع العصر الحالي، وبهذا يكون الإعجاز العلمي في القرآنِ الكريم دليلًا عصريًا وبرهانًا حقيقيًا عن صحة الرسالة الإسلامية السامية التي جاء بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، والله تعالى أعلم.

التوسع في فهم القرآن الكريم

إنَّ من أعظم فوائد دراسة الإعجاز العلمي في القرآن الكريم هو أنَّ هذا الإعجاز يوسع على الناس فهم القرآن الكريم ويزيد من مقاصده ومداركه ومضامينه، كما أنَّه يقرِّب المسلمين من الصواب المُراد في الآيات القرآنية المباركة، وبناءً على هذا المقصد يمكن القول إنَّ القرآن الكريم سوف يظل مادة للاكتشافات الجديدة فيه حتى يوم القيامة، فهو كتاب معجز لا يمكن فهم كل أسراره وخباياه إلَّا من الله تعالى العليم الحكيم الخبير، والله تعالى أعلم.

الإعجاز العلمي في السنة النبوية

يُعرَّف الإعجاز العلمي في السنة النبوية المباركة على أنَّه إخبار السنة النبوية الصحيحة بمجموعة من الحقائق العلمية التي تمَّ إثباتها في العقود الأخيرة من الزمن، وهي حقائق أخبر بها رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الأحاديث النبوية الشريفة الصحيحة قبل أكثر من ألف وأربعمئة عام، وجدير بالقول إنَّ موضوع الإعجاز العلميِّ في السنة النبوية المباركة هو موضوع مختلف فيه كما هو الحال في الإعجازِ العلميّ في القرآنِ الكريم تمامًا، وقد انقسم أهل العلم في هذا الأمر بين مؤدي ومعارض، وفيما يأتي نعرض رأي المؤيدين للإعجاز العلمي في السنة النبوية ورأي المعارضين لهذا الموضوع أيضًا:

رأي المؤيدين للإعجاز العلمي في السنة النبوية

ينظر المؤيدون للإعجازِ العلمي في السنة النبوية إلى أنَّ الحقائق العلمية الحديثة هي لغة العصر التي توافقها النصوص الشرعية الواردة في المصدر الثاني من مصادر التشريع الإسلامي وهي السنة النبوية الشريفة، ويرون أنَّ هذا دليل عصري صريح على صدق الرسالة الإسلامية السامية التي جاء بها رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم، ويرون أنَّ هذه الحقائق أدلة دامغة تدحض كل افتراءات المشككين بصحة الدين الإسلامي الحنيف، ويرون أنَّها دلائل جديدة لتجديد الخطاب الإسلامي وملاءمته للعصر الحالي.

رأي المعارضين للإعجاز العلمي في السنة النبوية

في حين يرى المعارضون أنَّ إدخال الأحاديث النبوية في دائرة الحقائق العلمية أمر خاطئ، وذلك خشية على تفسير السنة النبوية بطريقة خاطئة من أجل أن توافق الحقائق العلمية المكتشفة حديثًا والتي قد تُخطئ وقد تُصيب، ويستدل أصحاب هذا القول بأكثر من حديث نبوي شريف يدل على أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أخبر الناس أنَّهم أدرى بأمور دنياهم، وأن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- أخبر في الأحاديث أنَّه بشر، قد يخطئ وقد يصيب، وفيما يأتي نذكر هذه الأحاديث التي استدلَّ بها أصحاب هذا القول:

  • عن طلحة بن عبيد الله -رضي الله عنه- إنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- قال: “إنما أنا بشرٌ مثلُكم ، و إنَّ الظنَّ يُخطئُ و يصيبُ ، و لكن ما قلتُ لكم : قال اللهُ : فلن أكذبَ على اللهِ”[17]
  • عن عائشة أم المؤمنين -رضي الله عنه- قال رسول الله صلّى الله عليه وسلم:أنتمْ أعلَمُ بأمْرِ دُنياكُمْ”[18]

أمثلة على الإعجاز العلمي في السنة النبوية

إنَّ الإعجاز العلمي في السنة النبوية الشريفة ورد في غير موضع وفي غير حديث نبوي واحد، فيما يأتي نذكر بعض الأمثلة من الأحاديث النبوية الصحيحة:

خلق الإنسان

أكَّد العلم الحديث إنَّ الإنسان يمرُّ خلال فترة خلقهِ بمراحل متعددة وهي: النطفة والعلقة والمضغة ثم يكتمل خلال أول أربعين يومًا، وهذا ما قاله رسولُ الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث: “إنَّ أحدَكم يُجْمَعُ في بطنِ أُمِّهِ أربعين يومًا، ثم علقةً مثلَ ذلك، ثم يكون مضغةً مثلَ ذلك، ثم يبعثُ اللهُ مَلَكًا فيُؤمَرُ بأربعةٍ: برزقِه وأجَلِه، وشقيٌّ أو سعيد، فواللهِ إنَّ أحدَكم: يعملُ بعملِ أهلِ النارِ، حتى ما يكونُ بينَه وبينها غيرَ باعٍ أو ذراعٍ، فيسبقُ عليه الكتابُ فيعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ فيدخُلَها، وإنَّ الرجلَ ليعملُ بعملِ أهلِ الجنةِ، حتى ما يكونُ بينَه وبينها غيرَ ذراعٍ أو ذراعيْنِ، فيسبقُ عليه الكتابُ، فيعملُ بعملِ أهلِ النارِ فيدخُلَها”[19] والله تعالى أعلم.

الإخصاب

أثبت العلم الحديث أنَّ الولد لا يكون من كلِّ ماء أبيه، وإنَّما من بعضه، فالذي يقوم بتلقيح البيضة الأنثوية هو حيوان منوي ذكريٌّ واحد من الحيوانات المنوية الذكرية التي يفرزها الذكر، وهذا ما قاله رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث: “ليس من كلِّ الماءِ يَكونُ الولَدُ وإذا أرادَ اللَّهُ خلقَ شيءٍ لم يمنعْهُ شيءٌ”[20] والله تعالى أعلم.

بهذه الأمثلة نصل إلى نهاية هذا المقال الذي فصَّلنا فيه في تعريف الإعجاز العلمي في القرآن الكريم وأخذ الأمثلة والحديث عن رأي المؤيدين والمعارضين لهذا الإعجاز، بالإضافة إلى الحديث عن الإعجاز العلمي في السنة النبوية المباركة وذكر أشهر الأمثلة عن هذا الإعجاز من الأحاديث النبوية الصحيحة.

المراجع

  1. ^ al-maktaba.org , كتاب تجربتي مع الإعجاز العلمي في السنة النبوية , 30/3/2021
  2. ^ سورة فصلت , الآية 53.
  3. ^ wikiwand.com , إعجاز القرآن , 30/3/2021
  4. ^ سورة الأنبياء , الآية 30.
  5. ^ سورة فصلت , الآية 11.
  6. ^ سورة لقمان , الآية 10.
  7. ^ سورة العنكبوت , الآية 41.
  8. ^ سورة الأنعام , الآية 125.
  9. ^ سورة فصلت , الآية 53.
  10. ^ سورة التكوير , الآية 15، 16.
  11. ^ al-maktaba.org , كتاب الإعجاز العلمي في القرآن الكريم , 30/3/2021
  12. ^ سورة الأنبياء , الآية 30.
  13. ^ سورة النحل , الآية 66.
  14. ^ سورة الأنعام , الآية 125.
  15. ^ سورة النور , الآية 40.
  16. ^ islamweb.net , فوائد دراسة الإعجاز العلمي للقرآن الكريم , 30/3/2021
  17. ^ الجامع الصغير , السيوطي، طلحة بن عبيدالله ورافع بن خديج، 2556، صحيح.
  18. ^ صحيح الجامع , الألباني، عائشة وأنس بن مالك، 1488، صحيح.
  19. ^ صحيح البخاري , بالخاري، عبد الله بن مسعود، 6594، صحيح.
  20. ^ صحيح مسلم , مسلم، أبو سعيد الخدري، 1483، صحيح.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *