هل يجوز الترحم على المنتحر
هل يجوز الترحم على المنتحر في الإسلام أم أنَّ الله تعالى قد حرَّم ذلك على المسلمين بسبب تحريم الانتحار؟ قبل معرفة حكم ذلك لا بدَّ من تعريف الانتحار؛ فالانتحار هو قيام الشخص بقتل نفسه، وبمعنى آخر فإنَّه قيام الشخص بوضع حدٍّ لحياته وإزهاق روحه بشكل متعمَّد من قِبَله، وتوجد العديد من الأسباب التي تدفع الشخص للانتحار من أهمها اليأس، والذي تسببه الاضطرابات النفسية بمختلف أنواعها مثل: الإصابة بالاكتئاب أو الفصام أو الهوس، أو بسبب تعاطي المخدرات أو إدمان الكحول، كما يوجد دور كبير للضغوط التي يواجهها الشخص في حياته في الإقدام على الانتحار سواء ضغوط اقتصادية أو ضغوط بسبب العلاقات الشخصية وغير ذلك.[1]
حكم الانتحار في الإسلام
يعدُّ الانتحار في الإسلام من أعظم الذنوب وأكبرها على الإطلاق، وقد ورد تحريم ذلك في كتاب الله تعالى وعلى لسان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في أكثر من حديث صحيح، لذلك فقد أجمع الفقهاء جميعهم وأجمعت مختلف المذاهب الفقهية على تحريم الانتحار قطعًا، فلا يجوز لمسلم أن يُقدِم على قتل نفسه تحت أي عذر ومهما كان السبب، وقد بيَّن -عليه الصلاة والسلام- أنَّ الشخص الذي ينتحر في الحياة الدنيا سوف يعاقبه الله تعالى يوم القيامة بنفس الطريقة التي قتل بها نفسه.
وقد وردَ في الحديث الصحيح عن ثابت بن الضحاك -رضي الله عنه- أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بشيءٍ، عَذَّبَهُ اللَّهُ به في نَارِ جَهَنَّمَ”[2] كما حرَّم الله تعالى الانتحار صراحةً في كتابه العزير، حيثُ يقول تعالى في محكم التنزل: “وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا”،[3] وفي هذه الآية تحريم واضح من الله تعالى بنى عليه العلماء والفقهاء أحكامَهم الشرعية في تحريم الانتحار بالإجماع على المسلمين.[4]
اقرأ المزيد: حكم الانتحار شرعا والصلاة على المنتحر
حكم الصلاة على المنتحر
قبل أن يدور الحديث حول هل يجوز الترحم على المنتحر، سيتمُّ تسليط الضوء على حكم الصلاة على المنتحر، إنَّ المنتحر لا يخرج من دائرة الإسلام ولا يعدُّ كافرًا أبدًا رغم تحريم الانتحار وتغليظ العذاب للمنتحر، وقد وردَ في السنة النبوية أنَّه تجوز الصلاة على المسلم الذي ينتحر من عامة المسلمين، أمَّا بالنسبة لأهل الفضل والعلم فمن ينتحر منهم من المشروع تركُ الصلاة عليه لكي يكون ذلك الامتناع ردعًا وزجرًا لأمثاله من كبار رجال المسلمين وعلمائهم.
وقد ورد في الحديث أنَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- كان قد امتنع عن الصلاة على رجل منتحر، وقال الإمام النووي في ذلك أنَّ العلماء حملوا هذا الحديث على تنفير الناس من الانتحار مثل عدم الصلاة على من عليه دين من المسلمين، وقد صلى عليه الصحابة ولم يصل عليه النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- وذلك لتعظيم أمر الدين وضرورة قضائه، ولذلك فإنَّ المنتحر ليس بكافر، وعند الإمام مالك تكره الصلاة على الفاسق أو المرجوم بحد زجرًا وردعًا، ويرى الشيخ ابن باز بأنَّ من يقتل نفسه عامدًا يغسَّل ويكفَّن ويصلى عليه ويدفن في مقابر المسلمين، لأنَّه ليس كافرًا، ولأن قتل الإنسان لنفسه معصية ومن الذنوب الكبيرة ولكنَّه ليس بكفر كما يعتقد البعض.[5]
شاهد أيضًا: أفضل دعاء للميت مكتوب ومستجاب (ادعية المتوفي)
هل يجوز الترحم على المنتحر
سبقَ وبيَّن المقال أنَّ المنتحرُ ليس بكافر، فقد أباح الشرع تغسيل المنتحر وتكفينه والصلاة عليه ودفنه في مقابر المسلمين ومن باب أولى أنَّه يجوز الترحم على المنتحر، لأنَّه يعامل مثل معاملة سائر أموات المسلمين، فالصلاة في النهاية ما هي إلا الدعاء للميت وطلب المغفرة والرحمة له من الله تعالى، وأمَّا من قال من الفقهاء بعدم الصلاة على المسلم المنتحر وعدم الترحم عليه إنَّما قال ذلك زجرًا وتغليظًا وليس بسبب كفره ولا بسبب خروجه عن الدين.
وكما وردَ عن ابن البطال في شرح صحيح البخاري أنَّ الفقهاء من أهل السنة قد أجمعوا على أنَّ من قتل نفسه لا يخرج عن الإسلام بذلك، ويجوز أن يُصلَّى عليه مثل سائر المسلمين، وكما قال مالك إثمه على نفسه، ولم يكره أحد الصلاة عليه سوى عمر بن عبد العزيز والأوزاعي في خاصة أنفسهما فقط، والصواب هو قول الجماعة من أهل العلم والفقه، ولأن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- سنَّ الصلاة على المسلمين ولم يستثن منهم أحدًا أبدًا، فجب أن يصلى على جميعهم الأخيار منهم والأشرار، وإلى مثل ذلك ذهب الحنابلة، لذلك فإنَّه يجوز الترحم على المنتحر وهذا هو جواب السؤال السابق: هل يجوز الترحم على المنتحر بالتفصيل.[6]
اقرأ المزيد: كم عدد أركان الصلاة وما هم بالتفصيل
وبذلك يكون القارئ قد وصل إلى نهاية مقال هل يجوز الترحم على المنتحر في الإسلام، كما يكون قد تعرَّف على حكم الانتحار وحكم الصلاة على المنتحر وغير ذلك من أحكام شرعية تتعلَّق بالمنتحر وطريقة التعامل معه من قبل المسلمين، والله تعالى أعلم.