شروط الرضاع المحرم

شروط الرضاع المحرم

شروط الرضاع المحرم، هو عنوان هذا المقال، ومن المعلوم أنَّ الشرع الحنيف أباح للمرأة أن تُرضع غير أولادها، مراعاةً للمصلحة؛ إذ أنَّ هناك أطفالًا لا تقدر أمَّهاتهم على إرضاعهم، وهناك آخرون قد نشب الموت أظفاره في أرواح أمَّهاتهم؛ والدليل على إباحة ذلك قوله تعالى: {وَإِن تَعَاسَرْتُمْ فَسَتُرْضِعُ لَهُ أُخْرَى}،[1] لكنَّ الرضاعة في الإسلام لها عدة شروطٍ وأحكام، والذي سيتمُّ تخصيص الحديث في هذا المقال عنهم.

تعريف الرضاع

إنَّ الرضاعة في اللغة تعني سحب اللبن من ثديِّ المرأةِ وشربه، أمَّا باصطلاح فقهاء الشريعة الإسلامية فهو ما يُطلق على ما يحصل عليه الطفل في معدته من لبنِ امرأةٍ قد تكون أمِّه أو قد تكون غير أمِّه.[2]

شاهد أيضًا: من هو أبو الرسول في الرضاع

شروط الرضاع المحرم

يُشترط لإثبات المحرمية في الرضاعة عدة شروط، وسيتمُّ في هذه الفقرة من هذا المقال ذكر هذه الشروط، وفما يأتي ذلك:[3]

  • أن يكون ما تمَّ سحبه من الثدي هو اللبن: فلو سحب الطفل من ثدي المرأة قيحًا أو دمًا فلا يأخذ حكم الرضاع المحرم، وقد اختُلف في حكم اللبن المخلوط بغيره، إن كان يُثبت أحكام الرضاعة أم لا على أقوال، وفيما يأتي ذكرها:
    • القول الأول: يثبت به حرمة الرضاع وأحكامه، سواء أكان اللبن هو الغالب أم غيره؛ إذ أنَّ أجزاءه موجودة في الخلطة ويحصل بها إنبات اللحم وإنشاز العظم، وهذا مذهب الأظهر من مذهب الشافعية وقولٌ عند الحنابلة.
    • القول الثاني: يُنظر إلى اللبن فإن كان هو الغالب ثبتت أحكام الرضاعة وإن كان غيره هو الغالب لا تثبت؛ إذ أنَّه لا يؤثر في الرضيع وإلى ذلك ذهب الحنفية والمالكية، وهو مذهب الغمام احمد بن حنبل، وقولٌ عن الشافعية.
    • القول الثالث: إن كان اللبن مخلوطًا بالطعام لا يثبت به الرضاعة، وإن كان اللبن هو الغالب؛ لأن الطعام إذا كان أقل من اللبن فإنه يسلب قوة اللبن لأنه يرق ويضعف بحيث يظهر ذلك في حس البصر فلا تقع الكفاية به في تغذية الصبي فكان اللبن مغلوبًا معنى وإن كان غالبًا صورة، وهذا مذهب الإحناف.
  • أن يكون اللبن لآدمية: وبناءً على ذلك فلو ارتضع صغيرام من لبنِ شاةٍ لا يثبت حكم الرضاعة، شرعًا؛ لأن الأخوة فرع الأمومة فإذا لم يثبت الأصل لم يثبت الفرع.
  • أن يبلغ عدد الرضاعات ما يحرِّم شرعًا: وهذا الشرط محلُّ خلافٍ بين الفقهاء، وسيتمُّ فيما يأتي بيان أقوالهم:
    • القول الأول: أن يبلغ عدد الرضعات خمس رضعاتٍ فأكثر، وهذا مذهب الشافعية والصحيح من مذهب الحنابلة، ودليلهم في ذلك ما رُوي عن السيدة عائشة -رضي الله عنها- حيث قالت: “كانَ فِيما أُنْزِلَ مِنَ القُرْآنِ: عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ، ثُمَّ نُسِخْنَ، بخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ، فَتُوُفِّيَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، وَهُنَّ فِيما يُقْرَأُ مِنَ القُرْآنِ”.[4]
    • القول الثاني: قليل الرضاعة وكثيره يحرِّم، وهذا مذهب الحنفية والمالكية، ودليلهم في ذلك عموم قوله تعالى: {وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}.[5]
    • القول الثالث: أن يبلغ عدد الرضعات ثلاث رضعاتٍ فأكثر، وهذا مذهب الحنابلة، ودليلهم في ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “لَا تُحَرِّمُ الرَّضْعَةُ أَوِ الرَّضْعَتَانِ”.[6]
    • القول الرابع: أن يبلغ عدد الرضعات عشرُ رضعاتٍ، وهذا قولق مرويٌ عن السيدة عائشة والسيدة حفصة، أمَّهات المؤمنين.
  • أن تكون الرضعات قبل تمام الطفل للحولين: وهذا الشرط أيضًا محلُّ خلافٍ بين الفقهاء، وسيتمُّ فيما يأتي بيان أقوالهم فيه:
    • القول الأول: لا بدَّ أن تكون الرضعات قبل تمام الطفل حولين كاملين، وإلى ذلك ذهب الشافعية والحنابلة، قول أبو يوسف ومحمد من الحنفية، وهو رواية عن الإمام مالك، والدليل على ذلك قوله تعالى: {وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلَادَهُنَّ حَوْلَيْنِ كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ}.[7]
    • القول الثاني: أنَّ الرضاع المحرم الرضاع المحرم هو ما يتم خلال ثلاثين شهرًا، وهو قول الحنفية، ودليلهم في ذلك قوله تعالى: {وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلَاثُونَ شَهْرًا}.[8]
    • القول الثالث: أنَّ الكبير يثبت به التحريم، وهو مذهب بعض الصحابة مثل عائشة وعلي وعروة، ودليلهم في ذلك قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالَاتُكُمْ وَبَنَاتُ الْأَخِ وَبَنَاتُ الْأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللَّاتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ مِنَ الرَّضَاعَةِ}.[9]

شاهد أيضًا: من هو أخو الرسول صلى الله عليه وسلم بالرضاعة

أحكام الرضاع

يترتب على الرضاعة عددًا من الأحكام، وسيتمُّ في الفقرة الثالثة من مقال شروط أحكام الرضاع، بيان هذه الأحكام، وفيما يأتي ذلك:[10]

  • لا فرق بين امتصاص اللبن من ثدي المرأة مباشرةً وبين شربه من كأسٍ أو نحو ذلك.
  • يثبت التحريم من امتصاص اللبن من ثدي امرأةٍ ميتة عند الحنفية والمالكية، لأنَّ اللبن لا يموت، وخالفهم الشافعية في ذلك فذهب إلى عدم إثبات الرضاعة؛ إذ أنَّ اللبن منفكٌ في هذه الحالة عن جثةٍ.
  • حتى يثبت التحريم لا بدَّ أن يكون اللبن ثاب في ثدي المرأة بسبب الوطئ، وهذا مذهب المالكية والشافعية وأصح الروايتين عن الحنابلة، وهناك رواية أخرى للحنابلة ذهبوا بها إلى أنَّ أحكام الرضاعة لا تثبت إن كان اللبن قد ثاب في ثديها من غير وطئٍ.
  • أنَّ حدَّ الرضعة الوادة أن يترك الطفل ثدي المرأة باختياره، ويقطع بين الرضعة الأولى والثانية قطعًا مبينًا، أمَّا إن تركه للملل أو التنفس ثمَّ عاد فتُحسب جميعها رضعةً واحدة.
  • تثبت الرضاعة بإقرار المرأة، أو بالبينة وهي عبارة عن شهادة رجلين أو رجلٍ وامراتين، وقد اختلف الفقهاء في عدد الشهود، وفيما يأتي بيان آرائهم:
    • القول الأول: لا تُقبل إلا شهادة رجلٍ وامراتين، وهذا مذهب الأحناف.
    • القول الثاني: تكفي شهاد رجلٍ وامرأةً، أو شهادة امرأتين إن فشا ذلك وهذا مذهب المالكية.
    • القول الثالث: لا يُقبل شهادة أقلَّ من أربع نسوة، وهذا مذهب الشافعية.
    • القول الرابع: يكفي لثبوت حكم الرضاعة شهادة امرأة واحدة إذا كانت مرضية وهو مذهب الحنابلة.
  • يحرم عند ثبوت الرضاعة النكاح بين الرضيع والمرضع، كما يحلُّ له النظر إليها والخلوة بها.
  • لا يثبت حقُّ النفقة للمرضع من ابنها بالرضاعة، ولا حقَّ لها بميراثه.

شاهد أيضًا: مرضعة نبينا محد صلى الله عليه وسلم هي

وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي تمَّ به تعريف الرضاعة لغةً وشرعًا، كما تمَّ بيان شروط الرضاعة المحرم، واختلاف الفقهاء بها، وفي ختام المقال تمَّ ذكر بعض أحكام الرضاعة، وأقوال الفقهاء فيها.

المراجع

  1. ^ الطلاق: 6
  2. ^ al-eman.com , الرضاع , 4/5/2021
  3. ^ الفقه الميسر، عبد الله الطيار، ص181-182-190 , https://al-maktaba.org/book/33241/1076 , 4/5/2021
  4. ^ صحيح مسلم، مسلم، عائشة أم المؤمنين، 1452، حديث صحيح
  5. ^ النساء: 23
  6. ^ صحيح مسلم، مسلم، لبابة بنت الحارث، 1451، حديث صحيح
  7. ^ البقرة: 223
  8. ^ الأحقاف: 15
  9. ^ النساء: 23
  10. ^ الفقه الميسر، عبد الله الطيار، ص181-194 , https://al-maktaba.org/book/33241/1076 , 4/5/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *