هل الميت يحس عند الغسل

هل الميت يحس عند الغسل

هل الميت يحس عند الغسل وهل يشعر بما يدور حوله هذا السؤال وغيره من الأسئلة التي تدور حول عالم الغيب والأموات كثيرًا ما يتناقلها النّاس ببعضٍ من الخرافة أو الأساطير من غير أن تستند إلى دليلٍ شرعيّ ومن أجل ذلك أفردنا هذا المقال للإجابة عن هذه الأسئلة.

هل يجوز دفن الميت بدون غسل

قبل الحديث عن شعور الميت في حاله غسله أو دفنه، كان لا بدّ من الإشارة إلى فكرة تغسيل الميت، وهل من الممكن أن يدفن الميت من غير أن يغسل، وقد ثبت أنّه لا يجوز دفن الميت المسلم من غير أن يُعمد إلى تغسيله، وذلك لأن غُسل المميت واجب في الشّريعة الإسلاميّة، وفي حال دُفِنَ الميت من غير أن يُغسّل نُبِشَ وأُخرِجَ من أجل الغسل، بشرط ألّا يكون قد تغير لونه أو تفسخ جسده؛ وقد قال ابن قدامة في المغني: “وَإِنْ دُفِنَ مِنْ غَيْرِ غُسْلٍ، أَوْ إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ، نُبِشَ، وَغُسِّلَ، وَوُجِّهَ، إلَّا أَنْ يُخَافَ عَلَيْهِ أَنْ يَتَفَسَّخَ، فَيُتْرَكَ. وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ، وَالشَّافِعِيِّ، وَأَبِي ثَوْرٍ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُنْبَشُ؛ لِأَنَّ النَّبْشَ مُثْلَةٌ، وَقَدْ نُهِيَ عَنْهَا”، وقد ورد في الموسوعة الفقهية أنّ الفقهاء قد ذهبوا في هذا إلى قولين اثنين هما كالآتي:[1]

  • الشّافعيّة والحنابلة: المشهور عنهما أنّ الميت ينبش ويغسل في حال عدم نتن الجسد وتفسخه.
  • أحد أقوال الشّافعيّة: أن يُخرج الميت وينبش من أجل الغسل حتّى وإن بقي من جسده شيئًا يسيرًا.

هل الميت يحس عند الغسل

في خضم الجابة عن سؤال هل الميت يحس عند الغسل، يجب الإشارة أولاً إلى إنَّ إحساس الميت بعد خروج روحه منه يعدُّ من الأمور التي لم يبتُّ بها الشَّرع بصورة واضحة وجليّةٍ، فهو من الأمور الغيبيَّة التي لا يصحُ الحديث عنها بشكل قطعيِّ إلّا إذا جاء فيه دليل شرعيّ، ومن الأفضل التوقف عن الخوض في مثل هذه الأمور الغيبيَّة لتي سكت عنها الشّرع، ولكن للعلماء في هذا قولين اثنين هما كالأتي:[2]

  • القول الأول: أنّ الميت يشعر ويحس بمن حوله ،ومن ذهب إلى هذا القول استند إلى ما ورد عن الرسول -صل الله عليه وسلم- في الحديث الشريف: أنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ العَبْدَ إذَا وُضِعَ في قَبْرِهِ وتَوَلَّى عنْه أصْحَابُهُ، وإنَّه لَيَسْمَعُ قَرْعَ نِعَالِهِمْ، أتَاهُ مَلَكَانِ فيُقْعِدَانِهِ، فَيَقُولَانِ: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ لِمُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فأمَّا المُؤْمِنُ، فيَقولُ: أشْهَدُ أنَّه عبدُ اللَّهِ ورَسولُهُ، فيُقَالُ له: انْظُرْ إلى مَقْعَدِكَ مِنَ النَّارِ قدْ أبْدَلَكَ اللَّهُ به مَقْعَدًا مِنَ الجَنَّةِ، فَيَرَاهُما جَمِيعًا – قالَ قَتَادَةُ: وذُكِرَ لَنَا: أنَّه يُفْسَحُ له في قَبْرِهِ، ثُمَّ رَجَعَ إلى حَديثِ أنَسٍ – قالَ: وأَمَّا المُنَافِقُ والكَافِرُ فيُقَالُ له: ما كُنْتَ تَقُولُ في هذا الرَّجُلِ؟ فيَقولُ: لا أدْرِي كُنْتُ أقُولُ ما يقولُ النَّاسُ، فيُقَالُ: لا دَرَيْتَ ولَا تَلَيْتَ، ويُضْرَبُ بمَطَارِقَ مِن حَدِيدٍ ضَرْبَةً، فَيَصِيحُ صَيْحَةً يَسْمَعُهَا مَن يَلِيهِ غيرَ الثَّقَلَيْنِ”.[3]
  • القول الثّاني: وهناك رأي آخر لأهل العلم في هذه النقطة، وهذا الرأي يقوم بأنه لا يمكن للميت أن يحس أو يشعر بما يحدث أثناء الغسل، ويستند أصحاب هذا القول إلى الدليل القرآني الذي ورد في سورة فاطر: {وَمَا أَنتَ بِمُسْمِعٍ مَّن فِي الْقُبُورِ}.[4]

شاهد أيضًا: سوال الميت بعد دفنه عن ربه ودينه ونبيه هو

هل الميت يشعر بمن يزوره في القبر

إنّ عالم البرزخ هو من عوالم الغيب التي لا يمكن الاطلاع عليها، أو معرفة تفاصيلها إلا من طريق شرعيّ قطعيّ من الكتاب أو السنة النّبوية الصحيحة، وبخصوص هل الميت يشعر بمن يزوره في قبره كان هناك آراءٌ للعلماء سنعرضها فيما يأتي:

  • الرأي الأول: لقد قال محموعة من العلماء المتأخرين بأن الميت ييعرف ويشعر بمن يزوره من الأحياء هذا إذا كان يعرفهموهو على قيد الحياة، وقد استند من ذهب إلى هذا القول بهدّة أدلة هي كالآتي:[5]
    • حديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما مِن عبدٍ يمرُّ بقبرِ رجلٍ ، كان يعرفُه في الدُّنيا ، فيسلِّمُ علَيهِ ، إلَّا عرفَه ، و ردَّ علَيهِ السَّلامَ”،[6] على الرُّغم من أنّ أحد رجال المتن غير معروف إلّا أنّ ابن المبارك قال في هذا الحديث أنّه ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم .
    • يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه اللَّه :
      ” الروح تشرف على القبر ، وتعاد إلى اللحد أحيانا ، وقد أمرنا -الرّسول عليه السّلام- بإلقاء السّلام على الميت فإن لم يسمعه لا طائل من إلقاءه عليه، فقد روي عنه صلى الله عليه وسلم: “كانَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ يُعَلِّمُهُمْ إذَا خَرَجُوا إلى المَقَابِرِ، فَكانَ قَائِلُهُمْ يقولُ، في رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ، : السَّلَامُ علَى أَهْلِ الدِّيَارِ، وفي رِوَايَةِ زُهَيْرٍ، : السَّلَامُ علَيْكُم أَهْلَ الدِّيَارِ مِنَ المُؤْمِنِينَ وَالْمُسْلِمِينَ، وإنَّا، إنْ شَاءَ اللَّهُ لَلَاحِقُونَ، أَسْأَلُ اللَّهَ لَنَا وَلَكُمُ العَافِيَةَ”.[7]
  • الرأي الثّاني: قال ابن باز أن معرفة الميت لمن يزوره فيها وجهة نظر ويجب الوقف عند هذه المسألةلعدم ورود دليل شرعي قاطع، وسواء عرف الميت من يزوره أو ما عرفه فمن السنّة أن يزوره ويدعو له،فقد قال النبي عليه الصّلاة والسّلام: “زَارَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وَسَلَّمَ قَبْرَ أُمِّهِ، فَبَكَى وَأَبْكَى مَن حَوْلَهُ، فَقالَ: اسْتَأْذَنْتُ رَبِّي في أَنْ أَسْتَغْفِرَ لَهَا فَلَمْ يُؤْذَنْ لِي، وَاسْتَأْذَنْتُهُ في أَنْ أَزُورَ قَبْرَهَا فَأُذِنَ لِي، فَزُورُوا القُبُورَ فإنَّهَا تُذَكِّرُ المَوْتَ”،[8] فهي تنفع الحي وتعينه على تذكر الآخرة والاستعداد للقاء الله تعالى، وتنفع الميت حينما يدعو له الزّائر ويترحم عليه.[9]

شاهد أيضًا: هل الميت يشتاق لاهله

هل الميت يسمع ما يدور حوله؟

هناك بعض العلماء من قال إنَّ الميت لا يشعر ولا يسمع بما يدور حوله، بل ولا يدري شيئًا عن أهله، ولكن كما أسلفنا سابقًابأن ابن تيمية وابن القيم قالا بأن الميت يسمع سلام أهله ويرد السلام، فالرسول -عليه الصلاة والسَّلام- قد أمر بإلقاء السَّلام على الأموات، ومن ذهب إلى قوله أنّ الميت يسمع الكلام من حوله يستدلُّ بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أنَّ رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، تَرَكَ قَتْلَى بَدْرٍ ثَلَاثًا، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَقَامَ عليهم فَنَادَاهُمْ، فَقالَ: يا أَبَا جَهْلِ بنَ هِشَامٍ يا أُمَيَّةَ بنَ خَلَفٍ يا عُتْبَةَ بنَ رَبِيعَةَ يا شيبَةَ بنَ رَبِيعَةَ أَليسَ قدْ وَجَدْتُمْ ما وَعَدَ رَبُّكُمْ حَقًّا؟ فإنِّي قدْ وَجَدْتُ ما وَعَدَنِي رَبِّي حَقًّا فَسَمِعَ عُمَرُ قَوْلَ النبيِّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: يا رَسولَ اللهِ، كيفَ يَسْمَعُوا وَأنَّى يُجِيبُوا وَقَدْ جَيَّفُوا؟ قالَ: وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ما أَنْتُمْ بأَسْمع لِما أَقُولُ منهمْ، وَلَكِنَّهُمْ لا يَقْدِرُونَ أَنْ يُجِيبُوا ثُمَّ أَمَرَ بهِمْ فَسُحِبُوا، فَأُلْقُوا في قَلِيبِ بَدْرٍ.”.[10][11]

ولكن  تفصيلات السمع الميت غير معروفة؛ وذلك لعدم وجود الأدلة القاطعة في كيفية السمع عند الميت؛ وقد قال شيخُ الإسلام ابن تيميَّة -رحمه الله تعالى- عندما سُئل عن قضية سمع الميت لكلام زائره: “نعم يسمع الميت في الجملة”، ثم قال: بعد ذكر أدلة سماع الأموات: “فهذه النصوصُ وأمثالُها تُبَيِّن أن الميت يسمع في الجملة كلام الحي، ولا يجب أن يكون السمعُ له دائمًا، بل قد يسمع في حالٍ دون حالٍ، كما قد يعرض للحي، فإنه قد يسمع أحيانًا خطاب مَن يخاطبه، وقد لا يسمع لعارضٍ يعرض له، وهذا السمع سمع إدراكٍ ليس يترتب عليه جزاءٌ”.[11]

شاهد أيضًا: هل البكاء على الميت يعذبه

هل الميت يشعر بالزمن

إن الزمن عند الأموات يختلف عن الزمن عند الأحياء، فهم لا يشعرون بمرور هذا الزمن الطويل عند الأحياء مطلقا، ويجب التذكير بشكل دائم أن الحديث عن الموتى وأحوالهم هو من الأمور الغيبية التي يجب التوقف في معرفتها على النصوص من الكتاب أو السنة، وقد ذهب العلماء إلى أنّ الزمن عند الأموات هو غير زمن الأحياء، فقالوا في تفسير قوله تعالى: {كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا}،إ[12] فمعنى الآية هنا أنّ الموتى يوم يرون قيام الساعة كأنهم لم يمضوا في قبورهم إلّا مقدار آخر النهار أو أوّله، والمراد تقليل مدة الدنيا.[13]

وقد قال ابن عثيمين: “اعلم أن الزمن بالنسبة للميت يذهب سريعاً كأنه ليس بشيء، أمات الله رجلاً مائة عام فلما بعثه قال: قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَل لَّبِثْتَ مِاْئَةَ عَامٍ فَانظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ ءَايَةً لِلنَّاسِ وَانظُرْ إِلَى العِظَامِ كَيْفَ نُنشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ـ وهي مائة سنة. كذلك أهل الكهف لبثوا في كهفهم ثلاث مائة سنين وازدادوا تسعاً، وهو نوم، والنوم ليس كالموت، الموت أسرع في ذهاب الوقت، وهؤلاء الأموات الذين ماتوا لهم منذ سنين طويلة تجدهم كأنهم ما مرت عليهم دهور طويلة، كأنهم الآن ماتوا”.[13]

شاهد أيضًا: هل الأموات يتزاورون

دعاء للمتوفى قبل الدفن

زمن الأدعية التي اعتيد الدُّعاء بها للميت ما قبل دفنه ما يأتي:

  • اللهم إنك تعلم ما الذي يعنيه هذا الميت لي، أسألك بكل اسم هو لك، وبصفاتك العلى وكرمك الأعلى وأسألك ربي برحمتك العظيمة التي وسعت كل شيء، أن تنزل من رحمتك ورضاك وعفوك وكرمك على ميتنا واجعله بمنزلة الصالحين.
  • ربّ اغفر وارحم وارض واعف عن عبدك الذي أسلم لك وشهد بأن محمدًا – صلى الله عليه وسلم- نبيًا ورسولًا، اللهم إن عبدك هذا كان صادقًا وكان يذكرنا دومًا بك، فارحمه يا الله رحمة واسعة وجازيه عن كل ذرة خير ضعف الجزاء الحسن.
  • اللهم ارزق ميتنا الأثر الطيب والحديث الحسن والسمعة الطاهرة، واجعل عمله في الدنيا شفيعًا له يوم القيامة.
  • يا رب اجعل قبره روضة من رياض الجنة ويسر حسابه واكتب له الأجر إلى يوم القيامة، ويسر له من يدعو له إلى قيام الساعة. اللهم إن عبدك بجوارك وأنت يا الله خير من يكون بجواره العباد، اللهم اغفر له وارض عنه واجعل روحه هانئة راضية مستبشرة في مقعد النعيم عندك يا أرحم الراحمين.
  • يا رب أكرمه كرمًا لا حدّ له، وعامله بما أنت أهله ولا تعامله بما هو أهله، أنت أهل الجود والرحمة يا إلهي.
  • اللهم إنَّك تعلم مقدار الحزن الذي فرط أكبادنا على رحيله، فلا تؤلمنا اللهم بأن تكون منزلته منزلة السوء، بل اجعل يا رب منزلته في أعلى العليين في الجنة.

وفي نهاية مقال هل الميت يحس عند الغسل ، تبيّن أنّ العلماء قد اختلفوا في هذا ما بين مثبتٍ للأمر ومتوقفٍ للحديث عنه،  وذلك لأنّه من الأمور الغيبية، وقد ىألقينا الضّوء على موضوع شعور الميت بمن حوله، نع ذكر بعض الأدعية التي يحتاجها الميت.

المراجع

  1. ^ islamweb.net , دفن الميت بغير غسل وتكفين.. الحكم.. والواجب , 07-06-2021
  2. ^ albwaabh.or , هل الميت يحس عند الغسل ؟ , 07-06-2021
  3. ^ صحيح البخاري , البخاري، أنس بن مالك، 1374، صحيح
  4. ^ فاطر , آية 22
  5. ^ islamqa.inf , هل يعرف الميت من يزوره من الأحياء ؟ , 07-06-2021
  6. ^ السيوطي , الجامع الصغير، أبو هريرة، ضعيف
  7. ^ صحيح مسلم , مسلم، بريدة بن الحصيب الأسلمى، 975، صحيح
  8. ^ صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة،976 ، صحيح
  9. ^ binbaz.org.sa , حكم القول بأن الميت يعلم من يزوره , 07-06-2021
  10. ^ ar.islamway.net , هل يشعر الأموات بنا؟ , 07-06-2021
  11. ^ صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، 2874، صحيح
  12. ^ النازعات , آية 46
  13. ^ islamweb.net , ماهية الزمن بالنسبة للميت , 07-06-2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *