هل يجوز زواج المسلمة من مسيحي

هل يجوز زواج المسلمة من مسيحي؟ سؤال يُطرح ويتجدّد باستمرار، وذلك لإنّ الزواج في الإسلام هو ارتباط شرعي غاية في الأهمية، ودين الزوج والزوجة مهم في صحّة الزواج من عدمها، والمعيار في هذا هو النصوص الشرعية والأدلّة القرآنية التي اعتمد عليها أهل العلم في بيان الأحكام، وفي هذا المقال سيتم الإجابة عن السؤال السابق وتوضيح لأقوال العلماء في مسألة زواج المسلمة من غير المسلم.

هل يجوز زواج المسلمة من مسيحي

لقد أجمع المسلمون على عدم جواز زواج المسلمة من المسيحي، لأنّ الله تعالى قال في كتابه العزيز: “وَلا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ”،[1] وقال أيضًا: “فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ فَلا تَرْجِعُوهُنَّ إِلَى الْكُفَّارِ لا هُنَّ حِلٌّ لَهُمْ وَلا هُمْ يَحِلُّونَ لَهُنَّ”،[2] وقد قال ابن تيمية -رحمه الله- إنّ المسلمبن قد اتفقوا على أنّ الكافر لا يتزوّج المسلمة، ولفظ الكافر يشمل جميع غير المسلمين كالنصارى واليهود،[3] وقد سُئل ابن عثيمين عن حكم زواج المسلمة من المسيحي، فقال إنّه زواج باطل ولا يجوز،[4] وفيما يأتي نقل لبعض من أقوال العلماء فيما يخصّ زواج المسلمة من المسيحي وغيره ممّن هم ليسوا على دين الإسلام:[5]

• قال الإمام القرطبي: أجمعت الأمّة أنّ المشرك لا يمكن له الزواج من مسلمة لأنّ في ذلك غضاضة على الإسلام.
• قال الإمام الشافعي: إنّ المسلمات محرّمات على الكفّار لأنّه لا يكون ولاية لكافر على مسلم.
• قال الإمام مالك: إنّ النصراني أو اليهودي لا يجوز لهم الزواج من المسلمات على أي حال.
• قال الإمام البهوتي: إنّ المسلمات لا يحلّ لهن الزواج من غير المسلمين حتّى يدخلوا الإسلام.
• قال الإمام ابن قدامة: إنّ الكتابية إن أسلمت وكانت متزوجة برجل مشرك سواءٌ كتابي أم غير كتابي فيُحكم بالفرقة بينهما.

حكم زواج المسلم من المسيحية

في إطار الإجابة عن سؤال هل يجوز زواج المسلمة من مسيحي، لا بدّ من بيان حكم الشرع في زواج المسلم بالمسيحية، وقد أباح الشرع الإسلامي للمسلم أن يتزوّج من محصنات أهل الكتاب، حيث قال تعالى في سورة المائدة: “الْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَطَعَامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حِلٌّ لَكُمْ وَطَعَامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الْمُؤْمِنَاتِ وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذَا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلا مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ”،[6] وأهل الكتاب هم اليهود والنصارى.[7]

والمحصنة هي الحرّة العفيفة، فإن كانت الكتابية معروفة بالعفّة والبعد عن الفاحشة، فإنّ الإسلام قد أباح للمسلم الزواج منها، أمّا إذا كانت غير ذلك فلا يجوز نكاحها، إلّا أنّ الاقتصار في الزواج على المسلمات أولى وأفضل، لأنّ المسيحية ستبقى على دينها ويمكن أن يؤثّر ذلك على تربية الأبناء وعدم تنشئتهم تنشئة إسلامية، أمّا إذا أسلمت فبها ونعمت.[7]

سبب تحريم زواج المسلمة من مسيحي

قد يسأل سائل عن سبب تحريم الإسلام زواج المسلمة من المسيحي وإباحة العكس، وهو زواج المسلم من مسيحية، والأسباب لذلك كثيرة، فصّلها أهل العلم وبيّنوها أفضل بيان، وفيما يأتي ذكر لبعضٍ منها:[5]

• يؤمن المسلم بجميع الأنبياء ومن واجبه محبّتهم واحرامهم، بما فيهم النبي عيسى نبي النصارى، ويؤمن أيضًا أنّ الله تعالى قد أنزل التوراة والإنجيل، بينما لا يؤمن المسيحي بدين الإسلام وبالنبي محمد عليه السلام.
• إنّ الإسلام يعلو ولا يُعلى عليه، والزواج فيه ولاية على الزوجة من زوجها ويجب أن تتحقّق فيها القوامة، فيمكن أن يكون المسلم قوّامًا ووليًا لزوجته المسيحية، ولكنّ المسيحي لا يمكن له أن يملك الولاية أو القوامة على مسلمة.
• حكى الإمام الكاساني: إنّ المرأة تميل إلى تقليد زوجها وهو يفرض عليها سيطرتها، فلو تزوجّت المسلمة بغير المسلم ربّما يكون هذا فتنةً لها حتّى تُغيّر دينها.

وبهذا القدر من الكلام نكون قد بيّنا حكم زواج المسلمة من المسيحي ونقلنا بعضًا من أقوال العلماء وتعليلاتهم لحرمة ذلك، وبيّنا رأي الشرع في زواج المسلم بالكتابية كالمسيحية واليهودية، وذكرنا الأدلّة التي بيّنت إباحة ذلك وما هي شروط هذه الإباحة، وبيّنا الأسباب التي حرّمت زواج المسلمة من غير المسلم كتابيًا كان أم ليس كتابي.