هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء

هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء ؟ هو أحد الأسئلة الشرعيّة التي لا بدّ من الإجابة عنها، فالقرآن الكريم هو كلام الله تعالى الذي تكلّم به على الحقيقة سواءً أكان من حيث حُروفه أو معانيه، المنزل على محمّد صلى الله عليه وسلّم عن طريق السماع، فقد سمعه الملك جبريل عليه السلام من الله تعالى، وسمعه النبي محمد عليه السلام من جبريل، وسمعه الصحابة الكرام رضي الله عنهم من النبي عليه الصلاة والسلام.[1]

الوضوء في الإسلام

قبل الإجابة عن السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، سنتحدّث عن الوضوء في الإسلام، فقد شرع الله تعالى الوضوء عبادةً في ذاته، وشرطًا لصحةٍ عبادة الصلاة، والوضوء في اللغة مشتقٌّ من الوضاءة؛ وهي الحسن والبهجة والنظافة، أمّا في الاصطلاح الشرعيّ فيُعرّف بأنّه الغسل والمسح مع النيّة على أعضاءٍ مخصوصةٍ، أو إيصال الماء إليها، وقد عرّف الحنفيّة الوضوء بأنّه: “غسل الأعضاء الثلاثة ومسح ربع الرأس”، وأمّا الشافعيّة فعرّفوا الوضوء بأنّه: “استعمال الماء في أعضاءٍ مخصوصةٍ مُفتتحًا بالنيّة، وعرّف المالكية الوضوء بأنّه غسل ومسح أعضاءٍ مخصوصةٍ لرفع الحدث”، وأمّا الحنابلة فقد عرّفوا الوضوء بأنّه: “استعمال ماءٍ طهورٍ في الأعضاء الأربعة على صفةٍ مخصوصةٍ”، ومن الجدير بالذكر أنّ الوضوء واجبٌ على المحدث إذا أراد الصلاة، سواءً كانت الصلاة واجبةً أو مندوبةً، وقد دلّ على ذلك كتاب الله، وسنّة نبيه وإجماع العلماء.[2]

شاهد أيضًا: سبب الوضوء بعد اكل لحم الإبل

هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء

في الإجابة على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، فهي جائزة ولكنّ مكروهة، فالقراءة جائزة بدون طهارة إذا كانت عن ظهر قلب أو دون مسّ المصحف، فالأفضل أن يقرأ الإنسان القرآن وهو على طهارة، ودليل جواز قراءة القرآن على غير وضوء هو قول السيدة عائشة رضي الله عنها: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ يَذْكُرُ اللَّهَ علَى كُلِّ أحْيَانِهِ”[3]، وذلك دليل على أنّه يجوز قراءة القرآن في كل وقت ولو من غير وضوء، والوضوء ليس واجبًا لقراءة القرآن الكريم، وقد جاء في قول لابن عباس يتحدّث فيه عن اليوم الذي بات فيه عند زوجة النَّبيِّ ميمونة رضي الله عنها وهو غُلامٌ صغير، فيقول: “حتَّى إذَا انْتَصَفَ اللَّيْلُ، أوْ قَبْلَهُ بقَلِيلٍ أوْ بَعْدَهُ بقَلِيلٍ، اسْتَيْقَظَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَجَلَسَ يَمْسَحُ النَّوْمَ عن وجْهِهِ بيَدِهِ، ثُمَّ قَرَأَ العَشْرَ الآيَاتِ الخَوَاتِمَ مِن سُورَةِ آلِ عِمْرَانَ، ثُمَّ قَامَ إلى شَنٍّ مُعَلَّقَةٍ، فَتَوَضَّأَ منها فأحْسَنَ وُضُوءَهُ، ثُمَّ قَامَ يُصَلِّي”[4]، أذًا فقد قرأ رسول الله القرآن الكريم وهو على غير وضوء.[5]

شاهد أيضًا: طريقة الوضوء الصحيح

هل يجوز مسّ المصحف بدون طهارة

بعد الإجابة على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، فقد أجمع العلماء على حُرمة مسّ القرآن الكريم بمن كان محدثًا حدثًا أكبر، وأمّا المُحدث حدثاً أصغر فذهب أكثرُ الفُقهاء إلى عدم الجواز، امّا في حال كانت كتابة القرآن أو تعلّمه أو حفظه فهو جائز عند جمهور العلماء عدا أصحاب المذهب المالكيّ، كما اشترط بعض الصحابة أن يكون المسلم طاهرًا من الحدثين عند مسّه للمصحف الشريف، كعليّ بن أبي طالب، وابن مسعودٍ، وابن عُمرَ رضي الله عنهم، أمّا في قول المعاصرين من العلماء كالشيخ ابن باز فقد اشترط الطهارة من الحدثين لمس المصحف، وقال بجواز حمل المصحف بواسطة حائل، قد ذهب أكثر الفُقهاء إلى جواز مسّ الصبيّ للمصحف من غير طهارةٍ؛ إن كان بقصد العلم والحفظ؛ لأن القول بوجوب طهارتهم قد يسبّب تنفيراً لهم.[6]

شاهد أيضًا: حكم التسمية عند الوضوء

حكم قراءة القرآن أثناء الحيض

بعد الإجابة على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، فهناك أدلّة تشير إلى أن ما يحدث للمرأة في فترة حيضها يمنعها من أداء العبادات والفروض مثل الصلاة والصيام وغيرها، أمّا ذكر الله تعالى من التسبيح والدعاء والاستغفار باللسان أو بالقلب فقد قال الفقهاء بجوازه، ومن أدلة عدم انقطاع الحائض عن الذكر والدعاء ما جاء في قول الصحابيّة أمّ عطيّة رضي الله عنها: “كنا نُؤمَرُ أن نَخرُجَ يومَ العيدِ، حتى نُخرِجَ البِكرَ من خِدرِها، حتى تَخرُجَ الحُيَّضُ، فيكُنَّ خلفَ الناسِ، فيكَبِّرْنَ بتكبيرِهم، ويَدعونَ بدعائِهم، يَرجونَ بركةَ ذلك اليومِ وطُهرَتَه”[7]، والطهارة هي من شروط العبادات بل هي شرطها الأول، لذلك على الحائض أن تبتعد عن مسّ المصحف فهي فاقدة لطهارة الجسدية في فترة حيضها، ومنهم من حمّل حرمة اللمس على حرمة القراءة فجاءت آراء العلماء في قراءتها للقرآن على رأيين، رأي قال بحرمة القراءة ورأي قال بجوازها ولكلّ دليله الذ يستند عليه:[8]

• من قال بالجواز: كان القول بالجواز هو رأي جمهور العلماء، فهو مذهب مالك واختيار شيخ الإسلام ابن تيمية، قال رحمه الله: ليس في منع الحائض من القراءة نصوص صريحة صحيحة. وقال: ومعلوم أنّ النساء كن يحضن على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يكن ينههن عن قراءة القرآن، كما لم يكن ينههن عن الذكر والدعاء.[8]
• من قالوا بالحرمة: من قال بهذا الرأي ألحق حكم الحائض بحكم الجنب لأنً كليهما محدثٌ حدثًا أكبر، كما احتجوا بحديثٍ ضعيف مروي عن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنًه قال: “لا تقرأُ الحائضُ ولا الجنبُ شيئًا من القرآنِ”.[9]

شاهد أيضًا: هل يشترط الوضوء للاحرام

هل يجوز قراءة القرآن بدون حجاب

بعد الإجابة على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، فسنتحدّ عن حكم قراءة القرآن الكريم بدون حجاب، فيرى الفقهاء أنّه ليس من الواجب ارتداء الحجاب الشرعيّ أثناء قراءة المرأة للقرآن الكريم، فشروط القرآن الكريم هي الطهارة فقط لمن أراد القراءة من الصحف ومسّه، وقالوا بأنّه يُشترط لذلك الطهارة من الحدث الأكبر، فلا يجوز للجنب قراءة القرآن، أمّا في حالة الحدث الأصغر فيمكن قراءة القرآن عن ظهر قلب، فيجب على من يريد مسّ المصحف والقراءة منه أن يتوضأ، ويُشترط أيضاً لقارئ القرآن أن تكون ملابسه طاهرة، وأن يقرأ القرآن في موضعٍ طاهر، وغير ذلك من متعلقات الطهارة، أما شرط لبس الحجاب لمن تريد قراءة القرآن من النساء فليس داخلًا في تلك الشروط، فيكون جائزًا قراءة القرآن دون ارتداء الحجاب للمرأة، إلا أنّه من الأفضل والأولى للمرأة من باب الأدب مع الله وأثناء وخلال قراءة كلامه الذي هو القرآن الكريم أن تستر جسدها ورأسها إذا أرادت قراءة القرآن لا على سبيل الوجوب، إنّما من باب التأدُّب مع القرآن، كما أنّ المرأة إن عرض عليها سجود التلاوة، فينبغي أن تتستّر له كما تتستّر للصلاة، فمن المستحب للمرأة لبس الحجاب إذا أرادت قراءة القرآن كما يقول بذلك معظم أهل العلم.[10]

شاهد أيضًا: هل الحجاب واجب

هل يجوز قراءة القرآن من الجوال

بعد الإجابة على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، فسنتحدّث عن قراءة القرآن من الجوال ولا مانع من قراءة القرآن من الهاتف المحمول ما دام يُقرَأ بصورة صحيحة، والقارئ يقرأ مُراعيًا أحكام التّلاوة وآدابها، وإنّما تُراعى هذه الآداب والأحكام إذا كان الهاتف تَظهر على شاشته صَفحات المُصحف، ويقوم القارئ بمُباشرتها بيده، أمّا عند إغلاقها أو إغلاق الهاتف فلا يُعتبر ذلك مُصحفًا ولا يأخذ أحكامه؛ فالمُصحف لا يُسمّى مُصحفًا إلّا إذا كان الكلام المكتوب فيه ظاهرًا، فلو مُحِي منه الكلام “القرآن” لم يَعُد مُصحفًا، علماً بأنّه إذا قُرِئ دون مَسّ الشّاشة التي يظهر عليها القرآن جاز ذلك ما لم يكن جُنُبًا، وإذا تمّ قراءة القرآن من الجوّال بخشوع وتدبُّر لم ينقص الأجر عن قراءته من المُصحف بإذن الله، فالمراد كلّه هو حضور القلب وانتفاعه بالقرآن، وعلى ذلك فالطهارة ليست واجبة لقراءة القرآن من المصحف ولكنّ الطهارة لقراءة القرآن ولو عن ظهر قلب أو من الجوال أفضل، لأنّه كلام الله ومن كمال تعظيمه ألا يقرأ إلا على طهارة. [11]

وهكذا نكون قد أجبنا على السؤال: هل يجوز قراءة القرآن من غير وضوء، وعرفنا كذلك هل من الجائز قراءة القرآن أثناء فترة الحيض، كما تعرّفنا على حكم قراءة المرأة للقرآن من غير حجاب، وعرفنا حكم قراءة القرآن من المصحف سواءً بوضوء أو من غيره.