هل يجوز قراءة القران للميت

هل يجوز قراءة القران للميت سؤالٌ يطرحه عنوان المقال، ولكن قبل ذلك لا بدّ من التعريف بماهيّة القرآن الكريم وبيان فضل تلاوته، فالقرآن الكريم هو ما نزل من الكتب السماويّة على سيّد الخلق والمرسلين سيّدنا محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عن طريق أمين الوحي جبريل عليه السلام، وقد خصّه الخالق سبحانه بخصائص عظيمة لمن تلاه وعمل به واقتدى بنهجه المبين، ومن أعظم فضائله أنّه رفعةٌ لمن يتلوه ويحفظه في الدّنيا والآخرة، وتلاوته خيرٌ من الدّنيا وما عليها، والكثير الكثير من فضائل تلاوة القرآن التي لا تعدّ ولا تحصى.[1]

الموت حق

إنّ الإجابة على سؤال هل يجوز قراءة القران للميت يدفع إلى ذكر الموت وحقّ الموت على الإنسان، فذكر الموت من الأمور التي تنفع القلوب وتقودها إلى الصلاح والحياة، وقد كان الرسول الكريم -صلّى الله عليه وسلّم- يكثر من الوصيّة في ذكر الموت، فقد روى أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّه كان يقول: “أَكثِروا ذِكرَ هادِمِ اللَّذَّاتِ الموتِ”،[2] فالموت لا يأتي بسابق إنذار، وإنّما يكون قدومه على حين غفلةٍ من الإنسان، فهو حتمٌ لازمٌ لا عصمة فيه لأيّ مخلوقٍ في هذه الحياة الدّنيا، قال تعالى في سورة النساء: {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ}،[3] وعلى ذلك على المؤمن أن يكون كيسًا فطنًا، ويتجهّز بعمله الصّالح لمثل هذه الغفلة التي قد تدركه بالموت.[4]

هل يجوز قراءة القران للميت

بعد ذكر حقّ الموت على كلّ إنسانٍ مسلمٍ وغير مسلم لا بدّ من إجابة سؤال هل يجوز قراءة القران للميت، فلجميع النّاس أحبابٌ قد واراهم التراب ويحبّون أن يهدوا لهم من ثواب قراءة القرآن الكريم، فهل هذا جائزٌ في الشريعة الإسلاميّة؟ فقد اختلف أهل العلم في جواز ذلك وفيما إذا كان يصل ثواب ما يقرأه المؤمن إلى الميت، وانقسم أهل العلم إلى فريقين:[5]

• الفريق الأوّل: ومنهم الإمام أحمد وأبو حنيفة وغيرهما من أصحاب الإمام الشافعي فقد ذهبوا إلى أنّ ثواب قراءة القرآن لا يصل إلى الموتى، وذلك استنادًا لما روي عن النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- في الثابت من الحديث: “إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ, أو علمٍ يُنتفَعُ به, أو ولدٌ صالحٌ يدعو له”.[6]
• الفريق الثاني: أمّا هذا الفريق فقد ذهب إلى أنّ ثواب ما يكون من العمل هو شيءٌ خاصٌ بالمرء يهديه لمن يشاء، وذلك استنادًا إلى قوله تعالى في سورة النجم: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}،[7] وذهبوا إلى أنّ ظاهر الآية يتوافق مع باطنها، وسعي المرء هو حقّه، يهدي سعيه لمن أحب.

وعلى ذلك فإنّ ما كان فيه خلافٌ من بابٍ أولى تركه، ولا ضير فيمن قام به فإنّ ذلك لن ينقص من أجره شيئًا، ولكنّ ما رجّحه أهل العلم أنّها لا تصل إلى الميّت لأنّ لم يرد في الأثر أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قد فعلها لأمواته كأبنائه وبناته ممّن ماتوا في حياته، وكذلك المقربين له من الصحابة والخلفاء الراشدين لم يرد لهم في كتب السير أنّهم فعلوا ذلك لأمواتهم، والله ورسوله أعلم.[8]

صيغة إهداء ثواب قراءة القران للميت

إنّ الإجابة على سؤال هل يجوز قراءة القران للميت كانت على اختلاف أهل العلم، فمنهم من رجّح وصول ثوابها للميت ومنهم رجّح أنّ ثوابها لا يصل إليه، ولكن قد يتمسّك المرء برأي الفريق الذي يرى أنّ ثواب قراءة القرآن تصل إلى الميت، وعليه سيجول في ذهنه بعضٌ من التساؤلات في هذا الخصوص، كأن يسأل حول الصيغة الأمثل لإهداء ثواب قراءة القران الكريم للمتوفى، وعليه فإنّه كما لم يرد في الأثر أنّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وصحبه الكرام قاموا بذلك، فلم يرد صيغةٌ محددة للإهداء، فلا صيغة ثابتة في الشريعة الإسلامية لذلك، ويمكن أن يدعو المرء على سبيل المثال: [9]

• اللهم إن كنت قبلت قراءتي هذه فاجعل ثوابها لفلان.
• اللهم أوصل ثواب ما قرأته إلى روحّ النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- وإلى أرواح المسلمين أجمعين وروح عبدك فلان.

حكم الدعاء للميت

بعد الإجابة على سؤال هل يجوز قراءة القران للميت وذكر بعض الصيغ المناسبة لإهداء ثواب ما يقرأه العبد إلى المتوفى في حال القبول من الخالق سبحانه، لا بدّ من الخوض في ذكر الحكم الشرعيّ للدعاء للميت، فإنّ الدعاء للميّت من الأمور المباحة في الشريعة الإسلاميّة، وقد بيّن رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- ذلك من خلال الحديث الصحيح الذي سلف ذكره: “إذا مات ابنُ آدمَ انقطع عملُه إلا من ثلاثٍ: صدقةٍ جاريةٍ, أو علمٍ يُنتفَعُ به, أو ولدٌ صالحٌ يدعو له”،[6] والدعاء لا يقتصر قبوله على الولد الصّالح وإنّما كان ذلك إشارةً إلى أشدّ النّاس جلادةً وصبرًا على الدعاء للميّت، ويجوز للمرء أن يدعو للموتى في صلاته أيضًا في السجود أو عند الوقوف من الركوع كأن يقول: اللهم اغفر لفلان، اللهم ارحمه وتجاوز عن سيئاته، وأن يدعو له بما فتح الله عليه.[10]

هل يجوز قراءة القران للميت مقالٌ فيه تمّ بيان فضل قراءة القرآن الكريم وذكر حقّ الموت على كلّ إنسان، ومن ثمّ أجاب على سؤال هل يجوز قراءة القران للميت وأوضح الخلاف في آراء أهل العلم، كما ذكر بعض الصيغ المناسبة لإهداء ثواب ما يتلوه المؤمن إلى أرواح من أحب، وبيّن حكم الدعاء للميّت.