من هو اليتيم ، وما الفرق بينه وبين العجي واللطيم، وما حكم من أكل أموال اليتامى

من هو اليتيم

من هو اليتيم ؟ من التساؤلات التي يرغب الكثير من النّاس في معرفتها، وخاصّةً المهتمّين بالعلوم الشرعيّة، وطلّاب العلم بوجهٍ عامٍّ، وذلك حتى يعرفوا الضوابط التي من خلالها يتمّ الحُكم على هذا المرء بأنّه يتيمٌ يدخل في دائرة اليتامي التي أوجبت الشّريعة الإسلاميّة لهم الكثير من الحُقُوق والواجبات، وفيما يلي سنتعرّف على من هو اليتيم، وما هي واجباتنا نحوه.

من هو اليتيم

إن المتأمّل في معاجم اللغة العربيّة يجدُ أن الجذر اللغويّ لكلمة” اليتيم” يدُور حول الانفراد، وقد عرّفه العلماء بأنه يُطلق على: الذي فقد أباه وهو صغيرٌ؛ إذًا فالّذي فقد أمّه لا يُسمّى يتيمًا، والذي فقد كليهما؛ فيُطلق عليه اسمٌ آخر، والذي فقد أباه وهو في سنٍّ كبيرٍ لا يُعدّ يتيمًا، ونعمة الأبُوّة من النّعم التي لا يشعُر بقيمتها إلا من فقدها؛ فالأب هو السند والمعين بعد الله-عزّ وجلّ- في مُساعدة الأبناء، وبفُقدان السند؛ يُقصم الظهر، ولقد اهتم القرآن الكريم باليتامى اهتمامًا كبيرًا؛ فقد ذُكرت الكثير من المواضع التي تُرغّب في الحرص على اليتامى وإعطائهم حقوقهم كاملةً، وفي ذلك يقول الحقّ -سبحانه-:” (وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّـهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَىٰ وَالْيَتَامَىٰ وَالْمَسَاكِينِ)”[١] ، والمتأمل لهذه الآية يجد أن الله -عزّ وجلّ- قد قرن عبادته ” واعبدو الله” بالإحسان إلى الوالدين، ولذي القُربى، ولليتامى، وللمساكين، وهذا يدُل دلالةً واضحةً على مكانة اليتامى، وأن من يرعاهم، ويُنفق عليهم يكون له من الجزاء أعظمه، ومن الثّواب أجزله، ولقد كان النبي -صلى الله عليه وسلّم- يتيمًا منذ نشأته؛ فقد توفّى والده، وهو لا يزال في بطن أمه، وتوفّت أمّه، وكفله في نهاية المطافّ عمّه، قال -تعالى: ” (أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى)[٢]، ثمّ أمره ربه -تبارك وتعالى- أن يحرص كلّ الحرص على اليتيم، فقال له:” فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ)[٣].

الفرق بين اليتيم والعجي واللطيم

شاع بين النّاس إطلاق لفظ اليتيم على من فقد أباه، أو فقد أمّه، أو فقد أباه وأمه، وهذا الأمر يحتاج إلى ضبط؛ حتى يُعرف التحديد الدّقيق لتلك المصطلحات، فالّذي فقد أباه فقط هو من يُطلق عليه يتيمًا، ومن فقد أُمّه فقط هو من يُطلق عليه عجيًّا، ومن فقد أباه وأمّه هو من يُطلق عليه لطيمًا، وقد ورد ذلك في المصباح المنير، إذ وُجد فيه: ” لَكِنْ الْيُتْمُ فِي النَّاسِ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ فَيُقَالُ صَغِيرٌ يَتِيمٌ وَالْجَمْعُ أَيْتَامٌ وَيَتَامَى…. فَإِنْ مَاتَ الْأَبَوَانِ فَالصَّغِيرُ لَطِيمٌ وَإِنْ مَاتَتْ أُمُّهُ فَقَطْ فَهُوَ عَجِيٌّ”[4].

فضل كفالة اليتيم

لقد حرص الإسلام كلّ الحرص على كفالة اليتيم، ورغّب في الإنفاق عليه؛ فقد جعل بذل المال عليه من أفضل الإنفاق الذي يتقرّب به العبد من ربّه- عزّ وجلّ-، وقد حذّر من التّهاون في حقّه أو إهماله؛ فقال: “أَرَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ*فَذَلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ”[5]، فقد قرن التّهاوُن في حقّ اليتيم بالتكذيب بيوم الدّين، وفي هذا دلالةٌ واضحةٌ على جُرم هذا الفعل، وجعل احتضان الطّفل، وتنشئته نشأةً صحيحةً، وتربيته على الأخلاق الفاضلة، وعلى حُبّ العلم، وغيرها من الأشياء تدخل تحت إطار كفالة اليتيم؛ لأن اليتيم يستشعر دومًا بنقصٍ داخله؛ فقد فقد نعمة الأب، وقد فقد حنانه، والاهتمام به، ويشعُر أن ثمّة شيئًا ينقصُه؛ فإذا كفله أحد النّاس؛ بدأ هذا النقص يتلاشى شيئًا فشيئًا، ولكفالة اليتيم فضائل عظيمة، بعضها يعود بالنّفع على كافل اليتيم ذاته، والبعض الآخر يعود على المجتمع، ويتمثّل ذلك في:

  • الثواب الجزيل الذي أعدّه الله -عزّ وجلّ- لمن يكفُل يتيمًا، أو يُنفق عليه، أو يُخصّص جزءً من ماله في المساهمة في ذلك.
  • بناء مجتمعٍ خاليٌ من شوائب الحقد، والغلّ، والكراهية، وذلك لأن اليتيم سيشعُر بأنه لا فرق بينه وبين غيره؛ فبطبيعة الحل لن ينظُر إلى ما في أيدي غيره، وهذا يعمل على أن تسود روح المحبّة، والأُلفة، والطمأنينة بين جميع أفراد المجتمع.
  • تقوية أواصر العلاقة بين اليتيم، وغيره من النّاس في المجتمع، وذلك لأنه دومًا يشعُر بالوحدة، وإذا لم يجد من يحنو عليه؛ ازدادت وحدته وحدةً.
  • كفالة اليتيم سببٌ في الفوز بجنّات ربّ العالمين، والنّجاة من النّار،وفي ذلك يقول المُصطفى: ” أنا وَكافلُ اليتيمِ في الجنَّةِ كَهاتين، وأشارَ بأصبُعَيْهِ يعني: السَّبَّابةَ والوسطى”[6]
  • تحصُل البركة في المال، والأهل، والولد؛ إذا ما تكفّل انسانٌ يتيمًا.
  • كفالة اليتيم من أهم الأسباب التي تُؤدّي إلى رقّة القلب، وذلك لأن اليتيم أكثر من يحتاج إلى من يعطف عليه، وقد شكا رجل إلى النبي -صلى الله عليه وسلّم- أنه يُعاني من قسوة في قلبه؛ فقال: امسح على رأس يتيم، وهذا يدُل على الأثر الفعّال الذي يُستسقى من المسح على رأس اليتيم.

حكم أكل مال اليتيم

تضافرت نصوص القرآن الكريم والسنّة النبويّة المطهرّة على الحرص على اليتيم، ومراعاته في كلّ أموره، مهما استطاع المرء إلى ذلك سبيلًا، ولكن في أزمنتنا تلك كثُر أصحاب النّفوس الضّعيفة الذين جلّ همّهم جمع الأموال بطرقٍ شرعيّةٍ أو غير شرعيّةٍ، وأكل أموال اليتامى، ولقد حذّر الله – سُبحانه وتعالى- من هذا الجُرم القبيح، وأعدّ أشدّ العذاب لمن يخوض فيه، أو يُحاول أن يُساعد فيه، فقال -تعالى-” وَآتُوا الْيَتَامَىٰ أَمْوَالَهُمْ ۖ وَلَا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ ۖ وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَهُمْ إِلَىٰ أَمْوَالِكُمْ ۚ إِنَّهُ كَانَ حُوبًا كَبِيرًا”[7]، والمراد بأكل مال اليتيم ما يحدُث من إتلافه، أو ضمّه لماله، أو أكله، أو أي طريقةٍ من طُرُق السّلب، بل إن القرآن الكريم جعل من يأكل مال اليتيم كالّذي يأكل في بطنه نارًا، فقال -تعالى-:” إنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَىٰ ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا ۖ وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا”[8]، فقد ابتدأت الآية ب ” إنّ” التي هي حرف توكيد ونصبٍ، وهذا إن دلّ فإنه يدُل على سوء عاقبة من يفعل ذلك، وجعل النبي -صلى الله عليه وسلّم- من السّبع الموبقات، فقال: ” “اجْتَنِبُوا السَّبْعَ المُوبِقاتِ، قالوا: يا رَسولَ اللَّهِ وما هُنَّ؟ قالَ: الشِّرْكُ باللَّهِ، والسِّحْرُ، وقَتْلُ النَّفْسِ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ، وأَكْلُ الرِّبا، وأَكْلُ مالِ اليَتِيمِ، والتَّوَلِّي يَومَ الزَّحْفِ، وقَذْفُ المُحْصَناتِ المُؤْمِناتِ الغافِلاتِ”[9]، فقد جعلها النبي في التّعداد الخامس من السبع الموبقات قبل التولّي يوم الزّحف وبعد أكل مال اليتيم.

ومن خلال هذا المقال يُمكننا التعرّف على من هو اليتيم ، وما هو تعريفه في المعاجم العربية، وفي اصطلاح العلماء، وما هو فضل كفالة اليتيم، وكيف تكون الكفالة علامة على رقّة القلب، وما هو حكم من أكل مال اليتيم ظلمًا، وما الفرق بين اليتيم، والعجيّ، واللّطيم، وهل يجوز أن يُطلق على من فقد أمه، أو فقد أباه وأمّه يتيمًا.

المراجع

  1. ^ سورة البقرة , سورة البقرة، آية: 83 , 27/9/2020
  2. ^ سورة الضحى , سورة الضحى، آية: 6. , 27/9/2020
  3. ^ سورة الضحى , سورة الضحى، آية: 9. , 27/9/2020
  4. ^ المصباح المنير في غريب الشرح الكبير , المصباح المنير في غريب الشرح الكبير المؤلف: أحمد بن محمد بن علي الفيومي ثم الحموي، أبو العباس (المتوفى: نحو 770هـ) الناشر: المكتبة العلمية - بيروت.ج2/ ص679 , 27/9/2020
  5. ^ سورة الماعون , الآيتان 1،2 , 27/9/2020
  6. ^ صحيح الترمذي , رواه الألباني ، في صحيح الترمذي، عن سهل بن سعد الساعدي، الصفحة أو الرقم: 1918، صحيح. , 27/9/2020
  7. ^ سورة النساء , سورة النساء، آية: 2. , 27/9/2020
  8. ^ سورة النساء , سورة النساء، آية: 10. , 27/9/2020
  9. ^ صحيح البخاري , رواه البخاري، في صحيح البخاري، عن أبي هريرة، الصفحة أو الرقم: 2766، حديث صحيح. , 27/9/2020

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *