المراد بالذين تبوؤوا الدار

المراد بالذين تبوؤوا الدار

المراد بالذين تبوؤوا الدار هو عنوان هذا المقال، ومن المعلوم أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- لم ينزل القرآن الكريم لغاية قراءته وتلاوته فقط، بل أنزله لتدبره وفهم معانيه، ومن هذا المنطلق فإنَّه سيتمُّ تخصيص هذا المقال للحديث عن بيان معنى تفسير القرآن الكريم، ثمَّ سيتُّم بيان الفئة المقصودة في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ}، كما سيتمُّ بيان تفسير الآية الكريمة

معنى تفسير القرآن الكريم

إنَّ التفسير في اللغة يأتي بمعنى الكشف والبيان، أمَّا في الاصطلاح الشرعي فهو عبارة عن فهم كتاب الله تعالى المنزل على نبيه محمد صلى الله عليه وسلم، وبيان معانيه واستخراج أحكامه وحكمه،[1] وله أهمية كبيرة في حياة المسلم، وفيما يأتي ذكر بعضها:

  • أنَّه يعين المسلم على فهم كلام الله -عز وجل- ومعرفة المراد منه.
  • إنَّ الغاية العظمى من القرآن الكريم هو العمل بما جاء به من أحكامٍ وآداب، ولا يكون ذلك إلا من خلال فهمه.

شاهد أيضًا: ما هي أصح طرق التفسير للقرآن الكريم

المراد بالذين تبوؤوا الدار

إنَّ المراد بالذين تبوؤوا الدار في قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}،[2] هم الأنصار الَّذين ابتنوا المدينة المنورة واتخذوها منازل،[3] وفيما يأتي تفسير الآية الكريمة:[4]

  • قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ}، وهم الأوس والخزرج من الأنصار الَّذين آمنوا بالله ورسوله طوعًا ومحبةً واختيارًا، وآووا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ومنعوه من أعدائه، كما منعوه مما يمنعون عنه أنفسهم، واتخذوا المدينة المنورة منزلًا ومسكنًا وجعلوها موئلًا ومرجعًا يرجع إليه المؤمنون، ويلجأ إليه المهاجرون، ويسكن بحماه المسلمون.
  • قوله تعالى: {يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ}، وإنَّ من جملة أوصافهم الجميلة محبتهم لأحباب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من المهاجرين.
  • قوله تعالى: {وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا}، ومن أوصافهم أيضًا أنَّهم لا يحسدون المهاجرين على ما آتاهم الله من فضله وخصهم به من الفضائل والمناقب التي هم أهلها، وهذا يدل على سلامة صدورهم، وانتفاء الغل والحقد والحسد عنها.
  • قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ}، ومن أوصاف الأنصار التي فاقوا بها غيرهم، وتميزوا بها على من سواهم، الإيثار، وهو أكمل أنواع الجود، وهو الإيثار بمحاب النفس من الأموال وغيرها، وبذلها للغير مع الحاجة إليها، بل مع الضرورة والخصاصة، وهذا لا يكون إلا من خلق زكي، ومحبة لله تعالى مقدمة على محبة شهوات النفس ولذاتها.
  • قوله تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، إنَّ فلاح المسلم وفوزه برضى الله -عزَّ وجلَّ- مقترنٌ بالوقاية من شحِّ النفس، حيث إذا وصل المسلم إلى هذه الدرجة فإنَّ نفسه وماله سيهون عليه في سبيل الله -عزَّ وجلَّ- وسبيل مرضاته.

شاهد أيضًا: أسماء المدينة المنورة التي ذكرت في القرآن

سبب نزول قوله تعالى: {وَيُؤْثِرُونَ علَى أنْفُسِهِمْ ولو كانَ بهِمْ خَصَاصَةٌ}

بعد بيان المراد المراد بالذين تبوؤوا الدار، سيتمُّ ذكر سبب نزول الآية الكريمة، حيث وردت عدة أسبابٍ في نزول هذه الآية إلَّا أنَّ أصحها ما رُوي عن أبي هريرة -رضي الله عنه- حيث قال: “أنَّ رَجُلًا أتَى النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَبَعَثَ إلى نِسَائِهِ فَقُلْنَ: ما معنَا إلَّا المَاءُ، فَقالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن يَضُمُّ أوْ يُضِيفُ هذا، فَقالَ رَجُلٌ مِنَ الأنْصَارِ: أنَا، فَانْطَلَقَ به إلى امْرَأَتِهِ، فَقالَ: أكْرِمِي ضَيْفَ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَتْ: ما عِنْدَنَا إلَّا قُوتُ صِبْيَانِي، فَقالَ: هَيِّئِي طَعَامَكِ، وأَصْبِحِي سِرَاجَكِ، ونَوِّمِي صِبْيَانَكِ إذَا أرَادُوا عَشَاءً، فَهَيَّأَتْ طَعَامَهَا، وأَصْبَحَتْ سِرَاجَهَا، ونَوَّمَتْ صِبْيَانَهَا، ثُمَّ قَامَتْ كَأنَّهَا تُصْلِحُ سِرَاجَهَا فأطْفَأَتْهُ، فَجَعَلَا يُرِيَانِهِ أنَّهُما يَأْكُلَانِ، فَبَاتَا طَاوِيَيْنِ، فَلَمَّا أصْبَحَ غَدَا إلى رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: ضَحِكَ اللَّهُ اللَّيْلَةَ، أوْ عَجِبَ، مِن فَعَالِكُما فأنْزَلَ اللَّهُ: {وَيُؤْثِرُونَ علَى أنْفُسِهِمْ ولو كانَ بهِمْ خَصَاصَةٌ ومَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ}”،[5] وقد جاء في بعض الروايات أنَّها نزلت بالصحابي الجليل أبي طلحة.[6]

شاهد أيضًا: سبب نزول سورة آل عمران

الثمرات المستفادة من الآية الكريمة

في ختام مقال المراد بالذين تبوؤوا الدار سيتمُّ ذكر الثمرات المستفادة منها، وحيث أنَّ للقرآن الكريم أهمية بالغة في حياة المسلم، حيث يشمل على التوجيهات التي ترشد المسلم وتساعده على إكمال حياته، لذلك فلا ينبغي للمسلم الاكتفاء بقراءته فحسب، بل عليه فهمه وتدبر معانيه، ومن هذا المنطلق فإنَّه سيتمُّ تدبر قوله تعالى: {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِن قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِّمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ ۚ وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}، لاستخراج واستنباط العبر والثمرات المستفادة منها، وفيما يأتي ذلك:

  • تدلُّ الآية الكريمة على أنَّ المهاجرين أفضل من الأنصار؛ إذ أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- قدمهم بالذكر وأخبر أن الأنصار لا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا، فدل على أن الله تعالى آتاهم ما لم يؤت الأنصار ولا غيرهم، ولأنهم جمعوا بين النصرة والهجرة.
  • أنَّ الأنصار كانوا ييؤثرون المهاجرين على أنفسهم، ويعطونهم رغم حاجتهم، وقد امتدح الله هذه الصفة بهم، وهذا يعلِّم المسلم أهمية التعاون وعدم ردِّ المحتاج.
  • ينبغي للمسلم السعي وراء الوقاية من الشح، لأنَّه إذا وقي العبد شح نفسه، سمحت نفسه بأوامر الله ورسوله، ففعلها طائعا منقادا، منشرحا بها صدره، وسمحت نفسه بترك ما نهى الله عنه، وإن كان محبوبا للنفس، تدعو إليه، وتطلع إليه.

شاهد أيضًا: فضل تلاوة القرآن الكريم

وبذلك نكون قد وصلنا إلى ختام مقال المراد بالذين تبوؤوا الدار والذي تمَّ فيه الحديث عن معنى تفسير القرآن الكريم وأهميته، كما تمَّ بيان المراد بالذين تبوؤوا الدار، وبيان تفسير الآية الكريمة وسبب نزولها والثمرات المستفادة منها.

المراجع

  1. ^ التعريف بالإسلام، مجموعة من المؤلفين، 45 , https://al-maktaba.org/book/144/49 , 11-3-2021
  2. ^ الحشر: 9
  3. ^ quran.ksu.edu.sa , تفسير الطبري , 11-3-2021
  4. ^ quran7m.com , تفسير الآية التاسعة من سورة الحشر , 11-3-2021
  5. ^ صحيح البخاري، البخاري، أبي هريرة، 3798، حديث صحيح
  6. ^ islamweb.net , ويؤثرون على أنفسهم , 11-3-2021
  7. ^ quran7m.com , تفسير الآية التاسعة من سورة الحشر , 11-3-2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *