حكم الزنا لغير المتزوج

حكم الزنا لغير المتزوج

حكم الزنا لغير المتزوج من الأحكام الفقهيّة التي يتوجب على كل مسلمٍ أن يكون على درايةٍ بها، وما هو الحدُّ الذي فرضه الله على مرتكب الزِّنا، هذا ما سيتمُّ الحديث عنه في هذا المقال، بالإضافة إلى أننا سنلقي الضّوء على تعريف الزِّنا شرعًا.

تعريف الزنا شرعا

والزِّنا هو أن يطأ الرّجل المرأة ومن غير أن يكون بينهما عقد شرعي يحلل لهما هذا الأمر، ويعدُّ الزِّنا من الكبائر التي حدّدها الشّرع وباتفاق العلماء، فقد قال تعالى في محكم تنزيله: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلاً}،[1] وهناك من عدّ الزِّنى من المرأة أفحش منه من الرّجل، وذلك لأنّ الآيات في سورة النّور قد بدأت بذكر الزانية قبل أن تذكر الزاني فقد قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ}.[2][3]

ولقد ذهب العلماء إلى أنّ  الزنا من أكبر الآثام وحتّى أعظم من إثم اللواط؛ وذلك لأن الزنا يكثر وقوعه بين طرفي من اعتاده فيعظم الضرر بكثرة الزِّنا وذلك لأنّه يترتب عليه الاختلاط في النّسب، ويتمايز الزِّنا بين أنواعه فبعض الزِّنا أشنع من بعضه الآخر، فمثلًا الزِّنا بذات الرحم أعظم من الزِّنا بأجنبية على بشاعة الذّنبين، والزِّنا بامرأةٍ أجنبيّةٍ فى شهر رمضان المبارك أعظم منه في غيره من الأيام.[3]

شاهد أيضًا: ما هي كبائر الذنوب

حكم الزنا لغير المتزوج

لقد اتّفق العلماء وأئمّة الفقهاء على أنّ من يقوم بذنب الزِّنا فقد ارتكب كبيرةً من الكبائر وعليه وزر كبير، ولكنهم اختلفوا في حكم الزنا لغير المتزوج على قولين اثنين هما كالآتي:[4]

  • القول الأول جمهور الفقهاء: لقد ذهبَ جمهور الفقهاء إلى أنَّ عقوبة الزاني غير المحصن وهو غير المتزوج هي التّضغريب والجلد، وذلك بأن يجلد الزّاني ذكرًا كان أو أنثى مئة جلدةبالإضافة إلى نفيه عامًا كاملًا إلى مسافةٍ قصيرةٍ زهناك من الفقهاء من لم يحدد المسافة القصيرة كشرط، وقد استُدِّل لهذه العقوبة  ما ثبت من حدُِ الزنا لغير المتزوج في الكتاب والسنَّة، فقد قال تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِّنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّـهِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّـهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ}.[2]

أمّا ما ورد في السُّنّة النّبوية من عقوبة الزّاني غير المتزوج بالجلد والتّغريب، ما رواه أبو هريرة رضي الله عنه: “أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- جاءهُ رجلٌ من الأعراب، فسأله عن عقوبة ابنه الزاني -وهو غير محصن- فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “والذي نفسي بيده لأقضين بينكما بكتاب الله: الوليدة والغنم رد، وعلى ابنك جلد مائة وتغريب عام، واغد يا أنيس إلى امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها.”،[5] وهذا الحديث دليل الجمهور على أنَّ التغريب مع الجلد حدٌّ.

  • القول الثّاني للحنفية: ويرى الحنفيّة أنّ حد الزّنا لغير المتزوج  هو الجلد فقط وذلك استنادًا للآية القرآنيّة والتي ورد فيها بأن يجلد الزّاني غير المحصن مئة جلدة،ولا يثبتون النّفي كحكمٍ شرعيّ لأنّهم يقولون بأنّ عموم القرآن لا يُخَصَّصُ بأحاديث فرديّة،وهذا الخلاف مشهور ما بين الحنفيَّة والجمهور، فيمكن القول بأنّه أُجمع على الجلد مئة جلدة للزاني غير المتزوج، بينما النّفي اختُلفَ عليه.

شاهد أيضًا: يجلد الزاني البكر كم جلده

ما حكم الزنا في الإسلام للمتزوج؟

لقد تحدّثنا عن حكم الزنا لغير المتزوج، ومن أجل ذلك سنوضح الآن حكم الزّنا للمتزوج ويُعبَّر عن المتزوج في الفقه الإسلامي بمصطلح المُحْصَن، فالإحصان في الشّريعة الإسلاميّة يعني الاحتماء والتَّحَصًّن من اقتراف الزنا، ومن أجل ذلك الزاني المحصن ستكون عقوبتة أشدّ وأعظم من الزاني غير المحصن، وفي حكم الزّاني المتزوج قولين اثنين هما كالآتي:[4]

  • القول الأول: أنّ عقوبة الزاني المتزوج هي الرجم حتّى الموت وذلك بإجماع الصحابة والتّابعين ومن بعدهم، ولكن يجب الإشارة إلى أنّه أجمع الفقهاء على أن التّحصين بالزواج لا يكون إلا بعد الدخول بالزّوجة، أي أنّ المتزوج الذي لم يدخل بزوجته لا يعدُّ زانيًا مُحصَنًا ولا تكون عقوبته الرجم، بل يكون حكمه حكم الزنا لغير المتزوج، ومن الصّحيح أنّه لم ترد عقوبة الرجم للزاني المتزوج في القرآن الكريم ولكن هذا الحكم قد ثبت في السُّنّة النبويّة، فقد ثَبَتَ من فعل الرّسول -صلى الله عليه وسلم- أنّه رَجَمَ بعض الزُّناة كما ثبت في قصة ماعز والغامدية وغيرهما.
  • القول الثّاني: لقد نفى البعض أن يكون هناك عقوبةً للزاني المُحصَن بالرّجم، وقد احتج أصحاب هذا الرأي إلى ما ذهبوا إليه بأنَّ عقوبة الرجم لم ترد في القرآن الكريم، وأنَّ الرجم الذي قام به رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- إنّما نُسِخَ بآيات الجلد للزاني، إذ جاءت الآيات عامَّة من دون أي تفريقٍ ما بين المحصن وغير المحصن.

شاهد أيضًا: حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا

ما هي آيات تحريم الزنا

ولقد جاء في القرآن الكريم وسوره العديد من الآيات التي تزجر المؤمنين وتبيّن لهم عاقبة الزِّنا وما حكمهم، ومن الآيات ما يأتي:

  • سورة الفرقان: قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانً}.[6]
  • سورة النّساء: قوله تعالى: {وَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلا أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَنَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ فَمِنْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ مِنْ فَتَيَاتِكُمُ الْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِإِيمَانِكُمْ بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ وَلا مُتَّخِذَاتِ أَخْدَانٍ فَإِذَا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ مَا عَلَى الْمُحْصَنَاتِ مِنَ الْعَذَابِ ذَلِكَ لِمَنْ خَشِيَ الْعَنَتَ مِنْكُمْ وَأَنْ تَصْبِرُوا خَيْرٌ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.[7]
  • سورة المؤمنون: قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ}.[8]

أحاديث تحريم الزنا في الإسلام

ولقد ورد في السُّنة النّبويّة العديد من الأحاديث الصّحيحة التي تحرم الزّنا ومن تلك الأحاديث ما يأتي:[9]

  • حديث عبد الله بن مسعود قال: “سَأَلْتُ -أوْ سُئِلَ- رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: أيُّ الذَّنْبِ عِنْدَ اللَّهِ أكْبَرُ، قالَ: أنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وهو خَلَقَكَ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: ثُمَّ أنْ تَقْتُلَ ولَدَكَ خَشْيَةَ أنْ يَطْعَمَ معكَ قُلتُ: ثُمَّ أيٌّ؟ قالَ: أنْ تُزَانِيَ بحَلِيلَةِ جَارِكَ قالَ: ونَزَلَتْ هذِه الآيَةُ تَصْدِيقًا لِقَوْلِ رَسولِ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مع اللَّهِ إلَهًا آخَرَ ولَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتي حَرَّمَ اللَّهُ إلَّا بالحَقِّ ولَا يَزْنُونَ}”.[10]
  • حديث أبو أمامة الباهلي الطّويل: “أنَّ فَتًى شابًّا أتى النَّبيَّ -صلَّى اللَّه عليهِ وعلى آلِهِ وسلَّمَ- فقالَ : يا رسولَ اللَّهِ، إئذَنْ لي بالزِّنا، فأَقبلَ القومُ علَيهِ فزَجروهُ وقالوا: مَهْ. مَهْ.فقالَ: أدنُهْ، فدَنا منهُ قريبًا. قالَ: فجَلسَ قالَ: أتحبُّهُ لأُمِّكَ ؟ قالَ: لا. واللَّهِ جعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لأمَّهاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لابنتِكَ ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لبَناتِهِم. قالَ: أفتُحبُّهُ لأُخْتِكَ ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسول اللَّه جعلَني اللَّهُ فداءَكَ.

وأكمل عليه الصّلاة والسّلام: “قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لأخواتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لعمَّتِكَ ؟ قُل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّه جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لعمَّاتِهِم. قالَ: أفتحبُّهُ لخالتِكَ ؟ قل: لا. واللَّهِ يا رسولَ اللَّهِ جَعلَني اللَّهُ فداءَكَ. قالَ: ولا النَّاسُ يحبُّونَهُ لخالاتِهِم. قالَ: فوَضعَ يدَهُ عليهِ وقالَ: اللَّهمَّ اغفِرْ ذنبَهُ وطَهِّر قلبَهُ ، وحصِّن فَرجَهُ فلم يَكُن بعدُ ذلِكَ الفتَى يَلتَفِتُ إلى شيءٍ”.[11]

بعد أن انتهى مقال حكم الزنا لغير المتزوج وبينّا أن حكمه الذي اجتمع عليه أئمة الفقهاء هو الجلد مئة جلدة، وقد اختلفوا في التّغريب والنّفي، ومن ثمّ عرّجنا على حكم الزّنا في الإسلام للمحصن المتزوج، وأدرجنا بعض الآيات والأحاديث عن حرمانيّة الزّنا.

المراجع

  1. ^ الإسراء , آية 32
  2. ^ النور , آية 9
  3. ^ islamway.net , لا تقربوا - [13] الزنا , 18-05-2021
  4. ^ alukah.net , حد الزنا في الفقه الإسلامي , 18-05-2021
  5. ^ صحيح مسلم , مسلم، أبو هريرة، 1697، صحيح
  6. ^ الفرقان , آية 68-69
  7. ^ النساء , آية 7
  8. ^ المؤمنون , آية5-7
  9. ^ islamweb.net , أحاديث نبوية في تحريم الزنا , 18-05-2021
  10. ^ صحيح البخاري , البخاري، عبد الله بن مسعود، 4761، صحيح.
  11. ^ الصحيح المسند , الوادعي، أبو أمامة الباهلي، 501، صحيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *