حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا

حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا

حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا هو عنوان هذا المقال، ومن المعلوم أن الله -عز وجل- شرع للمسلم الزواج لتحصين نفسه وإعفافها، حيث قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “يا مَعْشَرَ الشَّبَابِ، مَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمُ البَاءَةَ فَلْيَتَزَوَّجْ، ومَن لَمْ يَسْتَطِعْ فَعليه بالصَّوْمِ؛ فإنَّه له وِجَاءٌ”،[1] ومن هذا المنطلق سيتمُّ تخصيص هذا المقال للحديث عن حكم الزواج، ثمَّ سيتمُّ بيان حكم الزواج في حقِّ من خاف على نفسه الزنا، وبعض المسائل المتعلقة في ذلك، وفي الختام سيتم بيان عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة.

حكم الزواج

قبل بيان حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا، سيتمُّ بيان حكم الزواج أولًا، إنَّ الزواج باصطلاح أهل العلم، هو عبارة عن عقدٍ بين رجلٍ وامرأة يُقصد به استمتاع كلٍّ منهما بالآخر وتكوين أسرة صالحة ومجتمعٍ سليم، أمَّا حكم الزواج فيختلف باختلاف حال الشخص وقدرته المالية والجسمية واستعداده لتحمُّل مسؤولياته، وبناءً على ذلك فإنَّ الزواج يأخذ الأحكام الخمسة؛ وفيما يأتي تفصيل ذلك:[2]

  • الوجوب: يكون الزواج واجبًا في حقِّ من خاف على نفسه الوقوع في المحظور، ولا فرق في ذلك بين الغني والفقير؛ لأنَّ الله -عزَّ وجلَّ- وعد من تزوج بالغنى ودليل ذلك قوله تعالى: {وَأَنْكِحُوا الْأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}.[3]
  • الاستحباب: يستحبُّ للمسلم عند وجود الشهوة مع عدم خوفه من الوقوع في المحظور؛ لاشتمال ذلك على مصالح كثيرة، حتى أنَّ بعض العلماء قالوا بأنَّ اشتغال المسلم بالزواج في هذه الحالة أولى له من اشتغاله في نوافل العبادات.
  • الإباحة: يأخذ الزواج حكم الإباحة في حقِّ من لا شهوة لديه ولا ميل له بالزواج، بشرط رضا الزوجة في ذلك؛ حيث مقاصد الزواج لا تدور حول الوطر وقضاء الشهوة فحسب، بل من أغراضه ومقاصده أيضًا حصول الأنس والمودة والرحمة والسكنى بين الزوجين.
  • الكراهة: يكره النكاح للمسلم الذي لا شهوة لديه ولا ميل له بالزواج، عند عدم إعلام الزوجة ذلك عدم ورضاها به؛ إذ أنَّه في هذه الحالة يفوِّت على المرأة غرضًا من أغراض الزواج الصحيحة.
  • الحرمة: يكون الزواج حرامًا في حقِّ المسلم الذي يقطن في دار الكفار الحربيبن؛ لما في ذلك من تعريضٍ لذريته للخطر واستيلاء الكفار عليهم، ولعدم أمانه على زوجته عندهم.

شاهد أيضًا: هل يجوز الزواج من أهل الكتاب

حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا

بناءً على ما سبق من بيانٍ لحكم الزواج، فإنَّ زواج من يخاف على نفسه الوقوع في الزنا يعدُّ واجبًا عليه، وقد قال الماوردي في الجزء الثامن من كتابه الإنصاف: “مَنْ خَافَ الْعَنَتَ . فَالنِّكَاحُ فِي حَقِّ هَذَا : وَاجِبٌ ؛ قَوْلا وَاحِدًا ، و الْعَنَتُ هُنَا : هُوَ الزِّنَا . عَلَى الصَّحِيحِ . وَ قِيلَ : هُوَ الْهَلاكُ بِالزِّنَا”،[4] وفيما يأتي بعض الأحكام الخاصة في زواج من وقع بالزنا:

حكم زواج من وقع في الزنا

إذا تاب الزاني من الزنا توبةً نصوحة تاب الله عليه، وارتفع عنه وصف الزنا ولا يعدُّ داخلًا في النهي الوارد في قوله تعالى: {الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إِلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ}،[5] وبناءً على ذلك فإنَّ من وقع في الزنا ثمَّ تاب عنه يجوز له الزواج من المرأة العفيفة الطاهرة.[6]

حكم زواج الزاني بمن زنا بها

ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية والشافعية إلى جواز زواج الرجل بمن زنا بها، ودليلهم في ذلك قوله تعالى بعد ذكر المحرمات من النساء: {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ}،[7] كما أنَّ الحكمة تقتضي جواز الزواج بمن زنا منها حتى لا يكون الحرام سببًا في إغلاق باب الحلال، وحتى لا يكون تحريم ذلك سببًا في زيادة الفجور والفساد حين يعلم الزاني أنَّه لا يحلُّ له الزواج بعد ذلك، ولا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ هناك شرطين لجواز زواج الزاني بمن زنا بها، وهما:[8]

  • استبراء رحم المرأة من الحمل، وانقضاء عندتها بعد الزنا عند المالكية.
  • توبة الزانية من الزنا توبةً نصوحة، فإذا علم الرجل بأنَّ هذه المرأة ما زالت تفعل هذا الجرم العظيم، فصارحها ونصحها ولم تتب ولم ترتدع فيجب عليه الامتناع عن زواجه منها أو طلاقها إن تزوجها كي لا يدنس عرضه وذريته.

عقوبة الزنا

في ختام مقال حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا، سيتمُّ بيان عقولة الزنا، حيث إنَّ الزنا كبيرة من كبائر الذنوب، وقد قرن الله -عزَّ وجلّ- الوعيد عليه بالوعيد على الشرك وقتل النفس، حيث قال تعالى: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهاً آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَاناً}،[9] وقد أعدَّ الله -عزَّ وجلَّ- للزاني والزانية عقوبةً في الدنيا وعقوبةً في الآخرة، وفيما يأتي بيان ذلك:[10]

شاهد أيضا: ما هي كبائر الذنوب

العقوبة الدنيوية

إنَّ عقوبة الزاني في الدنيا إذا ثبت زناه عند الحاكم المسلم أن يقام عليه الحد، وهو جلد مائة للزاني البكر وتغريبه من بلده عاماً، وأما الزاني المحصن (الذي سبق له وطء زوجته في زواج صحيح) فإنه يرجم بالحجارة حتى يموت، ويستوي في هذا الحد الرجل والمرأة، قال الله تعالى: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَاليَوْمِ الآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ المُؤْمِنِينَ}،[11] وقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “البِكرُ بالبِكرِ ؛ جَلدُ مِائةٍ ، و نَفْيُ سَنةٍ ، و الثَّيِّبُ بالثَّيِّبِ ، جَلدُ مائةٍ و الرَّجْمُ”.[12]

شاهد أيضا: يجلد الزاني البكرة كم جلدة

العقوبة الآخروية

أمَّا الزناة إذا لم يتوبوا في الحياة الدنيا وماتوا على هذا الذنب العظيم فإنَّهم يُحشرون عراةً في تنورٍ ويأتيهم اللهب من أسفلهم،  وهذا عذابهم في البرزخ حتى تقوم الساعة، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “فأتَيْنا علَى مِثْلِ التَّنُّورِ – قالَ: فأحْسِبُ أنَّه كانَ يقولُ – فإذا فيه لَغَطٌ وأَصْواتٌ قالَ: فاطَّلَعْنا فِيهِ، فإذا فيه رِجالٌ ونِساءٌ عُراةٌ، وإذا هُمْ يَأْتِيهِمْ لَهَبٌ مِن أسْفَلَ منهمْ، فإذا أتاهُمْ ذلكَ اللَّهَبُ ضَوْضَوْا قالَ: قُلتُ لهما: ما هَؤُلاءِ؟…. وأَمَّا الرِّجَالُ والنِّسَاءُ العُرَاةُ الَّذِينَ في مِثْلِ بنَاءِ التَّنُّورِ، فإنَّهُمُ الزُّنَاةُ والزَّوَانِي”.[13]

وبذلك نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حكم زواج من يخاف على نفسه الزنا، والذي تم فيه بيان حكم الزواج، كما تم بيان حكم زواج من خشي وقوعه في الزنا، وبعض المسائل المتعلقة في ذلك، كما تم بيان عقوبة الزنا في الدنيا والآخرة.

المراجع

  1. ^ صحيح البخاري، البخاري، عبدالله بن مسعود، 5065، حديث صحيح
  2. ^ alukah.net , حكم الزواج وأهميته , 16-3-2021
  3. ^ saaid.net , حكم الزواج و كيف يفعل من منع منه , 16-3-2021
  4. ^ النور: 3
  5. ^ islamqa.info , وقع في الزنا ثم تاب ، فهل يجوز له الزواج من امرأة عفيفة؟ , 16-3-2021
  6. ^ النساء: 24
  7. ^ aliftaa.jo , حكم زواج الزاني من المرأة التي زنا بها , 16-3-2021
  8. ^ الفرقان: 68
  9. ^ islamweb.net , عقوبة الزاني في الدنيا والآخرة , 16-3-2021
  10. ^ النور: 2
  11. ^ صحيح الجامع، الألباني، عبادة ين الصامت، 3215، حديث صحيح
  12. ^ صحيح البخاري، البخاري، سمرة بن جندب، 7074، حديث صحيح

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *