حكم المسح على الخفين والجوربين

حكم المسح على الخفين والجوربين هو الموضوع الّذي سيتناوله هذا المقال، لدين الإسلام سماتٌ ومميّزاتٌ تبقيه في منزلةٍ مختلفةٍ جداً وعاليةٍ عن باقي الدّيانات السّماويّة وهي الّتي تبقيه قائماً مستمرّاً حتّى هذا اليوم، ومن أهمّ هذه السّمات السّماحة واليسر واللّين الّذي يتمتّع به هذا الدّين الحنيف فدين الإسلام مرنٌ في الأمور الّتي يشرّعها للعباد، والله جلّ وعلا رحيمٌ بعباده لم يأمرهم بما يشقّ ويصعب عليهم فراعى سبحانه وتعالى حاجات عباده ومدى قدرتهم فلم يُحمّلهم ما لا يطيقون وكلّف كلّ عبدٍ حسب طاقته،  أمّا هذا اليسر والمرونة في شرع الله فهي من أسمى غاياته وقد ذُكر ذلك في عدّة مواضع من القرآن الكريم ولأنّها أساس كلّ أمرٍ شرعيّ كلّف الله تعالى به عباده، وهذا الأمر كان سبباً هامّاً في إقبال الكثير من النّاس على دين الإسلام ودخوله عن قناعةٍ وإيمانٍ تامّين.[1]

الفرق بين الخف و الجورب

قبل الخوض في بيان حكم المسح على الخفين الوجوربين يتردّد سؤالٌ بين المسلمين إن كانت أحكام المسح على الخفّين تختلف عن أحكام المسح على الجوربين وما الفرق بينهما، فإنّ الخفّ  هو ما يُصنع من الجلد الرّقيق له نعلٌ ويستر الكعبين والكاحلين أمّا الجورب فهو ما يُصنع من الصّوف أو القطن أو القماش منه ما يكون ساتراً للقدم كاملةً حتى الكعبين ومنه ما لا يصل للكعبين وليس له نعل كالخفّ  لكنّ مسألة اختلاف الأحكام فقد اختلف فيها أهل العلم فمنهم من يقول أنّ الخفّ والجورب لهما نفس الأحكام ومنهم من يقول بخلاف ذلك وأنّ لكلٍّ منهما حكمٌ مختلفٌ عن الآخر والله ورسوله أعلم.[2]

حكم المسح على الخفين والجوربين

إنّ حكم المسح على الخفين والجوربين كما أوضحه أهل العلم هو جائزٌ في أصل الشّرع وقد ثَبُت ذلك عن النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وعن أصحابه من بعده رضوان الله عليهم أجمعين، قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:” إذا توضأَ أحدُكم ولبس خفَّيْهِ فليُصلِّ فيهما وليمسح عليْهِما ما لم يخلَعْهُما إلا من جنابةٍ”،[3] فالمسح على الجوربين والخفين صحيحٌ لكن بشروطٍ وأحكامٍ على المسلم أن يلتزم بها وألّا يحيد عنها لكي يصحّ وضوءه فالمسح جائزٌ بكلّ الأوقات إلّا عند الغسل من الجنابة  كما ورد في حديث النّبيّ عليه الصّلاة والسّلام وكذلك عند الغسل من الحيض والنّفاس لا يجوز المسح ولا يصحّ والله ورسوله أعلم.[4]

تعريف المسح

بعد بيان حكم المسح على الخفين والجوربين قد يجول في خاطر البعض عن ماهيّة المسح، والمسح هو تمرير راحة اليد المبلّلة أي باطنها وهي مبسوطةٌ على الشّيء المراد مسحه وهذا تعريفه بشكلٍ عامٍّ، أمّا تعريف المسح على الخفين والجوربين فهو أن تمرّر راحة اليد المبلّلة بالماء على الخفين أو الجوربين بدل غسلهما وله وقتٌ شرعيٌّ محدّدٌ، حيث تكون اليد مبلّلة دون الحاجة لماءٍ يسيل منها فيمسح بها على الجوربين أو الخفين عند الوضوء كما صحّ عن النّبيّ صلّى الله عليه وسلّم وعن صحابته الكرام.[5]

شروط المسح على الجوارب

والمسح على الجوربين جائزٌ صحيح ٌإذا توافرت فيهما الشّروط التّالية والّتي هي:[6]

• أوّلاً على المسلم كان رجلاً أو امرأة أن يلبس جوربيه على طهارةٍ أي عليه بالوضوء أوّلاً ثمّ لبسهما وما بعد ذلك من أوقات الوضوء يمسح عليهما مسحاً.
• ثانياً أن يلتزم المسلم بالمدّة المحدّدة شرعاً للمسح على الجوربين.
• ثالثاً يجب أن يكون الجوربين لا يشفّان بل سميكان ساتران للقدم.

ونفس هذه الشّروط تنطبق على الخفّ فإن تواجدت هذه الشّروط صحّ المسح على الخف والجورب أمّا إذا اختّل شرطٌ واحدٌ منها فلا يصحّ ولا يجوز المسح.

مدة المسح وكيفيتها

ورد عن رسول الله صلّى الله عليه وسلّم أحاديثه الّتي تناولت مسألة المسح على الخفين فإنّ مدة المسح على الخفين والجوربين في أوقات الوضوء تدوم يوماً وليلةً للمقيم أي الجالس في بيته أو عمله وتكون ثلاثة أيّامٍ كاملةٍ بلياليها للمسافر وبصورةٍ أوضح فإنّ المقيم يجوز له المسح لمدّة أربعٍ وعشرينَ ساعةً أمّا المسافر فمدّة جوازه تكون اثنين وسبعين ساعةً شرط أن لا يكون جُنُباً خلال هذا الوقت فالجنابة يلزمها الغسل ولا يصحّ المسح فيها، ولتوضيح كيفية المسح على الخف والجورب فوجب على من يقصد المسح على جوربيه أو خفيه أن يكون قد لبسهما على طهارةٍ فهذا شرطٌ من شروط المسح  ومن المستحبّ بالسّنّة النّبويّة الشّريفة أن يبدأ المسلم بالرِّجل اليمنى فيمسحها بيده  اليمنى ثمّ يمسح الرِّجل اليسرى ولا حرج أن يمسح  الاثنتين بيمينه أو أن يمسح الرِّجل اليمنى باليد اليمنى والرِّجل اليسرى باليد اليسرى والله اعلم.[7]

مبطلات المسح على الخفين والجوربين

للمسح على الخفين والجوربين نواقضٌ ومبطلاتٌ، وأوّلها أن تنتهي المدّة الشّرعيّة المحدّدة للمسح  والّتي هي كما ذُكر سابقاً ثلاثة أيّامٍ بلياليها للمسافر ويومٌ وليلةٌ للمقيم، أمّا النّاقض الثّاني فهو الجنابة والّتي تستوجب الغسل وبذلك يجب خلع الخفّ أو الجورب وغسل القدمين، والنّاقض الثّالث والأخير هو نزع الخفّ أو الجورب خلال المدّة المحدّدة للمسح كخلعهما للرّاحة ليلاً أو تبديلهما ولكن في هذه خلافٌ بين أهل العلم إن كان يبطل المسح أم لا والله ورسوله أعلم.[8]

هل يجوز المسح على الجوارب بدون عذر

لم يرد عن الرّسول عليه الصّلاة والسّلام أنّه ربط المسح على الخفين والجوربين بأيّ عذرٍ ولم يكن مشروطاً ببردٍ أو مرضٍ ومإ إلى ذلك من أعذارٍ قد تخفّف و تسهّل من الأحكام الشّرعيّة بل كان جوازه مطلقاً وفي أيّ وقت ولكن كان لا بدّ من عدم اختلال أيّ شرطٍ من شروط المسح على الجوربين والخفين الّتي ذكرت فيما سبق، لكن في مذهب مالك قد قالوا أنّه لا يجوز المسح إلّا لوجود حاجةٍ وضرورة.[9]

الحكمة من مشروعية المسح على الخفين والجوربين

إنّ دين الإسلام دين يسرٍ لا دين عسرٍ فيه الكثير من التّسهيلات في تفاصيل العبادات لكي لا يحمل العبد أكثر من طاقته وهذه السّمة يتّفرد بها دين الإسلام عن غيره من الدّيانات، وشرّع الله في سنن نبيّه عليه الصّلاة والسّلام المسح على الخفين والجوربين لحكمةٍ ألا وهي التّخفيف والتّسهيل على الّذين يستصعبون غسل القدمين عند الوضوء كالمرضى وخصوصاً في فصل الشّتاء والبرد، كذلك سهّل على المسافرين من أن يخلعوا نعالهم كلّما أرادوا الوضوء فيشقّ عليهم فأمر بالمسح مع التزام الشّروط ليصحّ فعلهم وعملهم والله الميسّر والمعين.[10]

حكم المسح على الخفين والجوربين مقالٌ تحدّث عن دين الإسلام واليسر والمرونة الّتي يتّسم بها ويتميّز بها عن باقي الدّيانات كما تحدّث عن الفرق بين الخف والجورب، كذلك ذكر حكم المسح على الخفين والجوربين وما جاء فيه من أحاديث نبويّةٍ شريفةٍ وتمّ الحديث فيه عن تعريف المسح وشروط المسح على الجوارب وأيضاً جاء فيه مدة المسح وكيفيتها، وقد ذكر أيضاً مبطلات المسح على الخفين والجوربين وهل يجوز المسح على الجوربين والخفين بدون عذر والحكمة من مشروعية المسح على الخفين والجوربين.