ماهو القاتل الأسود

ماهو القاتل الأسود

ماهو القاتل الأسود ؟ قد يتبادر إلى الذهن للوهلة الأُولى بأنّ هذا  العنوان له دلالته المرعبة، فلربما يعود هذا اللقب إلى التعريف بقاتلٍ مأجور، أسود الفِعال والخصال، شديد البأس والشكيمة، متغطرس، إلّا أنّه في حقيقة الأمر لقب بعيد كلّ البعد عن هذه الفكرة، فهو من عمل الطبيعة وليس للبشر أيّ دورٍ فيه.

ماهو القاتل الأسود

القاتل الأسود هو عبارةٌ عن ظاهرةٍ مناخيّةٍ تتعلّق بالطقس، وهي ظاهرةٌ طبيعيّةٌ تتمثّل بموجة الصقيع القارس، وتحدث نتيجة التدنيّ الكبير في درجات الحرارة إلى ما دون الصفر المئوية، وهي درجة التجمّد، وبالتّالي تؤدي إلى تجمّد الماء على الأسطح، وهذه الظاهرة غالباً ما تُلاحظ في فصل الشّتاء، وهي أكثر انتشاراً في كلّ العالم من ظاهرة تساقط الثلوج، حتّى أنّها قد تطال البلدان المرتفعة الحرارة، ويمكن لهذه الظاهرة أن تأتي في أواسط وأواخر فصل الرّبيع أو أوائل فصلَيّ الخريف والصيف، إلّا أنّ نتائجها تكون كارثيّة بالنسبة للأراضي الزراعيّة، وعلى وجه الخصوص حين تكون قد بدأت في موسم النموّ والازهار، فتؤدّي لخسائرَ فادحة سواء في المحاصيل الزراعيّة أو في الشتول.[1]

القاتل الأسود وأنواعه

للقاتل الأسود (الصقيع) أنواع كثيرة تعود لعدّة عوامل، كالموقع الجغرافيّ، والتضاريس، ونوعيّة الأرض والتربة المتوفرة وتركيبها، وسرعة الرياح وشدّتها وخصائصها، كالهواء الرّطب أو الجاف، ونذكر منها:

  • الصقيع المتنقّل: وهو الذي يحدث نتيجة تقدّم الكتل الهوائيّة الباردة القطبيّة المنشأ في غير فصل الشتاء، فتتدنّى درجات الحرارة بشكلٍ ملحوظ، وقد تستمر على امتداد يوم بأكمله، أو قد تستمر لعدّة أيّام.
  • الصقيع الإشعاعيّ: ويحدث هذا النوع بفعل برودة القشرة الأرضيّة السطحيّة الرقيقة، وذلك نتيجة تماسها مع إشعاع سطح الأرض، الذي ينتج عن حرارة الهواء في الطبقات الجويّة القريبة من سطح الأرض في أيام الصحو عديمة الغيوم. [1]
  • الصقيع التنقّلي الإشعاعيّ: وتنتج هذه الظاهرة في أواخر فصل الربيع وبداية الصيف في بعض المناطق من العالم، وذلك بسبب تقدّم كتلة هوائيّة باردة، يُصاحبها تبريد في فترة اللّيل في الطبقات العُليا من سطح الأرض، ويكون أقصاها قبل شروق الشّمس، حيث تحتفظ الحرارة بأدنى انخفاض لها على مستوى اليوم. وتتجلّى هذه الظاهرة بتجمّد الماء على النباتات وسوقها وأوراقها، وتُسمّى هذه الحالة بالصقيع المُستمر أو المبطّن. [2]
  • هور الصقيع: ويندرج تحت هذا المسمّى كلّ من صقيع النوافذ والأسطح ووسائط النقل والمنشآت، وصقيع الأزهار، الذي يتميّز بتشكيلاتٍ زخرفيّةٍ متجمّدةٍ من الماء، وقد يتجلّى بتكوّن طبقة رقيقة من الثلج الأبيض الخفيف بكثافةٍ رقيقة، ويُطلق عليها في بعض المناطق اسم (الريم).

الأماكن الأكثر عرضة لظاهرة القاتل الأسود

من المُلاحظ أنّ ظاهرة القاتل الأسود أكثر مشاهدة في مناطق الهضاب والمُنحدرات الجبليّة المواجهة للتيارات الهوائيّة الباردة، التي هي من أكثر الأماكن المعرّضة لحدوث ظاهرة الصقيع الإشعاعيّ والإشعاعيّ التنقليّ أكثر من مناطق السفوح الجبليّة، وكذلك التضاريس بحسب شكلها ومواجهتها وملامستها لهذه التيارات الباردة، كالأراضي المنخفضة المعزولة، وكذلك هو الأمر في البحيرات والمسطّحات المائيّة المكشوفة ذات الرطوبة العالية، ومنعكسات الحرارة ومستوى الإشعاع فيها، الذي قد يكون معدوماً في بعض الفترات، وهنا يمكن أن يحدث الصقيع حتّى على شواطئ البحار مثلاً، وقد تكون فترته طويلة. [2]

القاتل الأسود وأضراره على الغطاء النباتي

لا شكّ في أنّ النباتات هي المتضرّر الأكبر نتيجة موجات الصقيع، لذلك عمد الباحثون والمهتمّون إلى تصنيف النباتات، وحصروها ضمن خمس زمر من حيث أنواعها وطبيعتها، وبحسب مقاومة كلّ منها لموجات الصقيع ومناطق زراعتها:

  • الزمرة الأولى: النباتات المقاومة للصقيع أو الأكثر تحملاً لموجاته، وهي النباتات التي تمتلك خاصيّة تحمّل البرودة لفتراتٍ قصيرة من درجة حرارة تتراوح بين 7 سيلزيوس إلى 10 سيلزيوس، كنبات القمح والشعير في طور تشكّل السنابل حتّى درجتي 3 و4 سيلزيوس تحت الصفر، وكذلك الأمر ينطبق على بعض الأشجار المثمرة، والتي تُعتبر من الزراعات الشتويّة. [1]
  • الزمرة الثانية: وتشمل النباتات التي تتحمّل درجات الصقيع في مراحلها الأُولى من النمو، في الوقت الذي تكون فيه الحرارة بين 5 إلى 7 درجات سيلزيوس تحت الصفر، وعند مرحلة الإزهار من 2 إلى 3 درجة سيلزيوس تحت الصفر، ومثالاً عنها النباتات الدرنية كالشوندر والجزر، وغيرها.
  • الزمرة الثالثة: كفول الصويا والفجل الذي تكون حساسيّته متوسّطة تجاه الصقيع في مرحلة النموّ الأُولى، عند درجة حرارة 3 إلى 4 سيلزيوس تحت الصفر، وعند الإزهار من درجة 1 إلى 2 سيلزيوس تحت الصفر.
  • الزمرة الرّابعة: وتشمل هذه الزمرة النباتات قليلة التحمّل لموجات الصقيع، كالتبغ والبطاطا التي تتأثر بحرارة 2 سيلزيوس تحت الصفر، وفي مرحلة إزهارها بدرجة 1 سيلزيوس.
  • الزمرة الخامسة: وتندرج تحت هذه الزمرة النباتات غير القادرة على تحمّل الصقيع، وهي زمرة غنيّة بالأنواع النباتيّة التي تتميّز بتكيّفها مع الأجواء الدافئة، كالأرز والفاصولياء والسمسم والقطن والفستق، وهي تتأثّر بحرارة قدرها 0.5 تحت الصفر. [2]

طرق مكافحة الصقيع

حين تبدأ عتبة الحرارة بتأثيرها السلبيّ على النباتات، وهي ما يُسمى بالطّور الحرج للحرارة، يلجأ المزارعون للحدّ من أضرار الصقيع إلى عدّة إجراءات منها:

  • تغطية المزروعات بالبلاستيك الشفّاف، الذي يعمل كسطحٍ عاكس لأشعة الشّمس، ويحبس الحرارة، وهذه الطريقة متّبعة في المحاصيل المزروعة في البيوت البلاستيكيّة.
  • تسخين الهواء المفتوح: وذلك بإشعال الوقود بمواقدَ حراريّة توزّع في الأراضي الزراعيّة ضمن مساحة تُقدّر بهكتارٍ واحد، وعددها حوالي خمسمئة موقد على أقلّ تقدير، وتعمل على تدفئة المزروعات والأشجار والهواء الذي يحيط بها. [1]
  • التدخين: وهي من الطرق البدائيّة والمعروفة منذ القِدَم، والمتبّعة في مثل هذه الظروف من الصقيع الإشعاعيّ، حيث يتمّ إشعال الوقود المخلوط ببقايا النباتات والنفايات، فينتج عن عمليّة الاحتراق هذه دخان ينبعث في الجوّ ويعلق فيه، ويؤدي لتكاثف بخار الماء المولّد للحرارة المُصاحبة لشروق الشّمس، ولهذه الآليّة فائدة كُبرى وناجعة، إذ تؤدّي إلى حماية النبات وأجزائه من التلف، وذلك بفعل تسخين سطح الورقة، مما يحميها من الصقيع وأضراره. [1]
  • السقاية: ويلجأ إليها المزارع قُبَيل حدوث الصقيع، حيث يعمل النبات -بعد أن يُروى بالماء- على تسريع عمليّة التكاثف وتدفئة الجوّ وذلك برفع حرارته ورفع حرارة الندى ذاتيّاً.
  • الضباب الصناعيّ: ويمكن إحداثه صناعيّاً لما فيه من فائدة لدوره الكبير في احتباس الحرارة في البيئة المُحيطة بالنبات.
  • استخدام المراوح: وقد يلجأ المزارعون لهذه الآليّة في الأراضي الزراعيّة في فترة اللّيل، حيث تعمل المراوح على رفع الهواء السفليّ البارد المُلامس لسطح الأرض نحو الأعلى، وفي الوقت ذاته تقوم بمزجه بالهواء الدافئ العلويّ. ولعمل هذه المراوح فائدة كبيرة في اعتدال حرارة الهواء والحدّ من تأثيرات الصقيع، والتخفيف من شدّته ومن مخاطره. [2]

ولأن القاتل الأسود (الصقيع) بكل أنواعه وأشكاله، هو ظاهرةٌ مناخيّةٌ طبيعيّةٌ متكرّرةٌ، ودائمة الحدوث مهما اختلفت الفصول، ولا توجد منطقة بمنأى عنها وعن تأثيراتها، لا بدّ من الانتباه إلى ضرورة دراسة الأراضي المُراد استصلاحها وقابليّة زراعتها ومعرفة الصعوبات والمُشكلات التي قد تواجه المُزارع، وانتقاء النباتات المُقاومة لموجات الصقيع، والبيئات المُناسبة لها، واتّخاذ الحيطة، واتخاذ الإجراءات التدابير اللازمة والاحترازيّة التي من شأنها حماية المحاصيل الزراعيّة لتجنب الخسائر التي يتكبّدها المزارعين في كلّ عام بسبب الصقيع، وحصرها قدر الإمكان لو حصلت في أدنى الحدود.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *