هل المنتحر يخلد في النار

هل المنتحر يخلد في النار

هل المنتحر يخلد في النار سؤالٌ قد يراود خاطر البعض، وذلك لكثر أعداد المنتحرين وتزايد حالات الانتحار في مختلف المجتمعات، والتي يُسبّبها حالات الإكتئاب والإحباط التي تُصيب النّاس، والسّبب الأهمّ والرّئيس هو ضعف الإيمان بالله والابتعاد عن توحيده، وقد يضع البعض الظّروف الصّعبة حجّةً للمنتحرين وسبباً لهم، ومنهم من يتّهمهم بالكفر والخلود في عذاب جهنّم،  لذلك سيقوم موقع محتويات بالإجابة على سؤال هل المنتحر يخلد في النار مع توضيح بعض الأحكام بخصوص المنتحر.

هل المنتحر يخلد في النار

كما ورد عن أهل العلم أنّ المنتحر لا يخلد في النّار إلا من كفر بالله والمنتحر آثم لكنّه بانتحاره لم يكفر بالله فهو لا يخلد في النّار، فأجمع أهل العلم أنّ المنتحر لا يكفر كفراً مُخرجاً من الملّة، وهو لا يستحقّ بانتحاره أن يخلد في نار جهنّم، إلا إن جاء بما ينقض إسلامه من قولٍ  أو فعل، وفعله وارتكابه للذّنوب والمعاصي يأثم لفعلها ويُعاقب عليها، والقاتل نفسه يستحقّ الوعيد في النّار لأنّه ارتكب اثماً حرّمه الله تعالى بقوله: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا}.[1] وقد جاء العقاب والوعيد لمن يفعل ذلك على لسان أطهر الخلق فيما رواه الصّحابي الجليل أبو هريرة -رضي الله عنه- عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من قتلَ نفسهُ بحديدةٍ فحديدتُهُ في يدِهِ يَجَأ بها في بطنِهُ في نارِ جهنمَ خالدا مُخلّدا فيها أبدا ، ومن قتلَ نفسهُ بِسُمّ فسُمّهُ في يدهِ يتحسّاهُ في نارِ جهنمَ خالدا مُخلّدا فيها أبدا ، ومن تردّى من جبلٍ فقتلَ نفسهُ فهو يتردّى في نارِ جهنم خالدا مُخلدا فيها أبدا”.[2] لكن ما ورد عن أهل العلم أنّ المسلم إذا لقي الله بكلّ ذنبٍ عدا الشّرك الأكبر، فإنّ كلّ الذّنوب قابلةٌ للعفو إن شاء الله تعالى، وقتل النّفس من الأمور التي تدخل فيما يمكن أن يغفره الله، فقاتل نفسه يُغسّل ويُكفّن ويُصلّى عليه ويُدفن في مقابر المسلمين، ولو كان كافراً مخلّداً في النّار لما أمر النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بذلك له، لكن ذلك لا يعني أنّ قتل النّفس أمرٌ عاديّ بل هو ذنبٌ عظيم، وعذابه كبير لما فيه من انتهاك حرمة النّفس التي هي أمانةٌ من الله بأيدي العباد، فلا يحلّ لأيّ أحد أن يقتل  نفسه أبداً.[3]

المنتحر يرحمه الرحمن؟

بعد معرفة إجابة هل المنتحر يخلد في النار سيتمّ التعرف على إجابة هل المنتحر يرحمه الله؟  فكما ورد أنّ المسلم الذي يقتل نفسه لا يخرج عن الإسلام، لكنّه ارتكب إثماً  عظيماً، ولكنّه بارتكابه هذا الذّنب يبقى في الإسلام، ويظلّ تحت مشيئة الله ورحمته، ويرجى له الرّحمة والمغفرة، ومن دليل ذلك ما رواه جابر ابن عبد الله: “فَلَمَّا هاجَرَ النبيُّ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ إلى المَدِينَةِ، هاجَرَ إلَيْهِ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو وهاجَرَ معهُ رَجُلٌ مِن قَوْمِهِ، فاجْتَوَوُا المَدِينَةَ، فَمَرِضَ، فَجَزِعَ، فأخَذَ مَشاقِصَ له، فَقَطَعَ بها بَراجِمَهُ، فَشَخَبَتْ يَداهُ حتَّى ماتَ، فَرَآهُ الطُّفَيْلُ بنُ عَمْرٍو في مَنامِهِ، فَرَآهُ وهَيْئَتُهُ حَسَنَةٌ، ورَآهُ مُغَطِّيًا يَدَيْهِ، فقالَ له: ما صَنَعَ بكَ رَبُّكَ؟ فقالَ: غَفَرَ لي بهِجْرَتي إلى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ: ما لي أراكَ مُغَطِّيًا يَدَيْكَ؟ قالَ: قيلَ لِي: لَنْ نُصْلِحَ مِنْكَ ما أفْسَدْتَ، فَقَصَّها الطُّفَيْلُ علَى رَسولِ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ، فقالَ رَسولُ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ: اللَّهُمَّ ولِيَدَيْهِ فاغْفِرْ”.[4] لذلك فإنّ الله -سبحانه وتعالى- يرحم من عباده المسلمين من شاء ويُدخلهم برحمته، وقد يكون منهم مُنتحراً إذا لم يأتِ بفعلٍ يُخرجه من الإسلام، فالله واسع المغفرة.[5]

شاهد أيضًا: حكم الانتحار في الاسلام وعقوبة المنتحر في الآخرة

عقاب المنتحر في القبر

إنّ حياة القبر هي حياة البرزخ، وهي المدّة التي يقضيها الإنسان في قبره بين الدّارين الأولى والآخرة، وهذه الحياة إمّا أن تكون نعيماً مقيم أو عذاباً مُهين، والقبر إمّا أن يكون روضةً من رياض الجنة أو حفرة من حفر النّار، وبعد بيان هل المنتحر يخلد في النار لا بدّ من بيان عقاب المنتحر في القبر، حيث لم يرد في الكتاب والسّنة ما يخصّ المنتحر بعقابٍ في القبر، لكن كلّ ما ورد هو توضيحٌ لعذاب القبر وأنّ كلّ بني آدم في القبر يرى مقعده في الجنّة أو النّار، فكما ورد عن أهل العلم أنّ الإنسان إن كان كافراً فإنّه لا نعيم له في قبره أبداً، ويكون عذابه مستمرّاً على الدّوام، وإن كان مسلماً ولكنه عاصٍ لله،  فإنّ الله يُعذّبه في قبره بقدر ذنوبه والله ورسوله أعلم.[6]

هل المنتحر مكتوبٌ له أن يموت منتحراً

إنّ كلّ ما في الكون مكتوبٌ ومقدّرٌ من الله -سبحانه وتعالى- ويشمل ذلك كلّ ما يقوم به الإنسان من حركاتٍ وأفكارٍ واختيارات، وعمله من خيرٍ أو شر، ومع ذلك فإنّ الله جعل للعبد الاختيار والمشيئة، وكذلك وهبه الإرادة التي ييختار بها طريق الخير أو طريق الشّر، وعلى أساسها يفعل ما يريد، ودعّم له ذلك بالعقل والتّكليف، وبعد بيان هل المنتحر يخلد في النار لا بد من بيان هل المنتحر مكتوب له أن يموت منتحرًا؟ فإنّ لكلّ أجلٍ كتاب، وقد كتب الله أعمار البشر كلّهم حيث قال تعالى: {وَلِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ ۖ فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً ۖ وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ}.[7] ولا ينتهي الأجل حتّى تستوفي النّفس ما لها وما عليها في الدّنيا، والمنتحر يكون قد انتهى أجله، لكنّه اختار بارادته أن يكون أجله انتحاراً ويُحاسبه الله عليه لأنّه اختياره، ومن اختار أمراً منهيٌّ عنه فقد استحقّ العقاب، فالمنتحر مات بأجله المكتوب، لكنّه اختار بنفسه طريقة موته والله ورسوله أعلم.[8]

ماذا يحدث للمنتحر بعد الموت

هل المنحر يخلد في النار سؤالٌ تمّت الإجابة عليه، وإنّ ماذا يحدث للمنتحر بعد الموت من الأمور التي حيّرت وشغلت بال الكثيرين، فالمنتحر كما ورد أنذه لا يخرج بانتحاره من الإسلام، إلا أنّه يرتكب إثماً عظيماً، ويستحقّ أن يُعاقبه الله عليه، فهو قد هدر أمانةً وضعها الله بين يديه، وروح المنتحر كحال أرواح النّاس بعد الموت والدّفن، فكلّ شخصٍ يختلف عن الآخر بما قدّمت يداه، فروح المؤمن تأخذها الملائكة يصعدون بها إلى السّماء السّابعة، ثمّ تُرجع إلى جسده لسؤال الملكين، فيجيبهما، فيُفرش قبره من الجنّة ويلبس من الجنّة ويُفتح باب الجنّة على قبره، ويأتي عمله الصّالح يبشره بالخير، أمّا الكافر بتأتي ملائكة العذاب تأخذ روحهه إلى سجّين ثم تُعاد لجسده لسؤال الملكين فلا يجيب، فيُفرش له من النّار ويُفتح له باباً من النّار فيلقى العذاب من الله، وكذلك المنتحر وغيره كلٌّ يُجزى بعمله والله ورسوله أعلم.[9]

شاهد أيضًا: حكم التبرع بالاعضاء بعد الموت هيئة كبار العلماء

هل يجوز الترحم على المنتحر

هل المنتحر يخلد في النار وهل يجوز الترحم على المنتحر؟  فمن المعلوم أنّ قتل النفس من كبائر الذنوب، وقد وعد الله من يقتل نفسه بالعذاب الشّديد، لكنّه بفعله هذا لا يخرح من الإسلام، وقد أباح الإسلام تغسيله وتكفينه والصّلاة عليه، والصّلاة على الميّت من أصل التّرحّم عليه، لذلك فإنّ التّرحّم على المسلمين جائز فالمنتحر مسلم فاسق مالم يأتِ بأمرٍ غير انتحاره يخرج به عن دينه، ويجوز التّرحّم عليه والله ورسوله أعلم.[10]

إلى هنا نكون قد وصلنا لنهاية المقال هل المنتحر يخلد في النار، وقد تمّ فيه بيان أنّ المنتحر يُعذّب في النّار لكنّه لا يخلد فيها، فلا يخلد في النّار إلا من كفر، وأنّ المنتحر يرحمه الله ويجوز التّرّحم عليه، لكنّه يُعاقب لما فعل ممّا نهى الله عنه.

المراجع

  1. ^ سورة النساء , الآية 29
  2. ^ سنن الترمذي , الترمذي/أبو هريرة/2044/صحيح
  3. ^ islamqa.info , هل المنتحر يخلَّد في جهنم إلى الأبد ؟ وكيف نوجِّه النصوص الواردة أنه كذلك ؟ , 26/07/2021
  4. ^ صحيح مسلم , مسلم/ جابر ابن عبد الله/116/صحيح
  5. ^ islamweb.net , قاتل نفسه لا يكفر , 26/07/2021
  6. ^ islamqa.info , هل يستمر عذاب القبر إلى قيام الساعة , 26/07/2021
  7. ^ سورة الأعراف , الآية 34
  8. ^ islamweb.net , المنتحر ميت بأجله , 26/07/2021
  9. ^ islamweb.net , مستقر الأرواح بعد الموت , 26/07/2021
  10. ^ islamqa.info , هل تجوز الصلاة على المنتحر ؟ , 26/07/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *