هل المنتحر يخلد في النار

هل المنتحر يخلد في النار
هل المنتحر يخلد في النار

هل المنتحر يخلد في النار من أكثر الأسئلة اليوم هو السؤال عن الانتحار وربّما يكون سبب ذلك هو حالة الإحباط التي تصيب كثيرًا من الناس بسبب ما تمرّ به بلدانهم من مشكلات كبيرة، وفي هذا المقال سوف نجيب عن السؤال السابق، ونقف مع مسائل أخرى ترتبط بنفس الموضوع.

هل المنتحر يخلد في النار

لم يتفق علماء المسلمين في مسألة خلود المنتحر في النار، ولهم في ذلك قولين، وسبب اختلافهم هو الحديث الذي يرويه أبو هريرة -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: “مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا”،[1] فكان هذا الحديث سبب لاختلاف العلماء في مسألة خلود الناس في النار.[2]

فمن المعلوم أنّه لا يخلد في نار جهنّم -أجار الله منها كلّ مسلم- سوى الكافر، وفي هذا الحديث يقول النبي -عليه الصلاة والسلام- إنّ المنتحر خالد في نار جهنّم، ولكن قد وجّه العلماء هذا الحديث نحو أمرين:[2]

  • الأوّل: هو أن يكون المقصود بهذا الكلام الذي ينتحر وهو منكر لحرمة الانتحار، فهو في ذلك كافر لأنّه قد استحلّ شيئًا قد حرّمه الله تعالى.
  • الثاني: هو أن يكون المقصود أنّه يلبث في نار جهنّم مدّة طويلة، ففي اللغة العربية قد يطلقون كلمة الخلود على المكوث الطويل، فمن هنا يظهر أنّه ليس كل منتحر في النار والله أعلم، ومع ذلك فالانتحار أمرٌ مُحرّم وجريمة عظيمة وقد ثبت عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنّه رفض الصلاة على رجل قتل نفسه.

شاهد أيضًا: حكم الانتحار في الاسلام وعقوبة المنتحر في الآخرة

عقاب المنتحر في القبر

لم يرد عند العلماء ذكر لعذابٍ في القبر خاص بالمُنتحر، وكلّ ما ذكرته النصوص أو معظمه يدور حول فكرة العذاب بالنار الآخرة، وذلك فيما يلي:[3]

  • الآية الكريمة من سورة النساء: {وَلَا تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ ۚ إِنَّ اللهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا * وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا فَسَوْفَ نُصْلِيهِ نَارًا ۚ وَكَانَ ذَٰلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيرًا}.[4]
  • الحديث الشريف: “مَن تَرَدَّى مِن جَبَلٍ فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَهو في نَارِ جَهَنَّمَ يَتَرَدَّى فيه خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن تَحَسَّى سُمًّا فَقَتَلَ نَفْسَهُ، فَسُمُّهُ في يَدِهِ يَتَحَسَّاهُ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا، وَمَن قَتَلَ نَفْسَهُ بِحَدِيدَةٍ، فَحَدِيدَتُهُ في يَدِهِ يَجَأُ بِهَا في بَطْنِهِ في نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدًا مُخَلَّدًا فِيهَا أَبَدًا”.[1]
  • الحديث الشريف: “الَّذِي يَخْنُقُ نَفْسَهُ يَخْنُقُهَا في النَّارِ، والذي يَطْعُنُهَا يَطْعُنُهَا في النَّارِ”.[5]
  • الحديث الشريف: “كانَ فِيمَن كانَ قَبْلَكُمْ رَجُلٌ به جُرْحٌ، فَجَزِعَ، فأخَذَ سِكِّينًا فَحَزَّ بهَا يَدَهُ، فَما رَقَأَ الدَّمُ حتَّى مَاتَ، قالَ اللهُ تَعَالَى: بَادَرَنِي عَبْدِي بنَفْسِهِ، حَرَّمْتُ عليه الجَنَّةَ”.[6]

شاهد أيضًا: حكم الزنا لغير المتزوج

هل يغفر الله للمنتحر المكتئب ولا يعذبه في النار

إنّ العلم في هذه المسألة عند الله تعالى، ولكن قد يُرجى أن يغفر الله -تعالى- له في حال كان مصابًا بمرض نفسي يؤثر على عقله حتى لا يكون معه لا يعي ولا يسيطر على نفسه، فهو بذلك يدخل ضمن الذين قد رفع الله -تعالى- عنهم القلم، ولكن في حال لم يكن المرض بذلك السوء وكان المنتحر المكتئب مدركٌ لما يفعله فإنّه يدخل ضمن الذين يؤاخذون على أفعالهم، والله -تعالى- وحده أعلى وأعلم وأحكم في هذه المسائل.[7]

شاهد أيضًا: حكم اللعب بالنرد

هل المنتحر مكتوب له أن يموت منتحرًا

إنّ كلّ ما في هذا الكون هو أمرٌ قد كتبه الله وقدّره بعلمه السابق لكل شيء، فالمنتحر قد كُتب له أن يموت منتحرًا ولكنّ الله -تعالى- لم يجبره على الانتحار، وإنّما قد خلق الأفعال والإنسان يختار منها ما يشاء، ولكنّ الله -تعالى- يعلم الغيب ويعلم ما سيكون من هذا الإنسان فلذلك قد كتب أنّه سيموت بتلك الطريقة، فالإنسان مخيّر ومُسيّر، وهو الذي يختار أفعاله ولا يجبره الله -تعالى- عليها، والنصوص القرآنيّة النبوية كثيرة في هذا الشأن، فلتُنظر في مظانّها.[8]

شاهد أيضًا: حكم طلاق الحائض

ماذا يحدث للمنتحر بعد الموت

إنّ مسألة حال المنتحر ما بعد الموت من المسائل الغيبيّة التي لا يعلم بها إلّا الله وحده، فقد تقدّم أنّه قد يمكث في النار إلى أجل مسمّى بحسب رأي أكثر العلماء الذين يرون أنّ المؤمن لا يخلد في النار، وقد يغفر الله -تعالى- له بعمل صالح قد قدّمه في حياته، ففي الحديث الذي يرويه جابر بن عبد الله -رضي الله عنهما- أنّ الطفيل بن عمرو قد قدم المدينة مهاجرًا ومعه رجلٌ من قومه، وأصابت ذلك الرجل حمّى فجزع وقطع شرايين يديه وأوردتها وقتل نفسه، وبعد مدة من موته ودفنه رآه الطفيل في المنام فرآه على هيئة حسنة وقد مخمّر اليد فسأله عن حاله.[9]

فقال الرجل: “صنَع بي ربِّي خيرًا غفَر لي بهجرتي إلى نبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: فما فعَلَت يداك قال: قال لي ربِّي: لن نُصلِحَ منك ما أفسَدْتَ مِن نفسِك”،[10] فقصّ الطفيل رؤياه على النبي صلى الله عليه وسلّم، فدعا النبي -عليه الصلاة والسلام- فقال: “اللَّهمَّ ولِيَدَيْهِ فاغفِرْ اللَّهمَّ ولِيَدَيْهِ فاغفِرْ اللَّهمَّ ولِيَدَيْهِ فاغفِرْ”.[10][9]

شاهد أيضًا: حكم التبرع بالاعضاء بعد الموت هيئة كبار العلماء

وهكذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال هل المنتحر يخلد في النار وقد أجبنا فيه عن هذا السؤال بحسب ما ذهب إليه أهل العلم، وتطرّق المقال إلى بعض الجوانب المهمة المتعلقة بمسألة الانتحار.

المراجع

[1]صحيح البخاريالبخاري، أبو هريرة، الرقم: 5778، حديث صحيح
[4]سورة النساءالآية: 29 - 30
[5]صحيح البخاريالبخاري، أبو هريرة، الرقم: 1365، حديث صحيح
[6]صحيح البخاريالبخاري، جندب بن عبد الله، الرقم: 3463، حديث صحيح
[10]صحيح ابن حبانابن حبان، جابر بن عبد الله، الرقم: 3017، أخرج ابن حبان هذا الحديث في صحيحه.