حكم الولاء والبراء

حكم الولاء والبراء
حكم الولاء والبراء

حكم الولاء والبراء من الأمور التي لا يزال يحبث في صددها الكثير من رواد عالم الانترنت، وفي هذا المقال سيتم بيان حكم الولاء والبراء كما بيّنه للعالمين الخالق سبحانه لا شريك له، ولا بدّ من بيان وحدانيته وإفراده بالتعبد في العبادات كافة، وتكون العبادات بغاية التذلل والخضوع والخشوع، بالإضافة لممارسة المحبة الكاملة للخالق سبحانه، مع ضرورة معرفته الكاملة ومعرفة دينه وشرعه وعقائده سبحانه وتعالى.[1]

معنى الولاء والبراء

قبل الخوض في بيان حكم الولاء والبراء لا بدّ من بيان تعريف كلٍّ منهما، ففي اللغة جاء الولاء بمعنى الموالاة، وهي من والى القوم ونصرهم، والولاية هي النصرة، وهي نقيض المعاداة وضدها، قال تعالى في سورة محمد: {ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَأَنَّ الْكَافِرِينَ لا مَوْلَى لَهُمْ}،[2] وأما الولاء في الاصطلاح: فهي النصرة والإكرام والمحبة والاحترام، بالإضافة إلى الكينونة مع المحبوبين في الظاهر، وكذلك البراء في اللغة: هو التنزه والابتعاد، وإعذارٌ وإنذار، قال تعالى في سورة التوبة: {براءةٌ من الله ورسوله}،[3] وأما البراء في الاصطلاح فهو البعد والعداوة والخلاص ويكون ذلك بعد تقديم الإنذار والإعذار، والله ورسوله أعلم.[4]

حكم الولاء والبراء

إنّ معنى الولاء هو أن يحب المرء خالقه سبحانه وتعالى نبيّه محمد صلّى الله عليه وسلّم، وأصحابه والتابعين والمؤمنين الموحدين أجمعين ونصرتهم، وأما البراء فهو أن يكن المرء بغضاً داخله لكلّ من خالف الخالق سبحانه ورسوله والصحابة والتابعين والمؤمنين الموحدين، من الكفار ومن أشرك بالله، والمنافقين والفساق والمبتدعين وغيرهم، وعلى ذلك فإن حكم الولاء والبراء هو أنها ركن من أركان العقيدة الإسلامية، ومن شروط الإيمان، فعلى كلّ مؤمن أن يلتزم الأوامر الشرعية ويبتعد عن النواهي، وأن يحب ويوالي المؤمنين وينصرهم، ويخالف ويبغض كل من خالفهم وعاداهم، يقول تعالى في سورة التوبة: {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ ۚ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ۚ أُولَٰئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}،[5] والولاء والبراء يعدان من أعمال القلوب المنعسكة على الجوارح واللسان.[6]

أهمية عقيدة الولاء والبراء

بعد بيان حكم الولاء والبراء وذكر معنى وضرورة توحيد الألوهية، بالإضافة إلى ذكر معنى وتعريف كلٍّ من الولاء والبراء، كان لا بدّ من ذكر أهمية عقيدة الولاء والبراء في ضوء الكتاب والسنّة النبويّة الشريفة، وهي:[7]

  • الولاء والبراء شرطان من شروط الإيمان، قال تعالى في سورة المائدة: {تَرَى كَثِيرًا مِّنْهُمْ يَتَوَلَّوْنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لَبِئْسَ مَا قَدَّمَتْ لَهُمْ أَنفُسُهُمْ أَن سَخِطَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَفِي الْعَذَابِ هُمْ خَالِدُونَ * وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَـكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ}.[8]
  • وكذلك الولاء والبراء هما من أوثق عرى الإيمان، فقد روى عبد الله بن عباس قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “أوْثَقُ عُرَى الإيمانِ المُوَالاةُ في اللهِ ، و المُعادَاةُ في اللهِ ، و الحُبُّ في اللهِ ، و البغضُ في اللهِ”.[9]
  • الولاء لا يكون إلا للخالق سبحانه ولرسوله وللمؤمنين، قال تعالى في سورة المائدة: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}.[10]

ولاء المؤمنين بعضهم بعضا

إنّ المسلم أخو المسلم وهذه الأخوّة الإسلامية تقوم على أساس الإيمان وهي واجبةٌ على كلّ المسلمين، وبذلك يجب أن يوالي بعضهم بعضاً ويجب أن يكون بينهم ودٌّ وحبٌّ وتحالفٌ ونصرة، وإذا لم يقم المؤمنون بالولاء لبعضهم البعض فسوف تقع مفسدةٌ عظيمة، فالأخوّة الإسلاميّة تكتمل بالموالاة فبها بكون للأخوّة معنى ومضمون وبذلك يكون للمسلمين والمؤمنين نفعٌ لهم وقوّة وتقدير في الدنيا وأمام التكتلات القويّة، وقد عرّف النبيّ صلّى الله عليه وسلّم كيفيّة الودّ والتقارب بين المسلمين الذي هو أيضاً مظهرٌ من مظاهر الولاء فيقول عليه الصّلاة والسّلام: “مثلُ المؤمنين في تَوادِّهم ، وتَرَاحُمِهِم ، وتعاطُفِهِمْ . مثلُ الجسَدِ إذا اشتكَى منْهُ عضوٌ تدَاعَى لَهُ سائِرُ الجسَدِ بالسَّهَرِ والْحُمَّى”،[11] وإنّه من قصور العقل والشّرع أن يبتعد المسلمون عن موالاة بعضهم بينما أعداؤهم يقيمون الولاء فيما بينهم والأشدّ من ذلك أن يوالي المسلم غير المسلمين ويترك الولاء للمسلمين، إلا أن يخاف على نفسه في بلدانهم أو في بعض الأوقات من شرّهم فله أن يتّقيهم بظاهره لا بباطنه والله ورسوله أعلم.[12]

البراء من الكفار والمنافقين

بعد تعريف الولاء  و الذي هو حبّ الله ورسوله والصّحابة والمؤمنين الموحدّين ونصرتهم في القول والعمل، وتعريف البراء الذي هو بغض من يخالف الله ورسوله والصّحابة والمؤمنين الموحدين من الكافرين والمشركين والمنافقين والمبتدعين والفسّاق،  من كلا التعريفين نستنتج أنّ على المؤمين والمسلمين أن يعادوا الكفّار من اليهود والنّصارى ومن أشرك بالله وقد أخبر الله سبحانه وتعالى بذلك في محكم تنزيله ونبّه من موالاة المشركين واليهود والنصارى لأنّهم أشدّ النّاس عداوةً للمسلمين، وقد وردت الكثير من الآيات في القرآن الكريم التي توضّح هذا الأمر وتحذّر من موالاتهم لا بل توجب بغضهم حتى يؤمنوا بالله سبحانه وتعالى، وتحذر الآيات من مكائدهم وعداوتهم لله ولرسله وكيدهم للإسلام والمسلمين، فالمشركين والكفار لن يقصّروا في إيصال الشرّ إلى المؤمنين فهم لا يريدون للمؤمنين سوى المشقّة والفساد والتّخريب، وفي قلوبهم السوداء نيّة السّوء وحقدٌ بغيض تجاه المؤمنين، ومواقفهم ضدّ الإسلام كلّها تشهد عليهم وتدينهم بسوئهم فاليهود أشدّ أعداء أنبياء الله والنّصاري يبذلون النّفس والمال في سبيل التّشكيك بالإسلام وأهله فالواجب على أهل الإسلام أن يتفطّنوا لهذه الأمور وأن يبغضوا ويعادوا من أمرهم الله ببغضهم من المشركين واليهود والنّصارى وبذلك يتمّ معرفة حكم الولاء والبراء.[13]

آيات الولاء والبراء في القرآن الكريم

إنّ مصدر التّشريع الإسلاميّ يتمثّل في الكتاب والسّنة فلا يلزم قولٌ إلا بكتاب الله أو سنّة نبيّه، وفيهما ورد موضوع حكم الولاء والبراء فهنالك الكثير من آيات الولاء والبراء في القرآن الكريم التي توضّح أحكامهما وتبيّن تفاصيلهما، ففي الولاء وردت آيات كثيرة منها:[14]

  • قول الله تعالى: {إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ}،[15] وفي تفسيرها أن ليس اليهود ولا النّصارى ولا غيرهم من الكفارأولياء للمسلمين بل إنّ وليّهم الله ورسوله والمؤمنين.
  • وفي الولاء والبراء ورد أيضاً قوله سبحانه وتعالى: {لَّا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَمَن يَفْعَلْ ذَٰلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَن تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً ۗ وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ ۗ وَإِلَى اللَّهِ الْمَصِيرُ}،[16] حيث نهت الآية الكريمة عن اتّخاذ المؤمنين الكافرين أولياء لهم يحبّونهم وينصرونهم من دون المؤمنين إلا في حالة الخوف فيصحّ اتّقاء أذى الكفّار بإظهار اللين واللطف لهم في الظّاهر دون الباطن.
  • وقد ورد أيضاً في الآية الكريمة وعلى لسان سيّدنا ابراهيم قوله تعالى: {وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ لِأَبِيهِ وَقَوْمِهِ إِنَّنِي بَرَاءٌ مِّمَّا تَعْبُدُونَ}،[17] وبذلك دلالة واضحةٌ وصريحة أنّ الكفّار كلّهم أعداء للمؤمنين وبالأخصّ عبّاد الأوثان، وفي القرآن الكريم الكثير من المواضع والآيات التي ذكر فيها الولاء والبراء والتي كان من الصّعب إحصاءها لكثرتها وبذلك يتأكر الأمر بضرورة الولاء للمؤمنين والبراء والعداء للكفّار والمشركين.

حكم الولاء والبراء مقالٌ فيه تمّ بيان وحدانية الخالق سبحانه والتعريف بمعنى الولاء والبراء وبيان حكمها في شريعة الإسلام، بالإضافة إلى بيان ولاء المؤمنين بعضهم لبعض، وبراءتهم من الكفار والمشركين، ومن ثمّ تمّ ذكر بعض الآيات القرآنية التي ذكرت الولاء والبراء.

المراجع

[2]سورة محمد الآية 11
[3]سورة التوبة الآية 1
[5]سورة التوبة الآية 71
[8]سورة المائدة الآية 83،84
[9]السلسلة الصحيحةالألباني/عبدالله بن عباس/998/قوي بالطرق
[10]سورة المائدةالآية 55
[11]صحيح الجامعالألباني/النعمان بن بشير/5849/صحيح
[15]سورة المائدةالآية 55
[16]سورة آل عمران الآية 28
[17]سورة الزخرفالآية 26