ما هو حد شرب الخمر

حد شرب الخمر

حد شرب الخمر هو عنوان هذا المقال، ومن المعلوم أنَّ الشريعة الإسلامية جاءت لتنظيم حياة الناس كافة، لذلك شرع الله -عزَّ وجلَّ- بعض العقوبات لدرء المفسدة الواقعة من بعض الأعمال، ومن هنا سيتمُّ تخصيص هذا الحديث عن الخمر في الشريعة الإسلامية، من حيث التعريف وحكم شربه والعقوبة المترتبة على شربه، وشروط تطبيق العقوبة على شاربه، وما يثبت به حد شربها، وفي الختام سيتمُّ بيان مراحل تحريم شرب الخمر، وفيما يأتي ذلك:

حكم شرب الخمر

قبل الحديث عن حكم شرب الخمر لا بدَّ أولًا من تعريفه، والخمر عبارة عن كلِّ ما يُذهب العقل ويُسكره سواء اتُخذ من العنب أو الشعير أو الحنطة أو التمر أو غيره،[1] وقد ذمَّ الله عزَّ وجلَّ- الخمر في كتابه في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِّنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}،[2] وبناءً على ذلك فإنَّ الأصل في شرب الخمر هو الحرمة إنَّ شرب الخمر يعدُّ كبيرةً من كبائر الذنوب وذلك بإجماع أهل العلم قاطبةً،[3] لكن هناكَ بعض الحالات التي يُباح فيها شرب الخمر، وفيما يأتي تفصيل ذلك:

  • دفع الغصة: يُباح للمسلم شرب الخمرة لدفع الغصة إذا خشي على نفسه الهلاك ولم يجد غيرها، وإلى ذلك ذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة، بشرط ألَّا يزيد عن الحاجة، ودليلهم في ذلك قوله تعالى: {وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ}.[4][5]
  • عند الإكراه على شربها: يُباح للمسلم شرب الخمر عند إكراهه على شربها، بل لو امتنع عنه حتى قُتل فإنَّه يؤاخذ على عدم شربه لها، وهذا أيضًا متفقٌ عليه في المذاهب الأربعة، ودليلهم في ذلك قوله تعالى: {فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ}.[6][7]

شاهد أيضًا: ما هي كبائر الذنوب

حد شرب الخمر

إنَّ الحد عبارة عن عقوبة مقدرة شرعت لصيانة الأنساب والأعراض، والعقول، والأموال، وتأمين السبيل،[8] وقد اختلف الأئمة الأربعة في حدِّ شارب الخمر، فذهب الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة إلى أنَّ حدَّ شرب الخمر ثمانون جلدة، ودليلهم في ذلك فعل الخليفة الراشدي عمر بن الخطاب؛ إذ أنَّه قدَّره بثمانين ووافقه الصحابة -رضوان الله عليهم- في ذلك،[9] بينما عدَّ الشافعي الحدَّ أربعون جلدة ودليلهم في ذلك ما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه- حيث قال: “أنَّ النبيَّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ ضَرَبَ في الخَمْرِ بالجَرِيدِ والنِّعالِ، وجَلَدَ أبو بَكْرٍ أرْبَعِينَ”[10] وبناءً على ذلك فإنَّ حد شرب الخمر  بالأصل أربعون جلدة لكنَّ عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- ارتأى زيادتها إلى ثمانون من باب التعزير بسبب تفشي شرب الخمر في بعض الجهات.[11]

شروط حدِّ شرب الخمر

هناك عدة شروطٍ لا بدَّ من توفرها ليتسنى لولي الأمر إقامدة الحدِّ على شارب الخمر، ومن هذه الشروط ما يأتي:[12]

  • التكليف: أي أن يكون شارب الخمر بالغًا عاقلًا، وبناءً على ذلك لا يطبق الحدُّ على المجنون والصبيِّ عند شربها.
  • الاختيار: وذلك بأن يكون شاربها غير مكرهٍ ولا مضطر، بدليل قوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالْإِيمَانِ}.[13]
  • أن يكون متعمدًا: فمن شربها ظانًا أنَّها عصير أو غيره من مشروبات المباحة فلا حدَّ عليه ودليل ذلك قوله تعالى: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا}.[14]
  • العلم بحكم شربها: فمن كان جاهلًا بحرمة شرب الخمر فلا حدَّ عليه.
  • الإسلام: من شروط إقامة الحد أن يكون الشارب مسلمًا، أمَّا الذمي فلا يُعاقب عند جمهور الفقهاء، وذهب بعضهم إلى ضرورة عقابه إن أظهر شربها أمام الناس.

ما يثبت به الحد

يثبت حدُّ شرب الخمر على الشارب بأحد أمرين، وفيما يأتي ذكرها:[15]

  • البينة: فلا يثبت الحدُّ على الشارب إلَّا بشهادة رجلين عدلين، ولا تثبت بشهادة رجلٍ وامرأتين كما أنَّها لا تثبت بعلم القاضي.
  • الإقرار: ويكون ذلك باعتراف الشارب أنَّه شرب خمرًا.

مراحل تحريم الخمر

كان العرب قديمًا مولعين بالخمر، وكان يشقُّ عليهم تركها، لذلك اقتضت حكمة الله -عزَّ وجلَّ- أن يحرمها عليهم بالتدريج، وفيما يأتي ذكر مراحل تحريم الخمر:[16]

  • المرحلة الأولى: بدأ القرآن الكريم بالتنفير من الخمر، وذلك في قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ}،[17] وفي هذا الوقت ترك بعض المسلمين شربها، وقال بعضهم: نأخذم منها المنفعة ونترك ضررها.
  • المرحلة الثانية: ثمّ جاء القرآن الكريم بتحريم الصلاة على شارب الخمر وقت سكره، حيث قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}،[18] فقدَّم بعض الصحابة حبَّ الصلاة فتركوها وقال آخرون: نشربها في غير أوقات الصلاة.
  • المرحلة الثالثة: ثمَّ نزل قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ}،[19] وهكذا تم تحريم شرب الخمر في كل الأوقات.

وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام مقال حد شرب الخمر، والذي تمَّ فيه بيان معنى الخمر وحكم شربها، كما تمَّ بيان العقوبة المترتبة على شربها عند الأئمة الأربعة، وشروط إقامة الحدِّ على شاربها وما يبت به الحد، وفي الختام تمَّ بيان مراحل تحريم شرب الخمر.

المراجع

  1. ^ dorar.net , تعريفُ الخَمرِ لُغةً واصطِلاحًا , 11-3-2021
  2. ^ المائدة: 90
  3. ^ islamweb.net , شرب الخمر من الكبائر وعقوبته أليمة , 11-3-2021
  4. ^ الأنعام: 119
  5. ^ dorar.net , شُربُ الخَمرِ لِغُصَّةٍ , 11-3-2021
  6. ^ البقرة: 173
  7. ^ dorar.net , الإكراهُ على شُربِ الخَمرِ , 11-3-2021
  8. ^ مجلة البحوث الإسلامية، مجموعة من المؤلفين، ص267 , https://al-maktaba.org/book/34106/30532
  9. ^ الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، ص14 , https://al-maktaba.org/book/9849/1832#p1
  10. ^ صحيح البخاري، البخاري، أنس بن مالك، 6773، حديث صحيح
  11. ^ الفقه على المذاهب الأربعة، عبد الرحمن الجزيري، ص15 , https://al-maktaba.org/book/9849/1833#p1
  12. ^ islamqa.info , متى يسقط الحد عن شارب الخمر , 11-3-2021
  13. ^ النحل: 106
  14. ^ الأحزاب: 5
  15. ^ الفقه المنهجي على مذهب الإمام الشافعي، مجموعة من المؤلفين، ص81 , https://al-maktaba.org/book/32558/536 , 11-3-2021
  16. ^ islamweb.net , مراحل تحريم الخمر , 11-3-2021
  17. ^ البقرة: 219
  18. ^ النساء: 43
  19. ^ المائدة: 90

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *