من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها

من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها

من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها، وهو من الأسئلة المهمة التي يجب على الإنسان المسلم ان يعيها، ويفهم ماهية الظروف والأحداث التي قيلت بها تلك الكلمة، وأن يعرف التفسير الصحيح لتلك الآية القرآنية التي وثّقت الحدث بتفاصيله، ويحرص موقع محتويات على تبيان الأمر، وتبيان نبذة عن تفاصيل الحدث.

من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها

وخير ما نبدأ به الحديث هو قول الله عز وجل: وإذ قال ربك للملائكة إنّي جاعل في الأرض خليفة، قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء، ونحن نسبّح بحمدك ونقدس لك، قال إنّي أعلم ما لا تعلمون.

وفي تلك الآية الكريمة من سورة البقرة يتحدّث الله مع الملائكة، ويخبرهم بشأن خلق سيدنا آدم عليه السلام، ليبادروه بالإجابة اتجعل فيها من يفسد فيها ونحن نسبّح بحمدك ونقدس لك، ومن هنا وبكل وضوح نستنتج بأنّ قائل تلك الكلمة هم الملائكة الكرام عليهم السلام، وقد أتت واضحة في سورة البقرة الآية رقم30.

تفسير قول الله تعالى اني جاعل في الأرض خليفة

قال تعالى” وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً”  و في هذه الآيات الكريمة عطف -سبحانه وتعالى- قصّة خلق آدم أبي البشر-عليه السلام- على قصّة خلق الأنفس وخلق السماوات والأرض انتقالا في الاستدلال على أن الله واحد، وجمع بين تعدد الأدلة وبين مختلف الحوادث وأصلها، حتّى يكون التدليل أجمع، والإِيمان بالله أقوى وأثبت، وإذ وإذا ظرفان للزمان، الأول للماضي والثاني للمستقبل، فإن جاء إذ مع المضارع أفاد الماضي كقوله:

(وَإِذْ تَقُولُ للذي أَنعَمَ الله عَلَيْهِ) وإن جاء إذا مع الماضي أفاد الاستقبال كقوله 🙁 إِذَا جاء نَصْرُ الله والفتح) وإذ هنا واقعة موقع المفعول به لعامل مقدر دل عليه المقام.

والمعنى: واذكر يا محمد وقت أن قال ربك للملائكة إني جاعل في الأرض خليفة.

شاهد أيضًا: من القائل ياليتني لم اشرك بربي احدا

تفسير الآيات 30 32 من سورة البقرة

قال تعالى” قالوا اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدّس لك، قال إنّي أعلم ما لا تعلمون.

وفي هذا شروع في ذكر فضل آدم عليه السلام أبي البشر أنّ الله حين أراد خلقه أخبر الملائكة بذلك، وأنّ الله استخلفه في الأرض، فقالت الملائكة عليهم السلام: أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا، بالمعاصي، وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ، وهذا تخصيص بعد تعميم، لبيان شدة مفسدة القتل، وهذا بحسب ظنّهم أن الخليفة المخلوق في الأرض سيحدث منه ذلك، فنزّهوا الباري عن ذلك، وعظموه، وأخبروا أنهم قائمون بعبادة الله على وجه خال من المفسدة فقالوا: وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ، أي: ننزّهك التنزيه اللائق بحمدك وجلالك،  وَنُقَدِّسُ لَكَ،  يحتمل أن معناها: ونقدسك، فتكون اللام مفيدة للتخصيص والإخلاص، ويحتمل أن يكون: ونقدّس لك أنفسنا، أي: نطهّرها بالأخلاق الجميلة، كمحبة الله وخشيته وتعظيمه، ونطهّرها من الأخلاق الرذيلة.

قال الله تعالى للملائكة: “إِنِّي أَعْلَمُ” من هذا الخليفة “مَا لَا تَعْلَمُونَ”  لأنّ كلامكم بحسب ما ظننتم وأنا عالم بالظواهر والسرائر وأعلم أن الخير الحاصل بخلق هذا الخليفة أضعاف أضعاف ما في ضمن ذلك من الشر فلو لم يكن في ذلك، إلّا أنّ الله تعالى أراد أن يجتبي منهم الأنبياء والصديقين والشهداء والصالحين ولتظهر آياته للخلق ويحصل من العبوديات التي لم تكن تحصل بدون خلق هذا الخليفة، كالجهاد وغيره، وليظهر ما كمن في غرائز بني آدم من الخير والشر بالامتحان، وليتبين عدوه من وليه وحزبه من حربه وليظهر ما كمن في نفس إبليس من الشر الذي انطوى عليه، واتّصف به فهذه حكم عظيمة يكفي بعضها في ذلك.

شاهد أيضًا: من القائل لن نصبر على طعام واحد وما هي قصتهم بالتفصيل

توضيح سؤال الملائكة اتجعل فيها من يفسد فيها

بعد أن تعرّفنا على جواب السؤال من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها ، لا بدّ لنا من توضيح الفكرة من السؤال، وهي الفكرة التي قد يقع كثير من الناس في الخطأ في إدراكها، ولذلك سنحرص على سردها بشكل مختصر، فقد يظن البعض  أن سؤال كان سؤال الملائكة، اعتراض أو استنكار، وهو ليس كذلك ، بل كان سؤالهم لله تعالى سؤال استفسار وتعجب، واسترشاد وطلبٍ للفهم والفائدة، ولم يكن سؤال اعتراض أبدا، وجميع أقوال أهل التفسير والعلماء في سؤال الملائكة الله عز وجل تفيد أنه كان سؤال استفسار وتعجب.

قال الامام الحافظ ابن كثير: “وقول الملائكة هذا ليس على وجه الاعتراض على الله، ولا على وجه الحسد لبني آدم، كما قد يتوهمه بعض المفسرين، وقد وصفهم الله تعالى بأنهم {لَا يَسْبِقُونَهُ بِالقَوْلِ وَهُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ}(الأنبياء:27)، أي: لا يسألونه شيئا لم يأذن لهم فيه، وهاهنا لما أعلمهم بأنه سيخلق في الأرض خلقا. قال قتادة: وقد تقدم إليهم أنهم يفسدون فيها فقالوا: أَتَجْعَلُ فِيهَا، وإنما هو سؤال استعلام واستكشاف عن الحكمة في ذلك، يقولون: يا ربنا، ما الحكمة في خلق هؤلاء مع أن منهم من يفسد في الأرض ويسفك الدماء، فإن كان المراد عبادتك، فنحن نسبح بحمدك ونقدس لك، أي: نصلّي لك كما سيأتي، أي: ولا يصدر منا شيء من ذلك، وهلَّا وقع الاقتصار علينا؟ قال الله تعالى مجيبا لهم عن هذا السؤال: إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ أي: إنّي أعلم بالمصلحة الراجحة في خلق هذا الصنف على المفاسد التي ذكرتموها ما لا تعلمون أنتم، فإني سأجعل فيهم الأنبياء، وأرسل فيهم الرسل، ويوجد فيهم الصديقون والشهداء، والصالحون والعُبَّاد.

إلى هنا نصل إلى نهاية المقال الذي تناولنا فيه جواب سؤال من القائل اتجعل فيها من يفسد فيها وانتقلنا بعد أن تعرّفنا بالقائل إلى تفسير بقية الآية القرآنية التي تحدّثت عن الامر، لنختتم في توضيح سؤال الملائكة عن ذلك الأمر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *