هل يصلى على الشهيد

هل يصلى على الشهيد

هل يصلى على الشهيد ، هو عنوان هذا المقال، وهو من الأسئلةِ الفقهيةِ الشائعةِ، ومعلومٌ أنَّ من قُتل في سبيلِ الله ليس كغيره من مات على فراشه، وفي هذه الفقرةِ من هذا المقال، سيجد القارئ بيان الإجابة على السؤال المطروحِ في بدايةِ هذه المقدمةِ، مع ذكر الأدلةِ الشرعيةِ من السنة النبوية المطهرة، كما سيجد القارئ بيانًا لمكانةِ الشهيدِ في الإسلام.

هل يصلى على الشهيد

لقد تباينت آراءُ أهلِ العلمِ ولا سيما أئمة المذاهب الفقهية الأربعةِ، في حكمِ الصلاةِ على الشهدِ، وفي هذه الفقرةِ من هذا المقال سيجد القارئ الإجابة على السؤال المطروحِ بشيءٍ من التفصيلِ في المذاهب الإسلامية الأربعة، وفيما يأتي ذلك:[1]

  • الحنفية: ذهب فقهاء الحنفيةِ إلى وجوب الصلاةِ على الميِّت؛ إذ أنَّ الحكمةَ من مشروعية صلاةِ الجنازةِ، هي إظهارُ كرامةِ الميِّت، وإنَّ الشهيدَ عندهم أولى الأمواتَ بإظهارِ كرامته.
  • المالكية: ذهب فقهاء المالكيةِ إلى أنَّ الشهيدَ لا يُصلَّى عليهِ.
  • الشافعية: ذهب فقهاء الشافعية إلى حرمةِ غسلِ الشهيدِ؛ إذ أنَّه ما زال حيًا عند ربِّه، حيث قال الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}،[2] بالإضافة إلى أنَّ هناك جملةٌ من الأحاديث المتواترةِ التي جاءت بعدمِ الصلاةِ عليهم.
  • الحنابلة: ذهب الحنابلةُ في روايةٍ إلى عدمِ الصلاةِ على الشهيدِ.

شاهد أيضًا: من هو اول شهيد بالاسلام

أدلة القائلين بعدم الصلاة على الشهيد

تضافرت الأدلةُ التي استدلَّ بها الفريق القائل بعدم الصلاةِ على الشهيدِ، وفيما يأتي ذكر بعضها:

  • ما رُوي عن جابر بن عبدالله -رضي الله عنه-: “كانَ النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يَجْمَعُ بيْنَ الرَّجُلَيْنِ مِن قَتْلَى أُحُدٍ في ثَوْبٍ واحِدٍ، ثُمَّ يقولُ: أيُّهُمْ أكْثَرُ أخْذًا لِلْقُرْآنِ، فَإِذَا أُشِيرَ له إلى أحَدِهِما قَدَّمَهُ في اللَّحْدِ، وقَالَ: أنَا شَهِيدٌ علَى هَؤُلَاءِ يَومَ القِيَامَةِ، وأَمَرَ بدَفْنِهِمْ في دِمَائِهِمْ، ولَمْ يُغَسَّلُوا، ولَمْ يُصَلَّ عليهم”.[3]
  • ما رُوي عن أنس بن مالك -رضي الله عنه-: “أنَّ شُهداءَ أُحُدٍ لم يغسَّلوا ودُفنوا بدمائِهم ولم يُصلَّ علَيهِم”.[4]

شاهد أيضًا: من هي أول شهيدة في الإسلام

أدلة القائلين بالصلاة على الشهيد

تضافرت الأدلةُ التي استدلَّ بها الفريق القائل بالصلاة على الشهيد، وفيما يأتي ذكر بعضها:

  • ما رُوي عن شداد بن الهاد -رضي الله عنه- حيث قال: “أنَّ رجلًا مِنَ الأعرابِ جاءَ إلى النَّبيِّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فآمَنَ بِهِ واتَّبعَهُ وقالَ: أُهاجرُ معَكَ فأوصى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ بعضَ أصحابِهِ فلمَّا كانَت غزوةٌ ، غنِمَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فيها أشياءَ ، فقَسمَ وقسمَ لَهُ فأعطَى أصحابَهُ ما قَسَمَ لَهُ وَكانَ يرعى ظَهْرَهُم . فلمَّا جاءَ دفَعوا إليهِ فقالَ: ما هذا ؟ قالوا: قَسْمٌ قَسمَهُ لَكَ رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ . فأخذَهُ فجاءَ بِهِ النَّبيَّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ فقالَ: يا مُحمَّدُ ، ما هذا ؟ قالَ: قَسمتُهُ لَكَ . قالَ: ما على هذا اتَّبعتُكَ ، ولَكِنِّي اتَّبعتُكَ على أن أُرمَى هاهُنا وأشارَ إلى حلقِهِ بسَهْمٍ فأموتَ وأدخلَ الجنَّةَ . فقالَ: إن تَصدُقِ اللَّهَ يَصدُقْكَ فلبثوا قليلًا ، ثمَّ نَهَضوا إلى العدوِّ ، فأتى بِهِ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ يُحمَلُ ، قد أصابَهُ سَهْمٌ حيثُ أشارَ . فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: أَهوَ هوَ ؟ قالوا: نعَم قالَ: صدقَ اللَّهَ فصدقَهُ وَكَفَّنَهُ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ في جُبَّةٍ ، ثمَّ قدَّمَهُ فصلَّى عليهِ . فَكانَ مِمَّا ظَهَرَ مِن صلاتِهِ عليهِ: اللَّهمَّ إنَّ هذا عَبدُكَ ، خرجَ مُهاجرًا في سبيلِكَ ، فقُتلَ شَهيدًا ، أَنا شَهيدٌ علَيهِ”.[5]
  • ما رُوي عن عبد الله بن الزبير -رضي الله عنه- حيث قال: “أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ أمرَ يومَ أحُدٍ بحمزَةَ فسُجِّيَ ببُرْدَةٍ ، ثُمَّ صَلَّى عليْهِ فكبَّرَ تِسْعَ تكبيراتٍ ، ثُمَّ أُتِيَ بالقَتْلَى يُصَفُّونَ ، ويصَلِّي عليهم ، وعليْهِ معَهُمْ”.[6]

شاهد أيضًا: ما الحكمة من صلاة الجنازة

مكانة الشهيد في الإسلام

إنَّ للشهادةِ في الإسلامِ منزلةٌ رفيعةٌ، وما يدلُّ على ذلك الأجرَ المترتبَ للشهيدِ، وفي هذه الفقرة من مقال هل يصلى على الشهيد، سيتمُّ ذكر ما يدلُّ على مكانته الرفيعة، وفيما يأتي ذلك:

  • أنَّ الله -عزَّ وجلَّ- وعد الشهداء بأنَّ لهم جنةً، وما يدلُّ على ذلك قول الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيقْتُلُونَ وَيقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيعِكُمُ الَّذِي بَايعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}.
  • أنَّ الشهيد في عداد الأحياء عند الله، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا ۚ بَلْ أَحْيَاءٌ عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}.
  • أنَّ الشهيد مشرَّفٌ يومَ القيامةِ، ودليل ذلك قول الله تعالى: {وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا}.
  • أنَّ الشهيدَ لا يعذَب عند قتله، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “ما يجدُ الشَّهيدُ من مسِّ القتلِ إلَّا كما يجدُ أحدُكُم من مَسِّ القرصةِ”.
  • أنَّ عمل الشهيد يُنمِّى له بعد موته، ودليل ذلك قول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “كلُّ ميِّتٍ يُختَمُ على عملِهِ إلَّا الَّذي ماتَ مرابطًا في سبيلِ اللَّهِ فإنَّهُ ينمي لَهُ عملُهُ إلى يومِ القيامةِ ويأمَنُ فتنةِ القبرِ وسمعتُ رسولَ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ يقولُ المجاهدُ من جاهدَ نفسَهُ”.

شاهد أيضًا: طريقة الصلاة على الميت

وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي يحمل عنوان هل يصلى على الشهيد ، وفيه تمَّ بيان أقوال الأئمة الأربعة في ذلك، كما تمَّ بيان أدلةِ القائلينَ بالصلاةِ عليه وأدلة القائلين بعدم الصلاةِ عليه، وفي ختام هذا المقال تمَّ بيان مكانةِ الشهيدِ في الإسلام، مع بيان الأجر المترتب له، مع ذكر الأدلة الشرعية من نصوص القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة.

المراجع

  1. ^ كتاب التروك النبوية «تأصيلا وتطبيقا»، محمد صلاح الإتربي، 220-222 , https://shamela.ws/book/14221/251 , 7/11/2021
  2. ^ آل عمران: 169
  3. ^ صحيح البخاري، البخاري، جابر بن عبدالله، 1343، حديث صحيح
  4. ^ صحيح أبي داوود، الألباني، أنس بن مالك، 3136، حديث حسن
  5. ^ نخب الافكار، العيني، شداد بن الهاد، 400/7، حديث إسناده صحيح
  6. ^ أحكام الجنائز، الألباني، عبد الله بن الزبير، 106، حديث رجاله ثقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *