تفسير ان اكرمكم عند الله اتقاكم

تفسير ان اكرمكم عند الله اتقاكم، معلومٌ أنَّ العرب في القدم كانوا يتفاخرون بحسبهم ونسبهم وكثرة أموالهم، وكان هذا هو ميزان التفاضل بينهم، لكنَّ الله -عزَّ وجلَّ- بيَّن لهم أنَّ ميزان التفاضل ليس كما يظنون، فما هو ميزانُ التفاضل بين الناس عند الله؟ هذا ما سيقوم موقع محتويات بالإجابة عليه من خلال هذا المقال الذي يقدمه، وذلك من خلال بيان تفسيرِ الآية الكريمة، كما سيجد القارئ بعضًا من الأمور المتعلقةِ بهذه الآية.

تفسير ان اكرمكم عند الله اتقاكم

لقد جاء في الآية الثالثة عشر من سورة الحجرات، قول الله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ)،[1] وفيما يأتي بيان تفسيرها:

• بيَّن الله -عزَّ وجلَّ- فيها أنَّه خلق النَّاس من نفسٍ واحدة، وأنَّه جعل منها زوجها، وهم: آدم وحواء، وجعل النَّاس شعوبًا، ليتمَّ التعارف فيما بينهم، ولا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ الشعوب أعم من القبائل.[2]
• ثمَّ بيَّن في ذات الآية أنَّ ميزان التفاضل بين الناس هو التقوى، مبيٍّنًا أنَّ أفضل الناس عنده وأكرمهم هو أتقاهم، لا أرفعهم نسبًا أو حسبًا، أو أكثرهم مالًا، أو جمالًا، ولا بدَّ من التنبيه إلى أنَّ السنة النبوية المطهرة جاءت تؤكد ذلك، وفيما يأتي ذكر بعض الأحاديث الشريفة:[2]
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه قال: (سُئِلَ رَسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: مَن أَكْرَمُ النَّاسِ؟ قالَ: أَتْقَاهُمْ لِلَّهِ. قالوا: ليسَ عن هذا نَسْأَلُكَ، قالَ: فأكْرَمُ النَّاسِ يُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ، ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ نَبِيِّ اللَّهِ، ابْنِ خَلِيلِ اللَّهِ. قالوا: ليسَ عن هذا نَسْأَلُكَ، قالَ: فَعَنْ معادِنِ العَرَبِ تَسْأَلُونِي؟ النَّاسُ مَعادِنُ، خِيَارُهُمْ في الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُمْ في الإسْلَامِ إذَا فَقُهُوا).[3]
  • عن أبي هريرة -رضي الله عنه- أنَّه قال: (إِنَّ اللهَ تعالى لَا ينظرُ إلى صُوَرِكُمْ وَأمْوالِكُمْ، ولكنْ إِنَّما ينظرُ إلى قلوبِكم وأعمالِكم).[4]
• ثمَّ ختم الله -عزَّ وجلَّ- الآية الكريمة، مبينًا للناس أنَّه ذو علم بأتقاهم وأكرمهم عنده، وأنَّه ذو خبرةٍ بهم وبمصالحهم وجميع الأمور التي تخصهم، وأنَّه لا تخفى عليه خافيةً، لا في السماء ولا في الأرض.[5]

شاهد أيضًا: تفسير اية لقد كفر الذين قالوا ان الله هو المسيح

المراد من التقوى في آية ان اكرمكم عند الله اتقاكم

إنَّ التقوى في اللغة عبارة عن الوقاية والصيانة والحفظ، أمَّا بالمعنى الاصطلاحي الشرعي، فهي عبارة عن التزام المسلم أوامر الله -عزَّ وجلَّ- واجتناب نواهيه، بيقوم بفعل كل ما أُمر به، وترك كل ما نهي عن فعله، وبناءً على ذلك يُمكن القول بأنَّ التناسب بين المعنى اللغوي للتقوى والمعنى الاصطلاحي أن يجعل المسلم بينه وبين عذاب الله واقيًا وذلك من خلال تركه للمحرمات.[6]

شاهد أيضًا: كم مرة حثنا الله سبحانه وتعالى في الآيات على التقوى

أسباب نزول آية ان اكرمكم عند الله اتقاكم

لقد جاء في سبب نزول هذه الآية الكريمة روايتين، وفيما يأتي ذكرهما:

• قيل إنها نزلت في ثابت بن قيس؛ إذ أنَّه عيَّر أحد المسلمين بأمِّه، فسمعه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فطلب منه أن ينظر في وجوه القوم، وسأله: ما رأيت يا ثابت، قال رأيتُ أبيض وأحمر وأسود، قال: فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى، فأنزل الله -عزَّ وجلَّ- هذه الآية الكريمة.[7]
• قيل إنها نزلت في بلال بن رباح يوم فتح مكة، وذلك حين أمره رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بالصعود على سطح الكعبة المشرفة، ليصدح بالأذان، فما كان من بعض القوم إلَّا أن قالوا كلامًا لا يليق ببلالٍ، ولمَّا سألهم رسول الله عن ذلك، أقروا، فنزلت الآية الكريمة.[8]

شاهد أيضًا: تفسير اية ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب

الروايات التفسيرية لآية ان اكرمكم عند الله اتقاكم

لقد وردت عدة رواياتٍ في تفسيرِ هذه الآية الكريمة، وفيما يأتي بيانها مع عزوها إلى مصادرها:

• قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس، إن الله قد أذهب عنكم عبية الجاهلية وتعاظمها بآبائها، فالناس رجلان: بر تقي كريم على الله، وفاجر شقي هين على الله، والناس بنو آدم، وخلق الله آدم من تراب، قال الله: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا ۚ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ).[9]
• قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (يا أيها الناس، ألا إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد، ألا لا فضل لعربي على عجمي، ولا لعجمي على عربي، ولا أحمر على أسود، ولا أسود على أحمر، إلا بالتقوى).[10]
• قال عليه الصلاة والسلام: (إن الله -عز وجل- يقول يوم القيامة: أمرتكم فضيعتم ما عهدت إليكم فيه، ورفعتم أنسابكم، فاليوم أرفع نسبي وأضع أنسابكم، أين المتقون؟ أين المتقون؟ إن أكرمكم عند الله أتقاكم).[11]
• قال ابن عباس -رضي الله عنهما-: “لا أرى أحدا يعمل بهذه الآية: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَىٰ)، حتى بلغ: (إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ)، فيقول الرجل للرجل: أنا أكرم منك، فليس أحد أكرم من أحد إلا بتقوى الله”.[12]

وبذلك تمَّ الوصول إلى ختام هذا المقال، والذي يحمل عنوان تفسير ان اكرمكم عند الله اتقاكم، وفيه تمَّ ذكر نصِّ الآية الكريمة، ثمَّ بيان تفسيرها بشيءٍ من التفصيل، ثمَّ تمَّ بيان معنى التقوى لغةً واصطلاحًا، وبيان العلاقة بين المعنيين، ثمَّ تمَّ بيان أسباب نزول الآيةِ الكريمة، وفي ختام هذا المقال تمَّ ذكر الروايات التفسيرية المتعلقة بها.