الاحتفال براس السنة حلال ام حرام

الاحتفال براس السنة حلال ام حرام

الاحتفال براس السنة حلال ام حرام هو موضوع فقهي من أشهر وأهم المواضيع الفقهية التي ينبغي على كل مسلم أن يكون على علم ودراية بالرأي الشرعي والفقهي الصحيح الصريح في هذه المسألة؛ حتَّى لا المسلم بالخطأ والإثم جهلًا بالحكم، وفي هذا المقال سوف نعرف رأس السنة الميلادية وسنتحدث بالتفصيل عن حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية وسنذكر آراء وأقوال أهل العلم في هذه المسألة الفقهية المهمة.

رأس السنة الميلادية

إنَّ رأس السنة الميلادية هو عيد تحتفل به مختلف الشعوب حول الأرض وتحديدًا الشعوب التي تتبع الديانة المسيحية في العالم، ويصادف يوم رأس السنة الميلادية اليوم الأول من كل عام ميلادي، أي يوم 1 من شهر كانون الثاني يناير، ويُعدُّ هذا اليوم من الأيام التي تُقام فيها الاحتفالات والمهرجانات والأعياد فرحًا واحتفالًا بالعام الميلادي الجديد، وتتركز الاحتفالات الخاصة بهذا اليوم في العالم الغربي المسيحي، وجدير بالقول إنَّ يوم رأس السنة الميلادية له طقوس خاصة به يتميز بها عن سائر الأيام وعن سائر الأعياد أيضًا، وسوف نتحدث فيما سيأتي عن الرأي الإسلامي في مسألة احتفال المسلم برأس السنة الميلادية. [1]

الاحتفال براس السنة حلال ام حرام

ذهب غالبية أهل العلم إلى تحريم الاحتفال برأس السنة الميلادية بالنسبة للمسلمين، في حين ذهبت دار الإفتاء المصرية إلى إباحة الاحتفال بهذا اليوم، واستدلّ كل فريق من الفريقين بأقوال وأدلة مختلفة، نذكر منها ما سيأتي:

رأي من أباح الاحتفال برأس السنة

أباحت دار الإفتاء المصرية الاحتفال برأس السنة الميلادية، واستندت في هذا على حديث رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- الذي قال فيه: “أَنَا أَوْلَى النَّاسِ بعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ في الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَالْأَنْبِيَاءُ إِخْوَةٌ لِعَلَّاتٍ، أُمَّهَاتُهُمْ شَتَّى وَدِينُهُمْ وَاحِدٌ” [2] فمن باب أن رسول الله أولى بعيسى ابن مريم -عليه الصلَّاة والسلام- من أتباع عيسى، فهذا يعني أنَّ الاحتفال برأس السنة الميلادية للمسلمين مُباح وهو أولى من احتفال المسيحين به، واستندوا أيضًا في أنَّ رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- صام يوم عاشوراء وأمر المسلمين بصيامه، مع أنَّه يوم خاص باليهود، حيث قال رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم: “هذا يَوْمٌ عَظِيمٌ، وهو يَوْمٌ نَجَّى اللهُ فيه مُوسَى، وأَغْرَقَ آلَ فِرْعَوْنَ، فَصَامَ مُوسَى شُكْرًا لِلَّهِ، فَقالَ: أَنَا أَوْلَى بمُوسَى منهمْ. فَصَامَهُ، وأَمَرَ بصِيَامِهِ” [3] فرسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم أولى بأنبياء الله من أقوامهم، ولهذا أباح أصحاب هذا القول الاحتفال للمسلمين في رأس السنة الميلادية.

رأي من حرم الاحتفال برأس السنة

أمَّأ من حرّم ومنه الاحتفال برأس السنة الميلادية، فقد استندوا في أقوالهم على أدلة صريحة في القرآن الكريم وفي صحيح السنة النبوية المباركة وفي الإجماع والذي هو المصدر الثالث من مصادر التشريع الإسلامي، واستدلوا على ذلك بقول الله تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [4] فالزور هنا هو أعياد المشركين كما فسّر المفسرون هذه الآية الكريمة، واستدلوا في هذا الحكم أيضًا على قول رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الشريف الذي رواه أنس بن مالك رضي الله عنه، حيث قال: “قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنَّا نلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الله قد أبدلكما بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى والفِطر” [5] والله تعالى أعلم.

لماذا لا نحتفل برأس السنة الميلادية

إنَّ السبب الكامن وراء عدم احتفال المسلمين برأس السنة الميلادية هو أنَّ هذا العيد وهذه الاحتفالات التي تُقام في هذا اليوم هي احتفالات خاصّة بأتباع الديانة المسيحية وهم من أهل الكتاب، وقد جعل الله تعالى للمسلمين عيدين يحتفلان بهما، وهما عيد الفطر وعيد الأضحى، فالاحتفال بأعياد المشركين هو تشبه بهم، وقد جاء عن رسول الله -صلَّى الله عليه وسلَّم- في الحديث الذي رواه أنس بن مالك -رضي الله عنه- أنَّه قال: “قَدِمَ رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم المدينةَ ولهم يومان يلعبون فيهما، فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنَّا نلعب فيهما في الجاهليَّة، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إنَّ الله قد أبدلكما بهما خيرًا منهما: يومَ الأضحى والفِطر” [5] والعلم عند الله تعالى.

شاهد أيضًا: كلام العلماء في حكم الاحتفال برأس السنة

أقوال أهل العلم في الاحتفال برأس السنة

وردت أقوال كثيرة عن أهل العلم تتحدث عن مسألة الاحتفال برأس السنة الميلادية بالنسبة للمسلمين، ومن هذه الأقوال ما سيأتي:

  • قال الإمام ابن تيمية رحمه الله:

موافقة الكفار في أعيادهم لا تجوز من طريقين: الدليل العام، والأدلة الخاصة: أما الدليل العام: أن هذا موافقة لأهل الكتاب فيما ليس من ديننا، ولا عادة سلفنا، فيكون فيه مفسدة موافقتهم، وفي تركه مصلحة مخالفتهم، لما في مخالفتهم من المصلحة لنا، لقوله – صلى الله عليه وسلم – (من تشبه بقوم فهو منهم) فإن موجب هذا تحريم التشبه بهم مطلقا، وكذلك قوله (خالفوا المشركين)، وأعيادهم من جنس أعمالهم التي هي دينهم أو شعار دينهم، الباطل، وأما الأدلة الخاصة في نفس أعياد الكفار، فالكتاب والسنة والإجماع والاعتبار دالة على تحريم موافقة الكفار في أعيادهم.

  • قال الشيخ عبد الوهاب الطريري:

أن المشابهة في الظاهر تورث نوع مودة ومحبة وموالاة في الباطن كما أن المحبة في الباطن تورث المشابهة في الظاهر، وهذا أمر يشهد به الحس والتجربة؛ فإذا كانت المشابهة في أمور دنيوية تورث المحبة والموالاة، فكيف بالمشابهة في أمور دينية؟ فإن إفضاءها إلى نوع من الموالاة أكثر وأشد، والمحبة والموالاة لهم تنافي الإيمان.

  • قال ابن القيم رحمه الله تعالى: 

وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله، وأشد مقتاً من التهنئة بشرب الخمر وقتل النفس، وارتكاب الفرج الحرام ونحوه، وكثير ممن لا قدر للدين عنده يقع في ذلك، ولا يدري قبح ما فعل، فمن هنّأ عبداً بمعصية أو بدعة، أو كفر فقد تعرض لمقت الله وسخطه.

شاهد أيضًا: حكم الاحتفال بالكريسماس ورأس السنة الميلادية

حكم الاحتفال برأس السنة الميلادية عند المالكية

يرى أتباع المذهب المالكي أنَّ الاحتفال برأس السنة الميلادية للمسلمين غير جائز أبدًا، وأن يحتفل المسلم بأي عيد غير عيد الأضحى وعيد الفطر هو أمر مُحرم بشكل قطعي، كما أنَّه لا يجوز للمسلم أن يهنئ المشركين بأعيادهم بأي نوع من أنواع التهنئة ولا يجوز أن يشاركهم في الاحتفال بأعيادهم مهما كانت الأسباب، وفيما يأتي نذكر أقوال علماء المالكية في مسألة الاحتفال برأس السنة الميلادية بالنسبة للمسلمين:

أقوال علماء المالكية بالاحتفال برأس السنة الميلادية

تحدث علماء المالكية عن مسألة الاحتفال برأس السنة الميلادية بالنسبة للمسلمين فقالوا:

  • قال ابن الحاج المالكي: 

الْكَلَامُ عَلَى الْمَوَاسِمِ الَّتِي اعْتَادَهَا أَكْثَرُهُمْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا مَوَاسِمُ مُخْتَصَّةٌ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، فَتَشَبَّهَ بَعْضُ أَهْلِ الْوَقْتِ بِهِمْفِيهَا، وَشَارَكُوهُمْ فِي تَعْظِيمِهَا، يَا لَيْتَ ذَلِكَ لَوْ كَانَ فِي الْعَامَّةِ خُصُوصًا، وَلَكِنَّك تَرَى بَعْضَ مَنْ يَنْتَسِبُ إلَى الْعِلْمِ يَفْعَلُ ذَلِكَ فِي بَيْتِهِ وَيُعِينُهُمْ عَلَيْهِ وَيُعْجِبُهُ مِنْهُمْ، وَيُدْخِلُ السُّرُورَ عَلَى مَنْ عِنْدَهُ فِي الْبَيْتِ مِنْ كَبِيرٍ وَصَغِيرٍ بِتَوْسِعَةِ النَّفَقَةِ وَالْكِسْوَةِ عَلَى زَعْمِهِ، بَلْ زَادَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ يُهَا دُونَ بَعْضَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي مَوَاسِمِهِمْ، وَيُرْسِلُونَ إلَيْهِمْ مَا يَحْتَاجُونَهُ لِمَوَاسِمِهِمْ فَيَسْتَعِينُونَ بِذَلِكَ عَلَى زِيَادَةِ كُفْرِهِمْ، وَيُرْسِلُ بَعْضُهُمْ الْخِرْفَانَ وَبَعْضُهُمْ الْبِطِّيخَ الْأَخْضَرَ وَبَعْضُهُمْ الْبَلَحَ وَغَيْرَ ذَلِكَ مِمَّا يَكُونُ فِي وَقْتِهِمْ، وَقَدْ يَجْمَعُ ذَلِكَ أَكْثَرُهُمْ، وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِلشَّرْعِ الشَّرِيفِ.

  • قال ابن حبيب الأندلسي وهو إمام من أئمة المالكية:

لَا يُقْضَى بِالْإِخْطَارِ فِيالْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ فِعْلُهُ مُسْتَحَبًّا فِي أَعْيَادِ الْمُسْلِمِينَ، وَيُكْرَهُ فِي أَعْيَادِ النَّصَارَى كَالنَّيْرُوزِ، وَلَا يَجُوزُ لِمَنْفَعَلَهُ وَلَا يَحِلُّ لِمَنْ قَبِلَهُ لِأَنَّهُ مِنْ تَعْظِيمِ الشِّرْكِ،قُلْت فَلَا يَحِلُّ قَبُولُ هَدَايَا النَّصَارَى فِي أَعْيَادِهِمْ لِلْمُسْلِمِينَ، وَكَذَا الْيَهُودُ وَكَثِيرٌ مِنْ جَهَلَةِ الْمُسْلِمِينَ مَنْيَقْبَلُ مِنْهُمْ ذَلِكَ فِي عِيدِ الْفَطِيرَةِ عِنْدَهُمْ وَغَيْرَهُ

إلى هنا نختم هذا المقال الذي سلَّطنا فيه الضوء على تعريف رأس السنة الميلادية ووتحدثنا عن الاحتفال براس السنة حلال ام حرام وذكرنا مجموعة من الأقوال عن هذا الحكم، كما سلطنا الضوء على رأي أتباع المذهب المالكي في هذا الحكم الشرعي المهم.

المراجع

  1. ^ wikiwand.com , رأس السنة الميلادية , 28/12/2021
  2. ^ صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، الرقم: 3443، حديث صحيح.
  3. ^ صحيح البخاري , البخاري، عبد الله بن عباس، الرقم: 3397، حديث صحيح.
  4. ^ سورة الفرقان , الآية 72.
  5. ^ التوضيح لشرح الجامع الصحيح , ابن الملقن، أنس بن مالك، الرقم: 8/52، حديث إسناده صحيح.
  6. ^ islamweb.net , حكم الاحتفال بعيد أول السنة الميلادية الكريسمس , 28/12/2021

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *