هل تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة

هل تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة ؟ سؤالٌ يترددُ في أذهان الكثيرِ من النساء اللواتي يُرِدنَ أداء العُمرةِ، ولا سيما ممَّن يقطنونَ الأماكن القريبةَ من الحرم المكّي فلا تُعدُّ بالنسبة لهم مسافة الذهابِ إليه مسافةَ سفَرٍ، وهنا يتبيّنُ أن علّة اشتراط المحرم في العمرة هي كونُ المرأة على سفر، وفي هذا المقال سيتبيّن الفرق بين حالة الوجوب وعدمه.

من هو محرم المرأة في العمرة؟

إنّ الرجال المحارم بالنسبة للمرأة هم المحارم على أيّ حال وفي أي سفر، ولا تختص العمرة بمحارم دون غيرهم، فما يصح للمرأة أن تسافر بصحبة أحدهم إلى أي بلد جاز لها أن تسافر معه لأداء العمرة، والمحرم بالنسبة للمرأة هو الرجل الذي لا يجوز نكاحه لها مع تأييد ذلك بقرابة أو إرضاع أو مصاهَرة، فمن جهة القرابة هو الأبُ وإن عَلا (أي الجدّ وجدّ الجدّ إلى ما فوق ذلك)، والابنُ وإن نزَلَ (أي ابنُ الابنِ وابنُهُ إلى ما دون ذلك)، والعمُّ أخُ الأب، والخالُ أخُ الأم، والأخ وابنُهُ، وابنُ الأختِ. أما من الرضاعة فيكون من محارم المرأة أخوها من الرضاعة، وزوجُ المُرضِعة، أما من المصاهرةِ فيكون من المحارم زوج الأم، ووالدُ الزوج وإن علا، وولد الزوج وإن نزل.[1]

شاهد أيضًا: من هم السبعة الذين يظلهم الله في ظله

متى يُشترط وجود المحرم مع المرأة؟

قبل طرح السؤال “هل تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة” لا بد من طرح سؤال: “متى يشترط وجود المحرم؟” وعلى هذا يكون التوضيح بأنه يُشترط وجود المحرم في سفر المرأة سواءً طالَ هذا السفر أم قصُر، وذلك للعديد من الأدلة التي وردت عن النبي صلى الله عليه وسلم، والتي تنصُّ على النهي عن السفر دون محرم إلا لضرورة تقتضيها المصلحة، كأن تخشى على نفسها من القتل، أو أن تكونَ أسيرةً فتتمكن من الهرب إلى بلاد المسلمين، وغيرها من الضوابط التي تتيح للمرأة السفر دون محرم تحت وطأةٍ ظرفٍ طارئٍ أو حالةٍ اضطراريّة. أمّا وجود المحرم مع المرأة في السفر فواجبٌ في الإسلام.

ومن الأدلة التي تبيّن ضرورة ذلك الأمر ما ورد من أنَّ النبيَّ محمد صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: “لا تُسافِرِ المَرْأَةُ ثَلاثَةَ أيَّامٍ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ”.[2] وفي حديثٍ آخر أن النبيُّ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قال: لا تُسَافِرِ المَرْأَةُ إلَّا مع ذِي مَحْرَمٍ، ولَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا رَجُلٌ إلَّا ومعهَا مَحْرَمٌ، فَقالَ رَجُلٌ: يا رَسولَ اللَّهِ إنِّي أُرِيدُ أنْ أخْرُجَ في جَيْشِ كَذَا وكَذَا، وامْرَأَتي تُرِيدُ الحَجَّ، فَقالَ: اخْرُجْ معهَا.[3]

هل تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة؟

إنّ المسافة التي تنتقل بها المرأة من بيتها في مكة ـ إن كانت ما قاطني ذلك الرّحاب ـ إلى الحرم المكي لأداء العمرة لا تعدّ سفرًا، لأنها تتنقّل في البلد ذاتها ولا تنتقل من بلد إلى بلد آخر، وهنا يمكن القول بأن العمرة تصحّ دون محرم لأن علة اصطحاب المحرم ـ وهي السفر ـ غير موجودة.

وقد أشار العديد من العلماء إلى استحباب وجود المحرم أثناء العمرة وإن لم تكن المرأة على سفر، لأن هذا المكان المبارك يكونُ مزدحمًا في غالب أوقاتِه بالرجال والنساء الذين يؤدّون مناسك العمرة أو الحجّ، ولا يمكن الاحترازُ من اختلاط المرأة بالرجال، فلا بدّ من وجود مَن يكون لها حاميًا وأمينًا.[4]

هل يجوز للمرأة الطواف بدون محرم؟

إذا كانت تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة فإن وجود المحرم مع المرأة في الطواف ليس شرطًا لصحة الطواف، فمما تقدم يمكنُ القول أن وجود المحرم هو شرط لسفرها من أجل الحماية والعون، ولا يلزم ذلك في أثناء الطواف ولا في أثناء أداء مناسك العمرة، كما أن اصطحابها للمحرم لا يفسد الطواف ولا يخلّه، وإنما تتمكن من الطواف سواءً كان معها أم لم يكن.[5]

شاهد أيضًا: هل يجوز لبس النقاب في العمرة

الحكمة من وجود المحرم مع المرأة

لا بدّ للمسلم أن يقف على المعاني السامية التي يبثّها الإسلام في ميدان قضايا المرأة في كل حكم، فالسمة الظاهرة التي يؤكّد عليها مع كل تحريم أو إباحة هو حماية المرأة بالدرجة الأولى والحفاظ على حياتها وأمانها ودرء المفسدة عن جميع محاور حياتها، لما يكتنفها من الضعف في العديد من الأحوال مقارنةً بالرجل الذي يتّسم بالقدرة على الحماية والرعاية، لا سيما أن الإسلام يلزمه بالسفر مع المرأة رغم عناء ومشقة السفر التي سيتكبّدها لتحقيق ذلك المطلب، وفي هذا معنى عميق يغرسُه الإسلام في الرجل كي يكون للمرأة سكَنًا وأمانًا جاهزًا لدرءِ السوء عنها في أي ظرف.[6]

إلى هنا وصلنا إلى نهاية هذا المقال الذي تحدثنا فيه عن السؤال الذي قد يتردد في الأذهان “هل تجوز العمرة بدون محرم لأهل مكة؟“، وعن محارم المرأة في العمرة، ومتى يُشترط وجود المحرم مع المرأة؟ بالإضافة إلى جواز طواف المرأة بدون محرم، والحكمة من وجوب وجود المحرم مع المرأة عند السفر.