حكم البكاء على الميت من غير جزع

حكم البكاء على الميت من غير جزع

حكم البكاء على الميت من غير جزع هو ما سيتناوله موضوع المقال، ولكن قبل ذلك لا بدّ من بيان أنّ الموت حقٌّ على كلّ الخلق لا بدّ من وقوعه، قال تعالى في سورة آل عمران: {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجنَّة فَقَدْ فَازَ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ}،[1] فالموت هو العاقبة لكلّ إنسانٍ حيّ.[2]

هل يسمع الميت بكاء أهله

قبل الخوض في حكم البكاء على الميت من غير جزع لا بدّ من بيان أنّ الميت يمكنه إدراك أحزان أهله وبكائهم عليه، ويعلم سبب هذا البكاء، وقد ورد في الأثر أنّ المرء بعد موته يستقبل أهل بيته ممّن لحقوه بالموت بعده، ويسأله عن أحوال من بقي من أهلهم في الحياة الدنيا، وقد جاء في الحديث الصحيح المطول، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنه- قال: “فَلَمَّا أُصِيبَ عُمَرُ دَخَلَ صُهَيْبٌ يَبْكِي يقولُ: وا أَخَاهُ وا صَاحِبَاهُ، فَقالَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه: يا صُهَيْبُ، أَتَبْكِي عَلَيَّ، وقدْ قالَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ المَيِّتَ يُعَذَّبُ ببَعْضِ بُكَاءِ أَهْلِهِ عليه، قالَ ابنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنْهمَا: فَلَمَّا مَاتَ عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عنْه، ذَكَرْتُ ذلكَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا، فَقالَتْ: رَحِمَ اللَّهُ عُمَرَ، واللَّهِ ما حَدَّثَ رَسولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ اللَّهَ لَيُعَذِّبُ المُؤْمِنَ ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه، ولَكِنَّ رَسولَ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قالَ: إنَّ اللَّهَ لَيَزِيدُ الكَافِرَ عَذَابًا ببُكَاءِ أَهْلِهِ عليه، وقالَتْ: حَسْبُكُمُ القُرْآنُ: {وَلَا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام: 164]”،[3] وعلى ذلك فإنّ الميت يسمع ويعلم ببكاء أهله عليه.[4]

حكم البكاء على الميت من غير جزع

إنّ حكم البكاء على الميت من غير جزع يدفع في بادئ الأمر إلى بيان أنّ البكاء الممتوع والمحرّم في شريعة الدين الإسلامي هو النياحة، وما يكون من البكاء بصوتٍ عالٍ ومن الندب وشق الثياب والضرب على الخد، كلّ ذلك يندرج تحت ما حرّمه الله ورسوله في البكاء على الميّت، فعن عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه- أنّ رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- قال: “ليس منَّا مَن لطم الخدودَ أو شقَّ الجيوبَ أو دعا بدعوى الجاهليةِ“،[5] وأمّا حكم البكاء على الميت من غير جزع مع استحضار الخشوع ودون رفع الصوت فلا بأس به كما أخبر أهل العلم، وذلك استنادًا لما جاء في سيرة النبيّ محمّد -صلّى الله عليه وسلّم- عندما توفي ابنه ابراهيم، وبكاء النبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بخشوعٍ واستحضار، وكما جاء في الحديث الصحيح أيضًا قول النبيّ صلّى الله عليه وسلّم: “أَلَا تَسْمَعُونَ إنَّ اللَّهَ لا يُعَذِّبُ بدَمْعِ العَيْنِ، ولَا بحُزْنِ القَلْبِ، ولَكِنْ يُعَذِّبُ بهذا – وأَشَارَ إلى لِسَانِهِ – أَوْ يَرْحَمُ”،[6] هذا والله ورسوله أعلم.[7]

الدعاء للميت

بعد الخوض في بيان حكم البكاء على الميت من غير جزع لا بدّ من الخوض في ذكر بعض من المأثور في الأدعية للأموات، فقد صحّ عن النبيّ صلّى الله عليه وسلّم أنّ الدعاء للميت قد يكون أنفع ما يقدّمه الحيّ للميّت، ومن الأدعية المأثورة للميت:[8]

  • اللهم إن فلان بن فلان في ذمتك وحبل جوارك، فَقِهِ من فتنة القبر وعذاب النار، وأنت أهل الوفاء والحق، اللهم اغفر له وارحمه، فإنك أنت الغفور الرحيم.
  • اللهم اغفر له وارحمه واعف عنه وعافه وأكرم نزله ووسع مدخله، واغسله بماء وثلج وبَرَد، ونَقِّهِ من الخطايا كما ينقى الثوب الأبيض من الدنس، وأبدله داراً خيراً من داره، وأهلاً خيراً من أهله، وزوجاً خيراً من زوجه، وقِهِ فتنة القبر وعذاب النار
  • اللهم اغفر لحينا وميتنا، وصغيرنا وكبيرنا، وذكرنا وأنثانا، وشاهدنا وغائبنا، اللهم من أحييته منا فأحيه على الإسلام، ومن توفيته منا فتوفَّهُ على الإيمان، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تضلنا بعده.
  • اللهم أنت ربها وأنت خلقتها، وأنت رزقتها وأنت هديتها للإسلام، وأنت قبضت روحها، وأنت أعلم بسرها وعلانيتها، جئنا شفعاء له فاغفر له ذنبه.
  • اللهم إنه عبدك وابن عبدك وابن أمتك كان يشهد أن لا إله إلا أنت، وأن محمداً عبدك ورسولك، وأنت أعلم به، اللهم إن كان محسناً فزد في إحسانه، وإن كان مسيئاً فتجاوز عن سيئاته، اللهم لا تحرمنا أجره ولا تفتنا بعده.

حكم البكاء على الميت من غير جزع مقالٌ فيه تمّ بيان حقّ الموت على الإنس والجنّ، وبيان أنّ الميّت يسمع بكاء أهله ويعذبه ذلك، قبل الخوض في بيان الحكم الشرعي في البكاء على الأموات بخشوع ومن غير جزع، وفي الختام تمّ الخوض في ذكر بعض من المأثور في الأدعية للميت.

المراجع

  1. ^ سورة آل عمران , الآية 185
  2. ^ alukah.net , الموت حق على الإنس والجن
  3. ^ صحيح البخاري , البخاري/عبدالله بن عمر/1286/صحيح
  4. ^ islamweb.net , هل الميت يعلم بأحزان أهله وسبب الحزن؟
  5. ^ مسند أحمد , أحمد شاكر/عبدالله بن مسعود/6/167/إسناده صحيح
  6. ^ صحيح البخاري , البخاري/عبدالله بن عمر/1304/صحيح
  7. ^ binbaz.org.sa , حكم البكاء على الميت
  8. ^ islamweb.net , المأثور من الأدعية للأموات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *