سبب نزول سورة الحديد

سبب نزول سورة الحديد من أسباب النّزُول التي يرغب الكثير من المسلمين، وخاصّة رُوّاد علوم القرآن الكريم في معرفتها؛ وذلك لأن أسباب النّزول يُستظهر من خلالها الأحداث والوقائع التي نزلت فيها السّورة، وبالتّالي يُتعرّف على مقاصد السّورة ومعانيها على أتمّ وجهٍ، وفيما يلي سنتعرّف على سورة الحديد، وسبب نزول تلك السورة المباركة.

التعريف بسورة الحديد

سورة الحديد من السور التي نزلت على النبي -صلى الله عليه وسلّم- بعد الهجرة، ولو بغير المدينة، فهي من السور المدنيّة، وتبلغ عدد آياتها تسع وعشرون آيةً، وتحتلّ المرتبة السابعة والخمسين في ترتيب سُور القرآن الكريم، تقع بعد سورة الواقعة وقبل سورة المجادلة، وهي آخر سورة في الجزء السابع والعشرون، أو جزء ” الذاريات” نسبةً إلى أول سورةٍ في هذا الجزء، وهي من السّور المُسبّحات، أي التي تبدأ ب” يُسبّح”، أو ” سبّح”[1]؛ فهي ابتدأت بقوله -تعالى-: ” سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم”[2]، وأما من حيث ترتيب النّزول؛ فقد نزلت بعد سورة الزلزلة.

سبب نزول سورة الحديد

تتعدّد أسباب النّزول بتعدُّد الوقائع والأحداث التي نزلت فيها الآيات، وقد يكون للسورة الواحدة أكثر من سبب للنّزول، وذلك بسبب تعدُّد نزول آياتها، وقد ورد في سبب نزول تلك السّورة الكثير من الأحاديث منها: ما رُوي عن عبد الله بن عُمر-رضي الله عنهما-أنه قال: “”بينا النّبيّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- جالسٌ وعندَه أبو بَكرٍ الصِّدِّيقُ وعليهِ عباءةٌ قد جلَّلَها على صدرِه بِجِلال، إذ نزلَ عليهِ جبريلُ -عليه السَّلام- فأقرأَه من اللَّه السَّلام وقالَ: يا رسولَ اللَّهِ ما لي أرى أبا بَكرٍ عليهِ عباءةٌ قد جلَّلَها على صدرِه بجِلال، فقال: يا جبريلُ أنفقَ مالَه عليَّ قبلَ الفتحِ، قال: فأقرِئهُ من اللَّه السَّلام وقُلْ لهُ يقولُ لَكَ ربُّكَ أراضٍ أنتَ عنِّي في فقرِك هذا أم ساخِطٌ؟، فالتفتَ النَّبيُّ -صلَّى اللَّه عليه وسلَّم- إلى أبي بَكرٍ فقالَ: يا أبا بَكرٍ هذا جبريلُ يقرئُك السَّلام من اللَّه ويقولُ أراضٍ أنتَ عنِّي في فقرِك هذا أم ساخطٌ؟، فبَكى أبو بَكرٍ وقالَ: أعلى ربِّي أغضبُ، أنا عن ربِّي راضٍ أنا عن ربِّي راضٍ”[3]

فنزلَ قولُهُ تعالى: “وَمَا لَكُمْ أَلَّا تُنفِقُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ۚ لَا يَسْتَوِي مِنكُم مَّنْ أَنفَقَ مِن قَبْلِ الْفَتْحِ وَقَاتَلَ ۚ أُولَٰئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِّنَ الَّذِينَ أَنفَقُوا مِن بَعْدُ وَقَاتَلُوا ۚ وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَىٰ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ”[4]، وقد ورد في سبب نزول آية: ” ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله..”، عن سعد قال: أُنزل القرآن زمانًا على رسول الله -صلى الله عليه وسلّم-؛ فتلاه عليهم زمانًا، فقالوا يا رسول الله: لو قصصت؛ فأنزل الله -تعالى-: ” نحن نقصّ عليك أحسن القصص..”[5]، فتلاه عليهم زمانًا، فقالو: يا رسول الله لو حدثتنا؛ فأنزل الله -تعالى-: ” الله نزل أحسن الحديث..”، قال: كل ذلك يؤمرون بالقرآن: وزاد فيه آخر، قالوا: يا رسول الله لو ذكرتنا، فأنزل الله -تعالى-:” ألم يأن للذين ءامنوا أن تخشع قلوبهم لذكر الله..”

سبب تسمية هذه السورة بهذا الاسم

تختلف أسماء السّور باختلاف القصص التي ذُكرت فيها، واختلاف الكلمات الرنّانة التي ذُكرت فيها، ومن هنا جاء الاختلاف في أسماء السّور، فسورة يوسُف سُمّيت بهذا الاسم؛ لذكر قصة يوسف -عليه السّلام- فيها، وسورة الكهف سُمّيت بهذا الاسم؛ لذكر قصة أصحاب الكهف فيها، أما سورة الواقعة؛ فسُمّيت بهذا الاسم نظرًا لكلمة الواقعة في مطلعها، وسورة الحديد سُمّيت بهذا الاسم؛ لذكر الحديد فيها، وتناوُل ذكر الحديد فيها، وذلك في قوله -تعالى-:” لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيّناتِ وَأَنْـزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ”[6]

ومن خلال هذا المقال يُمكننا التعرُّف على سبب نزول سورة الحديد ، والتعريف بسورة الحديد من حيث مكيتها ومدنيتها، ومن حيث ترتيب النّزول، وترتيبها في سور القرآن الكريم، وفي أي جزءٍ وقعت، وسبب تسمية هذه السورة بهذا الاسم، والأدلة التي تُثبيت سبب نزول تلك الآية، وتنوّع أسماء السّور باختلاف قصصها.