هل الشهوة تبطل الصيام

هل الشهوة تبطل الصيام

هل الشهوة تبطل الصيام هو سؤال يتردد كثيرًا على ألسنة الناس في أثناء الصيام وبخاصة صيام شهر رمضان المبارك، المتزوجين منهم وغير المتزوجين، وهو سؤال حق ومشروع من قبل المسلمين الذين يجب أن يعلموا عن دينهم كلّ شيء مما لا يسعهم الجهل به، وفيما يلي عبر موقع محتويات من هذا المقال إجابة عن هذا السؤال بالتفصيل.

تعريف الشهوة

إنّ الشهوة في اللغة هي الاشتياق لشيء ما والرّغبة به، وهذه اللفظة “الشهوة” قد اختُصّ بها الإنسان؛ لأنّ الشهوة لا تكون إلا من العاقل، وأما بالنسبة للحيوانات والبهائم ونحوها، فيُقال لرغبتها بشيءٍ ما “غريزة” ولا يُقال شهوة، وكثيرًا ما تقترن لفظة “الشهوة” بالجنس فيُقال: الشهوة الجنسية إذا ما أُريد من خلالها التعبير عن الرغبة في الجنس، ولكنّ مفهوم الشهوة أعمّ من ذلك وأوسع؛ يقول الله -تعالى- في سورة آل عمران: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ۗ ذَٰلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَاللهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ}،[1] وبناء على ما سبق، فإنّ الشهوة قد تكون حلالًا وقد تكون حرامًا بحسب الحالة التي تكون عليها.[2]

هل الشهوة تبطل الصيام

إنّ الشهوة بحد ذاتها ليست حرامًا، ولا تبطل الصيام، وإنّما تنقسم بحسب الآية السابقة إلى كثير من الأمور منها النساء التي قد تشتهي بحلال أو حرام، وقد تكون في أمور غير محرّمة، وتفصيلها كما يلي:

شهوة المحرمات

إنّه قد توسوس نفس الإنسان له بأفعال محرمة أو منكرة في نهار الصوم، كأن يتخيّل أنّه يزني أو يقتل أو يحتسي الخمر وغيره من المسكرات والمنكرات، غير أنّه لا يقدم على فعل شيء من ذلك، ففي هذه الحال لا شيء عليه وإذا كان صائمًا، فإنّ هذه الشهوة لا تبطل الصيام؛ إذ إنّ ذلك في أصله من حديث النفس، وقد قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في الحديث الذي يرويه الصحابي الجليل أبو هريرة رضي الله عنه: “إنَّ اللهَ تَجاوَزَ عن أُمَّتي ما حَدَّثَتْ به أنْفُسَها، ما لَمْ تَعْمَلْ أوْ تَتَكَلَّمْ”،[3] ولكن يجب على المسلم أن يستعيذ بالله من الشيطان الرجيم ويطرد عنه هذه الأفكار التي يكون مصدرها الشيطان والنفس الأمّارة بالسوء.[4]

شهوة غير المحرمات

بالنسبة لشهوة الأمور غير المحرّمة، فقد يتخيَّل الإنسان كثيرًا من الأمور، ويشتهيها ولا تكون حرامًا؛ كأن يشتهي الإنسان الأكل أو الشرب بما ليس فيه حرام، في الجو ويتخيّل ذلك، أو أن يشتهي أن يكون شخصية خارقة من الشخصيات الخيالية التي لها قوة خارقة وهذا كله ليس حرامًا هذه الشهوة لا تبطل الصيام، ولكن الأولى من ذلك كلّه للمسلم أن ينشغل بأداء الأعمال الصالحة في رمضان وأن يداوم على الطاعات، وأن يدع تلك الخيالات التي لا تورث في النفس خيرًا بل ربما تورثها شرًّا.[5]

شاهد أيضًا: خروج المذي بشهوة هل يبطل الصيام.

ثوران الشهوة هل يفسد الصيام

إنّ ثوران الشهوة في نهار الصيام لا يفسد الصيام بحد ذاته، ولكن إذا تبعه أمرٌ من المسلم عن عمد أدّى إلى إفراغ تلك الشهوة من استمناء ونحوه، فإنّ ذلك بالطبع يُفسد الصّيام، وأمّا إن خرج من المسلم مني من غير إرادته أو مذي أو نحوه فذلك لا يفسد الصيام كما ذهب جماعة من أهل العلم، ولكن الأولى على المسلم أن يكون دائم الدعاء إلى ربّه ليصرف عنه تلك الهواجس والأمور المُتخيّلة، وأن يخفّ عنه ثوران شهوته في أثناء الصيام، وأن يحاول أن يشغل المسلم والمسلمة أنفسهم بما ينفع ويصرف عنهم هذه الخواطر، فإنّ النفس إن لم يشغلها صاحبها بالخير شغلته بالشر.[6]

هل التفكير بالجماع يبطل الصيام

قد تدور في ذهن الإنسان كثير من الأسئلة كان يسأل نفسه هل التفكير في العلاقة الزوجية يبطل الصيام، أو هل الشهوة تبطل الصيام عند الرجال، أو أن يسأل هل التخيلات الجنسية تبطل الصيام، وغير ذلك من الأمور الجنسية التي قد تطرأ على بال الإنسان في الصيام وفي غيره، غير أنّ هذه السطور تعالج مسألة التفكير بالجماع في نهار الصيام، فقد تطرأ على نفس الإنسان بعض التخيّلات الجنسية التي قد تسبب له الإثارة في أثناء الصيام، كالتفكير بالجماع ونحوه، وهذا -بحسب جمهور الفقهاء- ليس مفسدًا لصيام المسلم أو المسلمة حتّى وإن أنزل الصائم المني من دون إرادة منه.[7]

وخالف المالكيّة الجمهور حين قالوا إنَّ المني إذا نزل نتيجة لتلك التخيلات الجنسية حتى ولو لم يكن الإنزال متعمدًا من المرء فإنّ ذلك يوجب القضاء على المسلم وصار صيامه باطلًا، وعليه القضاء تبعًا، ولكن إن كان المرء قد “استدام” ذلك الفعل -يعني داوم على التخيّل وأطال التفكير فيه- حتى أنزلَ منيًا وكان من عادته أن ينزل المني في مثل هذه المواقف، فإنّه يجب عليه الكفارة بالإضافة إلى القضاء، وفساد الصيام بالنزول هو واحد عند المالكية سواء في المني أم المذي، غير أنّهم قد قالوا في المذي غنّه يستوجب القضاء فقط من دون الكفّارة سواء استدام ذلك أم لم يستدمه، والله أعلم.[7]

شاهد أيضًا: هل يجب الاغتسال عند نزول إفرازات الشهوة.

هل نزول الشهوة يبطل الصيام للمرأة

كثيرًا ما تسأل النساء عن خروج السائل الشفاف من المهبل هل يبطل الصيام أو لا، وللتحقيق في هذه المسألة ينبغي العلم أنّ المرأة يخرج من فرجها سوائل تنقسم قسمين:[8]

  • القسم الأوّل: هو سائل أبيض رقيق لزج يخرج عندما تصل المرأة إلى الشهوة فيخرج ولا ييكون بعده فتور، وربما لا تشعر المرأة بخروجه، وهذا هو المذي، وهو نجس فيجب غسل الثوب أو البدن إن أصابه شيء منه، وهذا المذي ينقض الوضوء فقط، فحكمه في ذلك حكم البول، ولا يوجب الغسل على من خرج منها.
  • القسم الثاني: وهو ماء أصفر رقيق تشعر المرأة عند خروجه بلذّة، ويعقب خروجه فتور في شهوتها، وهذا هو المني، فإذا خرج من المرأة فإنّه يوجب عليها الغسل، والمني طاهر على القول الراجح من أقوال أهل العلم.

فبذلك تعلم المرأة أنّ نزول الشهوة يختلف بين المذي والمني، فإن خرج منها المذي بشهوة فإنّه لا يبطل الصيام على قول الجمهور، وأمّا عند المالكية فنزول المذي بشهوة يبطل الصيام، وأمّا نزول المني بشهوة ففيه خلاف إن كان نزل عن عمد أم من غير إرادة، فإن نزل عن عمد فهو يبطل الصيام بحسب قول الفقهاء جميعًا، وأمّا إن نزل لمجرّد التفكير فهو لا يبطل الصيام عند الجمهور، ويبطل الصيام عند المالكيّة، والله أعلم.[7]

شاهد أيضًا: حكم تقبيل الزوجة من الفم في نهار رمضان.

هل يلزم الغسل أو الوضوء مع الشهوة

إنّ الشهوة -كما مرّ آنفًا- لا تنحصر فقط في الأمور الجنسية، بل تتعداها إلى الشهوة الحلال والشهوة الحرام والشهوة الجنسية، ولكلّ منها تفصيل مستقل:

الشهوة الحلال

إنّ الشهوة الحلال تكون في أمور الحياة اليومية كالطعام والشراب ونحو ذلك، وعند الوقوف على نواقض الوضوء في الإسلام يتبيّن أنّ هذه الأمور والشهوات لا تنقض الوضوء ومن باب أولى فهي لا توجب الغُسل أيضًا.[9]

الشهوة الحرام

إنّ الأفعال المحرمة تشمل جميع الأمور التي حرّمها الله تعالى، كالسرقة والقتل وإيذاء الآخرين وغيره، وهذه الأفعال ينبغي العلم أوّلًا أنّها لا تكتب للإنسان سيئة ما دام لم يفعلها، لقوله -عليه الصلاة والسلام- فيما يرويه عنه أنس بن مالك رضي الله عنه: “ومَن هَمَّ بحَسَنَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها كُتِبَتْ له حَسَنَةً، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ له عَشْرًا، ومَن هَمَّ بسَيِّئَةٍ فَلَمْ يَعْمَلْها لَمْ تُكْتَبْ شيئًا، فإنْ عَمِلَها كُتِبَتْ سَيِّئَةً واحِدَةً”،[10] وامّا بالنسبة لحكم الوضوء مع اشتهاء هذه الأمور فهو مما لم يذكره العلماء في الأمور التي تنقض الوضوء أو تستوجب الغسل.[9]

الشهوة للأمور الجنسية

إنّ الشهوة للأمور والأفعال الجنسية لا تبطل الوضوء أو أنّها توجب الغسل بحد ذاتها، ولكن إن رافق هذه الشهوة خروج للمذي من الإنسان فإنّه يلزمه الاستنجاء منه بماء أو حجر مما يُستنجي به عادة، ثمّ على المسلم أن يتوضّأ لأداء العبادات التي تحتاج إلى وضوء لأدائها كالصلاة،[11] وأمَّا لو رافق هذه الشهوة نزول المني فإنّ الوضوء وحده لا يكفيه وإنّما يلزمه الغسل ليتطهّر ويؤدّي العبادات المفترضة عليه، والله أعلم.[12]

وهكذا يصل مقال هل الشهوة تبطل الصيام إلى الختام وقد فُصّل القول فيه عن الشهوة وتعريفها وهل تبطل الصيام بحد ذاتها وماذا يحدث إن رافقها إنزال ونحو ذلك من الأمور التي يسأل عنها المسلمون كثيرًا، وكان آخرها عن نزول الشهوة إن كان يستوجب الوضوء أو الغسل أم لا.

المراجع

  1. ^ سورة آل عمران , الآية: 14
  2. ^ al-maktaba.org , أزمات الشباب أسباب وحلول , 09/03/2024
  3. ^ صحيح البخاري , البخاري، أبو هريرة، الرقم: 5269، حديث صحيح
  4. ^ al-maktaba.org , مجموع فتاوى ابن باز , 09/03/2024
  5. ^ islamweb.net , حكم تخيل أشخاص خيالية لا وجود لها في الواقع , 09/03/2024
  6. ^ al-maktaba.org , فتاوى الشبكة الإسلامية , 09/03/2024
  7. ^ al-maktaba.org , فتاوى الشبكة الإسلامية , 09/03/2024
  8. ^ islamweb.net , ما يلزم مما يخرج من فرج المرأة وله علاقة بالشهوة , 09/03/2024
  9. ^ al-maktaba.org , الموسوعة الفقهية الكويتية , 09/03/2024
  10. ^ صحيح مسلم , مسلم، أنس بن مالك، الرقم: 162، حديث صحيح
  11. ^ al-maktaba.org , الموسوعة الفقهية الكويتية , 09/03/2024
  12. ^ al-maktaba.org , الموسوعة الفقهية الكويتية , 09/03/2024

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *