ما اعلى مرتبه من مراتب الدين

ما اعلى مرتبه من مراتب الدين

ما اعلى مرتبه من مراتب الدين هو ما سيتناوله موضوع هذا المقال، لكن قبل ذلك لا بدّ من الحديث عن الدين الإسلاميّ، هذا الدين العظيم الذي يعجّ بالمزايا لمعتنقيه، فهو يؤاخي العقل والعلم، والروح والمادة، ويدعو إلى الحضارة والعمران، ويقيم الحجّة بالدليل والبرهان، وهو جامعٌ لكافّة ما يحتاجه البشر، والكثير الكثير من المزايا التي لا تعدّ ولا تحصى للدّين الإسلاميّ.[1]

ما هي مراتب الدين الثلاثة

قبل الخوض في إجابة سؤال ما اعلى مرتبه من مراتب الدين ، لا بدّ أن يتمّ التعريف بدايةً بمراتب الدين، إن مراتب الدين ثلاثة وهي ما سيتمّ ذكره فيما سيأتي من المقال مع ذكر أركان كلّ مرتبة من مراتب الدين:[2]

  • الإسلام: وهي المرتبة العامة من مراتب الدين، وأركان الإسلام خمسة: شهادة أن لا إله إلا الله، وأنّ محمدًا رسول الله، وإقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت من استطاع إليه سبيلًا.
  • الإيمان: وله ستّ أركان، وهي: الإيمان بالله وبملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشرّه.
  • الإحسان: وهو ركنٌ واحدٌ يشير إلى إحسان المرء في عبادة ربّه.

ما اعلى مرتبه من مراتب الدين

بعد الخوض في ذكر مراتب الدين لا بدّ من إجابة السؤال الذي يطرحه عنوان المقال الرئيس: ما اعلى مرتبه من مراتب الدين ؟ والإجابة تكمن في أنّ أعلى مراتب الدين هي المرتبة الثالثة: مرتبة الإحسان، وقد جعل الخالق سبحانه وتعالى لأهل الإحسان العلوّ الكبير في الدرجات، فهم السابقون في الخيرات والمقربون إلى خالق السماوات، والحكمة في أنّ الإحسان هو أعلى مراتب الدين تكمن في كون الأركان الظاهرة في الإسلام ترتبط بالأركان الباطنة للإيمان، والإحسان يكون تحسينًا للظاهر والباطن، وفي الإطلاق كلّها تشمل دين المولى سبحانه كلّه، وقد جاء ذكر الإحسان في القرآن الكريم في مواطن كثيرة، منها:[3]

  • سورة المائدة: قال تعالى: {لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا ۗ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}.[4]
  • سورة البقرة: قال تعالى: {بَلَىٰ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}.[5]
  • سورة لقمان: قال تعالى: {وَمَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىٰ ۗ وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ}.[6]

مراتب الإحسان

إنّ إجابة سؤال ما اعلى مرتبه من مراتب الدين هي الإحسان، والإحسان كما أنّ للدّين مراتبٌ فله مراتب، وقد أخبر عن ذلك رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- بأنّ مراتب الإحسان تكون على درجتين، والمحسنين لهم مقامين متفاوتين:[3]

  • المقام الأول: وهو الأعلى بين مراتب الإحسان، وهو أن يعبد المرء خالقه كأنّما يراه، فيتنوّر قلبه بالإيمان، وتمتلؤ بصيرته بنور الهداية، فيقبل على الله ويحب طاعته، وقد جاء في الحديث المرسل عن الحارث بن مالك الأنصاري: “أنَّ النبيَّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّمَ قال لهُ : يا حارثةُ كيفَ أصبحتَ ؟ قال : أصبحتُ مؤمنًا حقًّا . قال : انظرْ ما تقولُ ، فإنَّ لكلِّ قولٍ حقيقةً . قال : يا رسولَ اللهِ عزفتْ نفسي عَنِ الدنيا فأسهرتُ ليلي وأظمأتُ نهاري وكأنِّي أنظرُ إلى عرشِ ربي بارزًا ، وكأني أنظرُ أهلَ الجنةِ في الجنةِ يتزاورونَ فيها ، وكأنِّي أنظرُ إلى أهلِ النارِ في النارِ كيفَ يتعاوونَ فيها . قال : أبصرتَ فالزمْ . عبدٌ نوَّرَ اللهُ بصيرتَهُ”.[7]
  • المقام الثاني: من مراتب الإحسان وهو مقام الإخلاص، فلا يكفي أن يعبد المرء خالقه كأنما يراه، وكذلك ينبغي أن يعمل على الخضوع واستحضار مشاهدة الخالق له في عمله.

حديث مراتب الدين

بعد الخوض في إجابة سؤال ما اعلى مرتبه من مراتب الدين كان لا بدّ من ذكر متن الحديث المطوّل عن مراتب الدّين، وهو حديثٌ عظيم القدر، كبير الشأن، جمع الدين كلّه من أبوابه بأبسط الأساليب، كذلك روى عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- قال:

“بينَما نحنُ ذاتَ يومٍ عندَ نبيِّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ إذ طلعَ علَينا رجلٌ شَديدُ بياضِ الثِّيابِ، شديدُ سوادِ الشَّعرِ لا يُرى، قالَ يزيدُ: لا نَرى عليهِ أثرَ السَّفرِ، ولا يعرفُهُ منَّا أحدٌ، حتَّى جلسَ إلى نبيِّ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ، فأسندَ رُكْبتيهِ إلى رُكْبتيهِ، ووضعَ كفَّيهِ على فَخِذَيهِ، ثمَّ قالَ: يا مُحمَّدُ أخبرني عنِ الإسلامِ، ما الإسلامُ؟ فقالَ الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إلَهَ إلَّا اللَّهُ، وأنَّ محمَّدًا رسولُ اللَّهِ، وتقيمَ الصَّلاةَ، وتُؤْتيَ الزَّكاةَ، وتَصومَ رمضانَ، وتحجَّ البيتَ إنِ استطعتَ إليهِ سبيلًا قالَ: صدقتَ. قالَ: فعجِبنا لَهُ، يسألُهُ ويصدِّقُهُ. قالَ: ثمَّ قالَ: أخبرني عنِ الإيمانِ. قالَ: الإيمانُ أن تُؤْمِنَ باللَّهِ وملائِكَتِهِ وَكُتبِهِ ورسلِهِ واليومِ الآخرِ، والقدرِ كلِّهِ خيرِهِ وشرِّه، قال: صدَقتَ. قالَ: فأخبِرني عنِ الإحسانِ، ما الإحسانُ؟ قالَ يَزيدُ: أن تعبدَ اللَّهَ كأنَّكَ تَراهُ، فإن لم تَكُن تَراهُ، فإنَّهُ يراكَ، قالَ: فأخبِرني عنِ السَّاعةِ، قالَ: ما المَسؤولُ عنها بأعلمَ بِها منَ السَّائل، قالَ: فأخبِرني عن أماراتِها. قالَ: أن تلدَ الأمةُ ربَّتَها، وأن تَرى الحفاةَ العراةَ رعاءَ الشَّاءِ يتطاولونَ في البناء، قالَ: ثمَّ انطلقَ فلبِثَ مليًّا -قالَ يزيدُ: ثلاثًا- فقالَ لي رسولُ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ: يا عمرُ أتدري منِ السَّائلُ؟ قالَ: قلتُ: اللَّهُ ورسولُهُ أعلمُ. قالَ: فإنَّهُ جبريلُ، أتاكم يعلِّمُكُم دينَكُم”.[8]

شرح مراتب الدين

ما اعلى مرتبه من مراتب الدين سؤالٌ يقتضي جوابه أن يتمّ شرح مراتب الدّين الثلاثة، ألا وهي الإسلام والإيمان والإحسان، والمذكورة في الحديث الصحيح لإخبار جبريل عليه السلام لنا مراتب الدّين، وإنّ لكلّ مرتبةٍ معنىً وأركان، وكنا قد ذكرنا أركان كلّ رتبة من مراتب الدين، فما هو معنى كلّ رتبة.

الإسلام

إنّ الإسلام في المفهوم اللغويّ: هو الانقياد للشيء والإذعان له، وأمّا في المفهوم الشرعيّ فإنّ المعنى يكون على حسب الإطلاق، ونميّز له في المفهوم الشرعيّ حالتين:[9]

  • الحالة الأولى: أن لا يقترن الإسلام بذكر الإيمان، كأن يكون مفردًا بذاته، ويكون المراد به حينها الدّين بجميع أصوله وفروعه، قال تعالى في سورة آل عمران: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}،[10] وقد عرّفه أهل العلم بأنّه الاستسلام التّام للخالق سبحانه بتوحيده والانقياد له بطاعته وبراءة المرء من الشرك وأهل الشرك.
  • الحالة الثانية: أن يقترن ذكر الإسلام بالإيمان، ويكون المراد به عندئذٍ كافة ما يكون من العمل والقول الظاهر، قال تعالى في سورة الحجرات:{قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.[11]

الإيمان

الإيمان لغةً: هو ما يكون من التصديق اللازم والإذعان والقبول بالأشياء، وأمّا في المفهوم الشرعيّ فهو كما الإسلام يكون معناه على حسب الإطلاق، ونميّز له حالتين أيضًا:[9]

  • الحالة الأولى: إذا لم يكن الإيمان مقترنًا بالإسلام، فهو الدّين بذاته كلّه، قال تعالى في سورة البقرة: {اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُمْ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُمْ مِنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ ۗ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.[12]
  • الحالة الثانية: إذا أطلق الإيمان مقروناً بالإسلام حينها سيدلّ على العقائد الباطنيّة، كما قال رسول الله -صلّى الله عليه وسلّم- في الجنائز: “اللَّهمَّ مَن أَحيَيْتَه مِنَّا فأَحْيِهِ على الإسلامِ، ومَن تَوفَّيْتَه مِنَّا فتَوفَّهُ على الإيمانِ“.[13]

الإحسان

أمّا عن الإحسان، فمهوم الإحسان لغويًّا: هو ما يكون من الإتقان والإخلاص في عمل شيءٍ ما، وكذلك أيضًا في المفهوم الشرعيّ سيكون له حالتين على حسب الإطلاق:[9]

  • الحالة الأولى: إذا أطلق الإحسان مفردًا غير مقترنٍ، فإنّه كما في الإيمان والإسلام يطلق على الدين كله.
  • الحالة الثانية: أمّا إن أطلق مقترنًا بالإسلام أو الإيمان، فإنّه يكون تحسينًا للظاهر باقترانه بالإسلام، وتحسيناً للباطن إذا اقترن بالإيمان.

آية جمعت مراتب الدين

إجابة سؤال ما اعلى مرتبه من مراتب الدين دفعت إلى تفصيل مراتب الدّين الثلاثة كلّ رتبةٍ على حدا، وكما تمّ ذكر الحديث الصّحيح الذي تحدّث عن مراتب الدّين، كذلك لا بدّ من ذكر الآية القرآنيّة التي اشتملت بين كلماتها على ذكر مراتب الدّين الثلاثة معًا، والآية التي جمعت مراتب الدّين هي ما جاء في قوله تعالى من سورة الحجرات: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آمَنَّا ۖ قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَٰكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ ۖ وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئًا ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ}.[11]

ما اعلى مرتبه من مراتب الدين مقالٌ فيه تعرفنا على بعضٍ من مزايا الدّين الإسلامي، قبل الخوض في ذكر مراتب الدين الثلاثة وأركان كلٍّ منها، والخوض في الحديث عن مراتب الإحسان والذي يعدّ اعلى رتبه من مراتب الدين ومن ثمّ تمّ الخوض في شرح وتعريف كل مرتبه على حدا، وذكر الآية التي جمعت المراتب الثلاثة.

المراجع

  1. ^ saaid.net , من مزايا الدين الإسلامي , 07/12/2020
  2. ^ binbaz.org.sa , مراتب الدين وأركان كل مرتبة , 07/12/2020
  3. ^ islamweb.net , مرتبة الإحسان , 07/12/2020
  4. ^ سورة المائدة , الآية 93
  5. ^ سورة البقرة , الآية 112
  6. ^ سورة لقمان , الآية 22
  7. ^ معارج القبول , الحكمي/الحارث بن مالك الأنصاري/999/3/مرسل
  8. ^ مسند أحمد , أحمد شاكر/عمر بن الخطاب/1/179/إسناده صحيح
  9. ^ islamqa.info , مراتب الدين الإسلامي , 07/12/2020
  10. ^ سورة آل عمران , الآية 19
  11. ^ سورة الحجرات , الآية 14
  12. ^ سورة البقرة , الآية 257
  13. ^ تحفة المحتاج , ابن الملقن/أبو هريرة/1/589/صحيح أو حسن كما اشترط على نفسه في المقدمة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *